«الطارش» و«الكيتوب» قصص الحنين وعطر التواصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعود استخدام البريد إلى عهد الإمبراطوريات القديمة منذ آلاف السنين، وأخذت عملية التواصل والاتصال العديد من الأشكال، بدءاً بالرسائل الصوتية الشفاهية، وقرع الطبول، أو عن طريق الحمام الزاجل، وللعرب تاريخ طويل حافل مع الحمام الزاجل؛ فهم من أوائل الأمم التي عرفت أهميته وتربيته واهتمت بأنسابه ووضعت الكتب والدراسات في طبائعه وأمراضه وعلاجه، وكان البريد الذي أسسوه يعتمد على الخيل والجمال والبغال وتبادل الإشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الأخبار.

وفي الإمارات تم استخدام المشافهة كوسيلة اتصال في نقل الأخبار والقصص عن طريق «الطارش» الذي يقوم بنقل الرسائل وإيصالها، وكان لـ«الطارش» مكانة خاصة وعادات متبعة عند استقباله في الترحيب والاستضافة، ثم ظهرت مهنة الكتابة بعد تطور المجتمع وتعددت طرق الاتصال.

فتقلص دور «الطارش»، وظهرت مهنة الكتابة واشتهر البعض في صوغ الرسائل وأولهم كان «الكيتوب» واشتهرت أسر بأكملها بهذه الكنية، ثم ظهر آخرون امتهنوا الكتابة، وكانوا يكتبون الرسائل مقابل أجر بسيط.

وكانت مختلف الأخبار تنتقل عن طريق الرواة وأصحاب الإبل، كما اشتهر عدد من المراسلين الذين كانوا ينقلون الرسائل بين الإمارات المختلفة، وبين دول الخليج الأخرى، وكانوا مجموعة من الذين تطوعوا وتحملوا مشقة وعناء الطريق والسفر لقضاء حوائج الناس والمحافظة على التواصل وعرفوا باسم «السعاة» أو «البوسطة».

ومن أهم من اشتهر من المراسلين في إمارة الشارقة «بو مفتاح» الذي عرف بمعطفه «الكوت» الذي كان يملأه بالرسائل، وأصبح هذا «الكوت» مضرب مثل فيقولون فلان كوته مثل «كوت بو مفتاح»، وهناك آخرون تولوا توزيع الرسائل والكتب والصحف والمجلات والرسائل والطرود التي تصل إلى ميناء الشارقة.

وتعود بداية الخدمات البريدية في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى عام 1909 حين افتُتح أول مكتب بريد في إمارة دبي ضمن الوكالات البريدية العاملة في منطقة الخليج، بعدها تم افتتاح أول مكتب بريد في إمارة أبوظبي في 30/‏‏‏3/‏‏‏1963 وخلال الفترة من 1963 - 1964 تم افتتاح مكاتب بريد في كل من إمارة الشارقة - عجمان - أم القيوين - رأس الخيمة - الفجيرة وارتبطت هذه المكاتب المنشأة حديثاً بمكتب بريد دبي في تسلم وإرسال البريد الخاص بها وكان ذلك يتم عبر مطار دبي.

ذكريات البريد

كان يطلق على رجل أو ساعي البريد في كثير من البلدان «البوسطجي» بصورته النمطية القديمة وهو يمتطي دابة، أو دراجة تقليدية تحمل «كيس» الخطابات والرسائل، أو الشكل «الكلاسيكي» لصندوق البريد الأحمر، ومظاريف الرسائل الورقية، وما تحمل من «أختام»، وطوابع البريد التي استهوت الملايين في كل بقاع الدنيا، وكانت ولا تزال الهواية المفضلة لديهم.

وقال أحمد الجسمي: «سمعنا من آبائنا أنه كان قديماً يبحث الناس عن شخص متعلم يكتب المخطوط من أجل كتابة رسالة يراد إرسالها إلى أحد أفراد الأسرة، حيث كان بعض أهلنا يدرسون في الكويت أو في بلاد أخرى، وبعدها ينتظرون أسابيع وشهوراً كي يأتي الرد من المرسل إليه».

وقال سالم الشحي: «كان لدي هواية جمع الطوابع حيث كنت أجمع طوابع الدول الأخرى عن طريق التعارف والمراسلة للأصدقاء في المجلات، وكان لدينا صندوق بريد للعائلة وكنت آخذ الطوابع ذات الطابع المحلي وأرسلها للأصدقاء وأتسلم رسائلهم وأجمع عن طريقهم الطوابع وكان سعر الطابع بضعة دراهم.

وكان لكل دولة تسعيرة معينة للطوابع، وكنت أضع عدة طوابع للرسالة ذات القيمة وكان بريد الإمارات له إصدارات خاصة من الطوابع ذات الطابع المحلي والتراثي والاقتصادي وكانت هناك صناديق حمراء يتم توزيعها بين المناطق والأخرى أما الآن فقد بدأت تلك الصناديق بالتناقص شيئاً فشيئاً بظهور وسائل الاتصال الحديثة».

 

Email