ليس من المبالغة القول بأن أغنية عبد القادر يا بوعلام أصبحت تحتل صدارة أغاني الراي أداء و شهرة، ودليل ذلك أنه وبعد حوالي عشر سنوات من ظهورها لم تستطع أي جهة رصد عائداتها المادية المكفولة بقوانين حقوق المؤلف، ومن ثم لا غرابة ، في أن تتحول هذه القصيدة الشعبية البسيطة من حيث معانيها وتركيبها الى مشكلة قانونية بين مؤلفها والديوان الوطني لحقوق المؤلف.. مشكلة معقدة عجز الخبراء عن ايجاد حل عادل لها يرضي أطراف الخصومة، وسبب ذلك مادي بحت كما نشرحه هنا،ولكن قبل ذلك ماهي قصة هذه الأغنية؟ أسئلة طرحناها على مؤلف الأغنية الذي يجهله الكثير ممن رددتها حناجرهم وتغنوا بها في المحافل الوطنية والدولية قبل أن تدخل كواليس المحاكم،تماما مثلما خرجت ذات زمان من زنزانات سجن لامباز الشهير كعقد أخلاقي بين سجين كان يتعاطى الشعر،وأحد أولياء الله الصالحين، ومن هنا بدأت حكاية عبد القادر يا بوعلام التي أبدع فيها ملك الراي الجزائري الشاب خالد قبل أن يقلده فيها الكثيرون من مغني هذا الطابع الغنائي،بل وتعدت الحدود الجغرافية للجزائر لتصل الى لبنان ويلتقطها المطرب علاء زلزلي ليرددها هو الاخر، ولكن دون أن يعرف معانيها وقصتها، مثل كل الذين تغنوا بها . يقول مؤلف الأغنية الشاعر الغنائي الحاج زغادة المدعو الورشاني أن قصة الأغنية التي هي قصته أيضا بدأت عام 1989عندما كان سجينا بسجن لامباز الشهير بولاية باتنة شرق الجزائر لأسباب سياسية فضل عدم الخوض فيها، وطالت أيام السجن الذي ضاق بما ضاقت زنزانته على الشاعر الذي ركبه هم شديد، وذات ليلة رأى في منامه جده محي الدين عبد القادر الجيلاني وقد زاره ليخفف عنه العذاب، فلما شكا له وحدته طلب منه الزائر أن يكتب له قصيدة ويضمنها بأسماء جميع أولياء الله الصالحين الذين يسمع عنهم وسيفرج الله عنه كربته، وهكذا شرع الورشاني في كتابة القصيدة التي يبدأها بمناجاة جده عبد القادر ومن ثم جميع الأولياء، و كانت المفاجأة أن أفرج الله عنه فعلا بعد أيام قليلة و كاعتراف منه بهذا الفضل لأولياء الله قرر أن يخلد القصيدة و يحولها إلى أغنية، فتوجه إلى استديو بسكرة مسقط رأسه بالجنوب حيث سجلها بصوته ثم صرح بها لدى الديوان الوطني لحقوق المؤلف الذي أصبح عضوا به و حصل على نسخة من تعريف المصنفات من لجنة الديوان بالعام نفسه، وفي خطوة تالية تعاقد مع دار النخيل ببسكرة أيضا غير أن أول ظهور له بها أمام الجمهور في الحفلات العامة كان بتاريخ 15 مايو 1991 . إذا كانت حكاية صاحب القصيدة مع الزنزانة قد انتهت بمجرد تنفيذه للبند الوحيد الذي تضمنه العقد الأخلاقي الذي أبرمه مع جده في المنام فإن حكاية القصيدة نفسها مع دور النشر و الديوان الوطني لحقوق المؤلف تبدأ من هنا عندما أقدم عدد من مطربي الراي وحتى مطربي الأغنية الجزائرية الملتزمة على ترديدها وتسجيلها بنوع من التحريف الذي طالها في اللحن والكلمات دون مراجعة الاجراءات القانونية التي تنص عليها مواد قانون حقوق المؤلف،وهو ما اعتبره الورشاني تزويرا واعتداء على حق من حقوقه،خاصة عندما اختطفتها دور نشر أخرى وسجلتها بأصوات عديدة منها: ـ الشاب خالد ورشيد طه عن دار لازيو ـ الشابة الزهوانية عن دار ديسكو ستار وأعادتها عن طريق دار أنوار ـ الشاب حسان عن دار سانتانا ـ فرقة 3،2،1 شمس عن دار الصوت الوهراني ـ نعيمة عبابسة عن دار صوت الفنانين ـ حكيم طاي طاي عن دار سنمال ـ مراد جعفري عن دار قصر الأسطوانة ـ فرقة كوكتال أفريكا عن دار دور اليوم ولهذه الأسباب تقدم صاحب الأغنية بشكوى لدى الديوان الوطني لحقوق المؤلف بعد أن جمع كل الوثائق التي تؤكد الاستيلاء على أغنيته لكن مصالح الديوان ردت عليه بالسلب، أما سبب ذلك كما يرى مسئول بالديوان أن الورشاني يملك حق اللحن فقط ولا يملك حق الكلمات لأنها أغنية تراثية، غير أن تصريح هذا المسئول يناقض تماما الاجراء الاداري الذي قام به الديوان عندما وافق على تسجيل الأغنية باسم الورشاني في العام 1992 بنسبة 100 بالمئة، ومنذ هذا التاريخ عرفت علاقة الطرفين مسارا آخر الى أن قام هذا الأخير برفع دعوى قضائية ضد الديوان ببئر مراد رايس بالعاصمة وهي المحكمة التي أصدرت حكمها في القضية تحت الرقم 98 - 532 بتاريخ 19 سبتمبر 1998 يقضي بتعويض المدعي مبلغ ثمانية ملايين دينار وهو ما يعادل 100 ألف دولار أمريكي غير أن الرجل رأى في هذا المبلغ لا يفي بالغرض مقارنة بالاستغلال الذي تعرضت له الأغنية داخليا وخارجيا فلجأ عن طريق محاميته الى طلب تعيين خبير لاجراء خبرة يحدد على ضوئها قيمة حقوقه وعمد من جهته رفقة بعض أصحاب دور النشر المحترفين باجراء احصاءات انطلاقا من الوثائق المتوفرة ليجد أن الرقم وصل الى مبلغ 250 مليون دينار«1.5 مليون دولار» كعائدات الأغنية بعد الرواج الكبير الذي حققته وطنيا ودوليا. ومن خلال مقاضاته ديوان حق التأليف يواجه مؤلف أغنية عبد القادر يا بوعلام في الواقع جبلا من المصالح المتشابكة لأطراف كثيرة ايست كلها من ميدان الفن. ونسجت حول القضية عشرات القصص المثيرة حول تدخلات أطراف في الادارة ومصالح أخرى رسمية لوقف البحث عن الحقيقة ربما تجنبا لكشف تورط جهات ذات صلة بمؤسسات الدولة. ومهما يكن فإن المعضلة القانونية التي طرحتها هذه الأغنية لم يسبق أن شهدت البلاد مثيلا لها خلال أربعين سنة من سريان العمل بقوانين الجزائر المستقلة. وهي مرشحة لفصول جديدة من الاثارة. الجزائر ـ مراد الطرابلسي