كتاب «المسند لابن حنبل» هو موسوعة جامعة لاحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» وما أثر عنه من أفعال، والسنن المأثورة عن اصحابه وفتاواهم، وقد استغرق جمعه وتنقيحه، حياة الامام «أحمد بن حنبل». ولد الامام «أحمد بن حنبل» سنة 164هـ وتوفي سنة 241 ه، فعمر نحو سبع وسبعين سنة، وكان ينتمي الى اسرة عربية من جهة ابيه ومن جهة امه، إذ ينتميان إلى قبيلة «شيبان» وهي قبيلة «عدنانية»، وقد نالت اسرته مجدا في الدولة الاموية والعباسية، فجده كان قائداً وواليا في احدى الولايات «بخراسان» وابوه كان قائداً عربيا من قواد الجيش العربي العباسي، قبل ان يتغلب العنصر الفارسي على العنصر العربي في الجيش الاسلامي. ولد الامام «أحمد بن حنبل» في بغداد عاصمة الحكم الاسلامي آنذاك، ولكنه لم يكد يرى النور، حتى فقد أباه الذي لم يكن قد تجاوز الثلاثين من العمر، وقامت امه على تربيته برعاية عمه. واذا كانت هذه الاسرة قد فقدت سلطانها فقد ارادت الام ان تستبدل لابنها بسلطان المادة والولاية، سلطان العلم، فوجهته إليه، وكان له نزوع نحوه، وسهل ذلك اقامته بمدينة بغداد التي زخرت بأنواع المعارف والفنون الاسلامية ففيها القراء والمحدثون والفقهاء والمتصوفة والفلاسفة الحكماء وعلماء اللغة وكبار الشعراء. بدأ الامام احمد بن حنبل حياته الفكرية بحفظ القرآن الكريم، ثم طلب الفقه، ثم اتجه الى الحديث الشريف. ويذكر المؤرخون أن أول طلبه للحديث كان سنة 179ه، أي وهو في نحو الخامسة عشرة من عمره، حتى إذا أحس بأن المحدثين في عصره كانوا متفرقين بالامصار. إتجه الى الرحلة ليتلقى العلم عنهم من افواههم، ولا يكتفي بالروايات المنقولة، وقد بدأ رحلاته سنة 186ه، فرحل الى البصرة.. ثم الى الحجاز في العام التالي، حيث كان أول لقاء له بشيخه الشافعي رضي الله عنه، ثم توالت رحلاته لطلب الحديث الشريف، حتى قال قولته: مع «المحبرة الى المقبرة». وهذه المحبرة التي يحملها كان يدون بها ما يسمع من الاحاديث الشريفة لان العصر كان عصر جمع وتدوين وكان الامام احمد يعمل أولا على سماع الحديث من راويه ثم يدونه ويحفظه في صدره. وكتاب «المسند» هو مجموعة من الاحاديث التي رواها الامام احمد بن حنبل وضرب في بقاع الارض ساعيا جاهدا في جمعها وكان يكره كتابة العلوم الاسلامية ماعدا الحديث حتى لا يكون شيء من المصادر الاسلامية مدونا غير الكتاب والسنة. وقد كان يضع نصب عينيه جمع احاديث رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عن الثقات الذين عاصروه ومن كانوا على كثب منه، ومن بعدوا عنه، مهما تكن المشقة شديدة واستمر في جمع «سنده» هذا مدى حياته ولم تكن همته متجهة الى ترتيب ما يجمع وتبويبه بل كانت متجهة الى الجمع والتدوين، وقد استمر في الجمع وتنقيح ما يجمع، وتحقيق رواياته والموازنة فيها، من حيث قوة الرواة وضعفهم، فلم يكن تنقيحه ترتيباً. وعندما احس بدنو الأجل جمع بنيه وخاصته، وأملى عليهم ما كتب وأسمعهم اياه مجموعا وان لم يكن مرتبا فكان حرصه في هذه الحال ألا يضيع شيء مما جمعه. ويظهر من أخبار كتاب «المسند» ان عبدالله بن احمد بن حنبل هو الذي رتب المسند بالوضع الذي نراه الآن، وقد حاول من بعده محدثون وحفاظ ان يغيروا ذلك الترتيب ويجعلوه مرتبا على نسق كتب السنة الصحاح المشهورة كالبخاري ومسلم وسنن ابي داوود، فإنها مرتبة على حسب الموضوعات بحيث يرجع الى الاحاديث المروية في كل موضوع وبذلك تكون الفائدة اسهل متناولاً. اما ترتيب المسند كما رتبه عبدالله بن احمد فهو ان يجمع احاديث كل صحابي في مكان واحد، من غير نظر الى الموضوع فيجمع كل ما روي عن ابي بكر ويسمى «مسند ابي بكر» وكل ماروي عن عمر ويسمى «مسند عمر» وهكذا بقية الخلفاء الراشدين والفقهاء من الصحابة كزيد بن ثابت وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر.. وغيرهم. ولم يسلك في ترتيب الصحابة ترتيب الحروف بل ابتدأ بالافضل فالأفضل من الصحابة فابتدأ بالعشرة المبشرين بالجنة «أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن مالك والزبير بن العوام وطلحة بن عبدالله وابي عبيدة وغيرهم..» ثم من يليهم وهكذا حتى إذا وصل الى التابعين رتبهم هكذا. وقد ضبط المحدثون بعد الامام «أحمد بن حنبل» أقسام الحديث فقسموه الى حديث صحيح، وحديث حسن وحديث ضعيف، وهذا التقسيم لم يكن معروفاً في عصر الامام أحمد، الذي قدم خدمة كبيرة في عمله الرائع للاسلام والمسلمين. إعداد ـ محمد سطام الفهد