أخبـار البنت ميـاكايا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان الكتب: «جاءت واقفة في مركبها العجول، وجهها في ما بين التبسم والعجب، حتى إذا ما قاربته، حزمت ساعديها على صدرها بشدة ورمت برأسها ترفع ثم تعيد.. وتعيد ثالث، وينفتح رأس «غانم» عليه كبوابة من الضياء بأنها تؤشر له، اعتدلت ومدت يدها بأعلى النهر، ثم أتاه صوتها رحيباً وحاد النبرات مثل وقوقة الغرانيق المبجلة التي تقول بها «عين الحور»، كأنها تكرر وتكرر: شولو بوجون، شولو بوجون. إنحنت وغمدت في يدها شيئاً كأنه من حبوب الذرة أو رمال الشط، ثم ذرته في رياح النهر وانهمكت على أعقابه تطرق بأصابعها، فكأنها تأتي فعال بعض السحارين، وترطن وتعيد ضم يديها عليها، وتذر الحَب والرمال، والآخرون كأنما لا يعنيهم منه أو منها حتى واراها المنعطف وغطاها في مركبها شجر الجروف الجنوبية» صدرت حديثا للروائي السوداني «إبراهيم إسحق» رواية بعنوان: «أخبار البنت مياكايا» عن «مركز الدراسات السودانية» بالقاهرة. والرواية قصيرة لا يتجاوز عدد صفحاتها ثمانين صفحة وهي، وكما يشير إلى ذلك «إبراهيم إسحق» في تقديم روايته، تستوحي تاريخاً يسلك أحداثها مع القرن السادس عشر الميلادي، وجل مواقعها بالنيل الأبيض، من ملتقى النيلين وحتى مشتبك نهر السوباط وبحر العرب في النيل الإستوائي. تأخذنا الرواية في رحلة بطلها «غانم» إلى «شولو بوجون» أو أرض قبيلة «الشُلُك» بجنوب السودان، باحثاً عن قدره بعيداً عن سطوة جدته «لترفع يدها المعروقة عن شئونه» أو كما قال: فيسير إلى أرض الشلك ليعمل في جمع سن الفيل «سن الفيل في مصر بجيب دهب أحمر» وترسل جدته «المعاطي» في إثره صاحبيه «عون الله» و«الموفي» فيعثران عليه بعد حين من الدهر، ولكن «غانم» يأبى العودة فقد تعلق قلبه بـ«مياكايا» بنت ملك الشلك. وتتصاعد أحداث الرواية وتتشابك فيلتقي «عون الله» جدته «كوناتايا» في مشهد مؤثر وتأخذ الرواية منحيً آخر بالصراع حول خلافة ملك الشلك وتصل الرواية ذروتها بهروب «مياكايا» مع «غانم» و «عون الله» بعد مصرع «الموفي» بحربة «فيفيتي» حارس «مياكايا». ولعل رواية «أخبار البنت مياكايا» من الروايات السودانية القلائل التي اتخذت من جنوب السودان مسرحاً لأحداثها، والرواية عامرة بأجواء وطقوس هذه المنطقة الشديدة الخصوصية والتميز، فمثلاً حين نجد شريحة من فتيات جنوب السودان تعيش على هامش الحياة في رواية «عرس الزين» لـ«الطيب صالح»، نجد أن «أخبار البنت مياكايا» تكرس جل أحداثها وأجوائها لجنوب السودان ممثلاً في قبيلة الشلك، ولعل هذا ما حدا بإبراهيم إسحق أن يعين القارئ على قراءة روايته بأن أورد في نهاية الرواية حواشي تبين ما يشتكل عليه من ألفاظ غير عربية ونحو ذلك أو كما يقول المؤلف «ومثل كل الروايات المستوحاة من التاريخ، أو تلك التي اتخذت من الثقافات المغايرة لما يعهده القراء معرضاً، مثلها كلها تحتاج من الروائي لأن يورد بعض الألفاظ في أصلها اللغوي المغايرة للغة القراء». بقي أن نقول ان «إبراهيم إسحق» روائي سوداني، صدرت له من قبل الروايات «حدث في القرية» و«أعمال الليل والبلدة» و«مهرجان المدرسة القديمة»، كما أن له روايتان تحت الطبع هما «وبال في كليمندو» و«فضيحة آل نورين»، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين هما «ناس من كافا» و «حكايات من الحلالات». أما في مجال الدراسات فله منها كتاباه «الحكاية الشعبية في إفريقيا» و «الأصول العربية لهجرة بني هلال». عصام عيسى رجب

Email