مرت حقب وعصور على الكتاب بقي خلالها يحتل الصدارة ويتفوق على كل أساليب المعرفة ليحافظ على مكانته كخير جليس للأنام، ولكي يستقي من صفحاته المتعطشون الى معرفة فنون الادب والعلم والثقافة والباحثون في أغواره عن أسرار الكون العجيب، ولم يجد التاريخ طريقه الى الحاضر الا عن طريق الكتب التي انطوت صفحاتها على أحداث لم تكن لتخطر على بال احد لولا فضل الكتاب، فهل يا ترى بعد كل هذه الحسنات على مر السنين ظل الكتاب في المكانة نفسها في ظل ظهور اجهزة حديثة مثل الكمبيوتر والانترنت، التي سلبت الكتاب بريقه ووهجه وفي هذه اللقاءات رصدت «البيان» آراء عدد من زوار معرض الكتاب وطرحنا السؤال التالي: ما هو مستقبل الكتاب في العصر الحالي في ضوء انتشار الانترنت؟ فكانت هذه الآراء: خولة الحديد «باحثة بالمجمع الثقافي» قالت: من خلال مشاهدتي لغالبية المعارف العربية وبعض المعارف الدولية نلاحظ اتجاهاً كبيراً نحو النشر الالكتروني والوسائط المتعددة، فالمسألة تعدت فكرة تحديث الطباعة. وذكرت انه لابد من الحديث عن مفهوم جديد للكتاب، فعندما يقال ان زمن الكتاب انتهى، فهذه مقولة يدحضها او يبرهن على عدم صحتها دخول الآلاف على شبكة الانترنت يومياً الى أماكن وجود الصحف والروايات والاعمال الادبية وغيرها وبذلك يكون الكتاب حاضراً، ولكن لم يعد ورقياً، وانما على أقراص مدمجة وعلى الليزر دسك وفي الوقت نفسه، فإن عملية القراءة اصبحت متابعة للمواقع الموجودة على الشبكة العالمية والتي اصبحت تقدم اهم المنشورات والمطبوعات حتى ان عدداً كبيراً من المؤلفين بدأوا باصدار مؤلفاتهم على شبكة الانترنت، ويكونون بذلك قد تجاوزوا صعوبات النشر والتوزيع بما فيها المشكلات المادية وبالتالي الصعوبات التي تواجه المؤلف. ويقول د. ابراهيم المرزوقي، انه مهما تقدمت الوسائل المقروءة لا يمكن الاستغناء عن الكتاب، لأنه اسهل تداولاً من الوسائل الاخرى، فالانسان يستطيع ان يحمله في سيارته وبيته ومكتبته وحتى وهو مستلق في سريره. وقال: كم منا لا ينام الا والكتاب يشاركه السرير، الامر الذي لا يمكن للوسائل الاخرى القيام به في ظل التقنية الحديثة. واضاف: لا يمكن ان نعلم ما يخفيه المستقبل ولكن حسب التطور التقني الى الآن لا توجد وسيلة سهلة التداول كما الكتاب، فله نكهته وطعمه الخاص، وهو ذلك الصديق الذي لا يمكن ان يستغني عنه الانسان مهما اختلفت درجات ثقافته وعلمه، ويظل هو نافذة المعرفة المفتوحة ابداً. اما صقر ابو فخر، «باحث وناشر» فقال: لا شك في ان الكتاب الورقي يتجه نحو الاندثار، هذا في الحضارة الغربية المتقدمة، حيث التطور التكنولوجي بلغ مرحلة تنذر بتحويل كل الاشياء الجميلة الى ادوات صغيرة يمكن نقلها بالجيب، لكن في العالم العربي حيث الأمية بلغت 70 مليون انسان والكهرباء لم تصل بعد الى العديد من المناطق المتخلفة، فإن الكتاب الورقي سيعيش طويلاً. واضاف: صحيح ان شرائح واسعة في المدن العربية ذات التعليم العالي وذات الدخل