خان أسعد باشا.. شاهد على حضارة دمشق وانفتاحها الفكري والثقافي

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط سوق البزورية، أحد أعرق الأسواق الدمشقية والعالم، رائحة ذكية تنبعث من المحال التجارية التي تنشر جميع أنواع التوابل بشكل فني يظهر ألوان وتناغم منتجاتهم المعروضة على واجهتها وأمامها، تترافق بضجيج كبير ناتج عن ازدحام مرتادي السوق، يوجد خان أسعد باشا أحد أكبر الخانات في منطقة الشرق الأوسط، الذي يختصر مكانة دمشق الاقتصادية والفنية وهي إحدى أهم محطات طريق الحرير. الخان الذي يتميز بهندسته البديعة، يختصر حضارات مرت على دمشق بدءاً من الإغريقية والرومانية وصولاً إلى الإسلامية، يبقى شاهداً على عظمة أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وانعكاساً على انفتاح أهلها الفكري والثقافي.

في ظل الازدحام والضجيج الذي يشهده السوق على امتداده البالغ نحو كيلومتر واحد تصادف بوابة كبيرة للخان مازالت موجودة منذ بنائه قبل نحو 270 عاماً وبعد أن تقطع أمتاراً قليلة داخل الخان، وصولاً إلى ساحته يبدأ مناخ آخر سمته الهدوء والراحة من جهة والإبداع المعماري من جهة ثانية.

بناء الخان

وتقول مديرة الخان غادة سليمان لـ«البيان»، إنه «تم البدء ببناء خان أسعد باشا عام 1751 بأمر من والي دمشق أسعد باشا العظم، وتم الانتهاء من تشييده سنة 1753، بحسب مقولة المؤرخين الذين عاصروا بناء هذا الخان».

وأضافت سليمان أن «كلمة خان مشتقة من الفارسية وتعني المبيت «كرفاي سراي»، وكانت الغاية من بنايه في تلك الفترة هي وجود مكان لتبادل البضائع واستراحة التجار، حيث إن دمشق تقع في موقع استراتيجي على طريق الحرير».

وتابعت سليمان أن «دمشق ازدهرت اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، في فترة حكم أسعد باشا الذي كان مستقلاً نوعاً ما عن الأوامر السلطانية في الأستانة، لذلك أصبحت على مستوى عالٍ من الفكر والثقافة».

وأردفت سليمان أنه في عام 1759م تعرضت دمشق لزلزال مدمر تهدم على أثره عدد من القباب وتعرض الخان لحريق حتى أن الأثاث والسجلات احترقت وسرقت، وكان لذلك أثر كبير في فقدان الكثير من المعلومات والوثائق المتعلقة بالخان.

وأشارت سليمان إلى أنه «في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر تجار سوق البزورية دخلوا إلى الخان ورمموه بشكل بسيط حتى لا ينهار وباعوا المحلات التجارية التي كانت جزءاً من الخان وأصبحت المحال أملاكاً خاصة واستمروا على هذا النحو لحوالي عام 1979 – 1980 حتى استملكته وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار».

2500 متر مربع.. 84 غرفة.. و9 قباب.

تخزين البضائع

يعتبر خان أسعد باشا أكبر خان في الشرق حيث تقول سليمان إن مساحته تقدر بـ2500 متر مربع وهو مؤلف من طابقين الأرضي مكون من 40 غرفة تتوزع على 11 جناحاً، والتي كانت مخصصة لتخزين البضائع والسجلات التجارية لتدوين الصفقات، لافتة إلى أن الجناح الشرقي من الخان كانت غرفة مفتوحة على بعضها من الداخل.

وأضافت سليمان أن الطابق الثاني مؤلف من 44 غرفة وهي غرف إفرادية خصصت لمنامة التجار، وتختلف عن نموذج الطابق الأرضي بالإضافة إلى وجود غرفة «الخانجي» وهو مدير الخان، حيث إن غرفته كانت مطلة على السوق ليراقب حركة السوق والقوافل الداخلة إلى الخان، لافتة إلى أن الإسطبل في خان أسعد باشا خارجي وموجود في نزلة سوق الوراقين في الطرف الثاني من مدحت باشا، والإسطبل حالياً غير موجود وهناك خانات في دمشق كان الإسطبل فيها ضمن الخان.

