لم تكف ايدي الجمهور الذي قدر بستة الاف عن التصفيق والتلويح ولم تكف حناجرهم عن الصراخ على مدى ساعتين من الحفل الذي قدمته المطربة اللبنانية فيروز برفقة نجلها الفنان الموسيقي والمسرحي زياد الرحباني على مسرح بيت الدين ليلة امس الاول (الجمعة). وغلبت سمات الحكاية والمناخ الغنائي الاليف المشبع بالحالات الوجدانية الشفافة على الليلة الاولى من حفلات فيروز الثلاث. هكذا حين تخرج فيروز بثوبها البني البراق الى جمهور انتظرها عاما في قصر بيت الدين وطاردها خلال هذا العام من دبي الى الكويت ثم الى بال في سويسرا. وبدا الحضور منذ دخول الفرقة بقيادة كارن دورغريان شديد الانفعال والشوق غير متردد في اطلاق الزغاريد او الصياح باسم فيروز او بعنوان اغنية من اغانيها او التلويح بالايدي او اشعال قداحاتهم. بدأ الحفل بمعزوفتين موسيقيتين لزياد الرحباني الاولى تحت عنوان «النبي» المستقاة من عنوان كتاب للاديب اللبناني الراحل جبران خليل جبران والثانية تحت عنوان «ميدل ايست» في اشارة لشركة الطيران اللبنانية التي تواجه مشاكل مادية صعبة. وقدم زياد توضيحا حول الحلقة التي تربط العملين مشيرا الى انه لحنهما في اواخر السبعينيات: «أكيد في ربط بين جبران والميدل ايست فلبنان يفتخر بهما، وهما من الاشياء الناجحة بالوطن». ثم دخلت فيروز بفستان من البني المرصع فانتزع دخولها تصفيق الحضور الطويل الذي قطعته باشارتها للمايسترو ان يبدأ لتقدم اغنية جديدة على ايقاع موسيقى الجاز «شو بخاف» ويقول مطلعها «شو بخاف دق عليك وما لاقيك..شو بخاف بنص الليل ما حاكيك..شو بحس الليلة صعبة اسمعها ضربة ضربة..يخطر لي اخذ حبة تاقدر نام». وهكذا استمرت الاغاني الفيروزية فغنت من ألحان زياد «خليك بالبيت» و«الارض لكم» و«يا ليلي ليلي» و«رح نبقى سوى» و«صباح ومسا» التي اضافت اليها مقطعا جديدا لم تسجله في ألبومها الاخير. كما قدم زياد والفرقة «بلا ولا شي» و«ولعت كثير» و«نشكر الله عنا بيانو» اضافة الى عزف موسيقى «بالنسبة لبكرا شو» و«قمح». وتخلل الحفل استراحة لعشرين دقيقة بدا بعدها الفصل الثاني بموسيقى «ديار بكر» التي كان عزفها العام الماضي في نفس المكان واهداها الى الزعيم الكردي عبد الله اوجلان. واطلت بعدها فيروز مجددا بثوب ابيض واغنية جديدة «خبرني عن ..وشو اخبارو..انشالله ما بو شي..كل مرة بصدف جاره..هيدا جاره.. ما بيخبر شي». اما من قديم الاخوين رحباني فاستعادت فيروز اغاني «لا انت حبيبي» و«يا جبل البعيد» و«بعدو الحبايب» و«بحبك ما بعرف». وتمثلت مفاجأة الحفل اغنية «الغضب الساطع» التي شكلت تحية للانتفاضة الفلسطينية المستمرة في الاراضي الفلسطينية وواكبها بعض الحضور بالبكاء. وفي مقاطع معينة جسد صوت فيروز الضمير الصارخ المنبثق عن روح الجماعة المنادية بالحق المسلوب كان تقول مثلا «البيت لنا والقدس لنا وبأيدينا سنعيد بهاء القدس..بأيدينا للقدس سلام ات». وينتهي الاحتفال باطلالة اخيرة لفيروز غنت فيها من ألحان الاخوين رحباني «طل وسالني» و«بعدك على بالي» وعادت بناء على الحاح الجمهور الذي صفق طويلا لتغني «بنت الشلبية» و«تلفن عياش» لزياد الرحباني التي صبت الزيت على نار حماسة نحو ستة الاف متفرج واخرجت بعض الشبان من مقاعدهم ليرقصوا على انغامها وسط تصفيق الحضور. وهنا انهالت الورود على فيروز حيث بات المسرح اشبه بكتلة قرنفلية واحاط الجمهور بالمسرح من كل جهة مطالبا بعودة السيدة للغناء. اما على الضفة الثانية من المسرح فقد نال زياد الرحباني نصيبه من الورود فحاول تهدئة بعض الحضور عبر مصافحتهم حينا وعبر اقناعهم بأنهم يعوقون عمله احيانا وذلك بعدما تحول البيانو الى حقل زهور الا انه فشل مما اضطره الى ترك المكان لعازف اخر. ورغم مغادرة فيروز ظل الجمهور يصفق لنحو ربع ساعة وعندما يئس من عودتها حاول الاستنجاد بزياد مناديا باسمه لكنه لم يحضر واقتصرت تلبية فيروز لطلبات جمهورها بالخروج للتحية فقط من دون الغناء. وخرج جمهور مسرح بيت الدين ليجد ان جمهورا اخر كان يحضر الحفلة وقد حجز امكنته على شرفات المنازل والمقاهي القريبة من المسرح. التناغم بدا واضحا بين العزف الاوركسترالي المؤلف من نحو ستين عازفا وصوت فيروز واصوات الكورس وبدت العناصر الثلاثة هي عماد العمل الموسيقي الغنائي وركيزته تتصاعد وتخفت في تناسق جمالي. اما صوت فيروز فاستطاع ان يتغلغل في حنايا الموسيقى ويجسد الحالات التي طمح زياد ان ينقلها ويعبر عنها. ـ رويترز