المرتفع، بدأت تتحول نحو منجزات تكنولوجية، ولا سيما نحو الكتاب الالكتروني، لكن هذه الشريحة ما زالت هامشية جداً، فالغالبية العظمى من سكان العالم العربي لا تستطيع حتى الآن ان تنعم بمنجزات العلم، لذلك اظن ان الكتاب الورقي سيستمر في اداء مهمته في التعليم والثقافة الى أمد طويل، بينما الكتاب الالكتروني سيكون حضوره مقتصراً على الفئات العليا من المجتمع وعلى بعض المؤسسات في الدول ذات الدخل المرتفع. وقال: الى ان يقضى على الامية، وحتى تجر الحضارة المعاصرة فئات المجتمع العربي بأكملها فسوف يبقى الكتاب المطبوع سيد القراءة الى أمد غير منظور. عطا الله حوشان «اخصائي الشئون الاعلامية والثقافية بالسفارة الامريكية» اكد على ان الكتاب سيبقى سيد الموقف مهما حصل من تقدم تكنولوجي ومعرفي. وقال: بلا ريب فإن الكتاب الالكتروني بدأ يقضم دور الكتاب المطبوع بالتدريج، لكنه لن يتمكن من انهاء دوره والغاء حضوره في المستقبل البعيد. واضاف: صحيح ان ثمة اموراً تغيرت في حياتنا ولم يعد الكتاب يبهرنا كسابق عهده لظهور اجهزة الكمبيوتر وشبكات الانترنت التي سلبت من الكتاب بريقه ووهجه بعد ان اصبحنا مبهورين بهذين الجهازين اللذين وفرا كثيراً من العناء، لكن الكتاب سيبقى في الصدارة في ظل تسارع عصر المعلومات وتعدد اساليب المعرفة. احمد عبدالعزيز الجمعي، المشرف على جناح الامانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، قال: على الرغم من أننا بحاجة الى مواكبة العصر وما رافقه من تقدم تكنولوجي ومعرفي لكن يبقى الكتاب هو العنصر الأساسي في الحصول على المعلومات، وهو افضل طريقة للتوثيق ولا يمكن للباحثين ولطلاب العلم وفئات متعددة من المجتمع الاستغناء عنه. احمد حلمي متولي، مبرمج حاسب آلي، ومصمم مواقع على شبكة الانترنت، قال: مما لا شك فيه اننا نعيش في عصر التقدم العلمي وتكنولوجيا المعلومات والانترنت، وقد احدث ذلك انفتاحاً على العالم، واصبح الحصول على المعلومات اسهل واسرع بكثير من قبل، وما دامت السرعة هي شعار العصر، فيظن البعض بأنه لا وقت للكتاب، ولكنني ارى عكس ذلك، فما زال للكتاب بريقه والحاجة اليه ماسة، فببساطة شديدة على سبيل المثال ليس كل ما يكتب ينشر على شبكة الانترنت والعكس صحيح، ولذلك يمكن القول بأن الكتاب سيظل متفوقاً ومحتفظاً بمكانته بجانب ثورة التكنولوجيا التي نعيشها الآن. اما خالد المعالي، شاعر وناشر فقال: مما لا شك فيه ان وضع الكتاب سوف يتأثر بظهور الانترنت مثلما تأثر سابقاً بالراديو والتلفزيون والسينما، ولكن مستقبله ثابت ولا يمكن ان يختفي. وقال: لا يمكن ان نتصور كتاباً اليوم على قرص مدمج يعتمد برنامجاً معيناً، وبعد عدة سنوات يتغير باطراد متسارع لدرجة ان الملف الذي يعتمد برنامجاً معيناً سوف لن نستطيع فتحه بعد عدة سنوات. واكد على ان الكتاب ما زال يحتفظ بدوره على الرغم من تأثره بالتطورات الحديثة شأنه في ذلك شأن اي شيء في الحياة. متابعة: عبد الرزاق المعاني