وتابعت أنه «يوجد 4 أعمدة تحمل 9 قباب متناوبة بالارتفاع لتوزيع الضوء والهواء، وإحدى تلك القبب مفتوحة وهي القبة المتواجدة فوق البحرة، بعض المؤرخين يذكرون أنها كانت مسقوفة بسطح جملوني وهناك خلاف حول هذه الأمر»، مشيرة إلى أن مسجد البزورية هو جزء من المبنى ويوجد 33 محلاً تجارياً من ضمن كتلة بناء الخان«.

تأثر فكري

ما يميز خان أسعد باشا بأن من قام بتشييده هم سوريون والذي يظهر تأثر بنائه بالحضارات التي مرت على دمشق بدءاً من العصر الهلنستي مروراً بالروماني والإسلامي بحقبه العديدة، فضلاً عن التأثر بالفكري والفلسفي.

وتقول مديرة الخان خلال استعراضها أجزاء الخان إن البوابة الضخمة للخان تحتوي على «مقرنصات» شكلها محدب تشبه حذوة الفرس وهي مزيج من المقرنصات الأيوبية والمملوكية بحسب التسلسل التاريخي، فالأيوبية محدبة جداً»، مضيفة أنه في منتصف البوابة يوجد كتابة تمجد أسعد باشا كوالٍ لدمشق بالخط الكوفي.

وتابعت سليمان «على طرفي البوابة يوجد 3 أعمدة مزخرفة وهذه الزخرفة من الفترة اليونانية السورية وترجع للفترة الهلنستية التي أسس فيها سلوقس نيكاتور الدولة السورية 312 قبل الميلاد، والزخرفة مجدولة، والتاج أيوني، مشيرة إلى أنه يوجد أيضاً على طرفي البوابة سبيلان ماء ومازالا يعملان حتى يومنا هذا، والمياه من نبع الفيجة وعلى السبيل دائرة تسمى معمارياً عين البقرة وتعود للفترة الإسلامية والحجر أبلق أي أبيض وأسود بالتناوب الذي اشتهرت به دمشق».

وأردفت أنه «عند العتبة الأولى يوجد قوسان دائريان هي التي تفضي إلى المدخل الثاني والقوس يعود إلى الفترة الرومانية»، لافتة إلى أن المدخل طويل يؤدي إلى باحة الخان ودرجين جانبيين للطابق الثاني، وسقفه مزخرف بأشكال هندسية وزهرة اللوتس المستقاة من الحضارة العربية الإسلامية.

عملية الترميم

بعد عملية استملاك الخان وتحوله إلى أملاك عامة عام 1980 بدأت عملية ترميم الخان التي استمرت 25 عاماً.

وقالت سليمان إنه «كان هناك الكثير من الخراب والهدم حتى أن القباب كانت مغطاة بشكل يحميها فقط من المطر والشمس ولكن هناك تشققات كبيرة فيها وكانت جميعها مزخرفة لم يبقَ سوى قبة واحدة أصلية والباقي أعيد ترميمه وزخرفته بناء عليها بنفس الرسوم والزخارف والألوان وهي رسوم دقيقة وصغيرة».

وأضافت سليمان أنه «قبل بدء الترميم أجريت دراسات تاريخية وجيولوجية خاصة وأن دمشق تقع على بحيرات من المياه»، لافتة إلى أن «ترميم الخان تم بخبرات وطنية وخاصة العاملين في المديرية العامة للآثار والمتاحف».

مركز للنشاطات

تقول سليمان إن الخان منذ افتتاحه عام 2005 يعتبر معلماً ومركزاً للنشاطات الثقافية والفنية في سوريا، حيث عقدت فيه مؤتمرات على مستوى عالٍ جداً حضرها الكثير من المسؤولين مما أدى إلى نقلة نوعية للترويج لهذا المكان وأصبح اختيار الخان لعقد تلك المؤتمرات مناسبة للتعريف بحضارة سوريا وإرثها الثقافي والفني.

واستضاف الخان العديد من المؤتمرات الدولية حضرته شخصيات مرموقة بينها مؤتمرات عن النقد والخيول العربية الأصيلة وعروض أزياء، ومهرجان التراث والحرف اليدوية، ندوات حوارية وثقافية، ومعرض للأماكن الأثرية التي تعرضت للتخريب والهدم خلال الحرب (أفاميا – ماري – إيبلا) وتم توثيقها بمرض فوتوغرافي أقامته المديرية العامة للآثار والمتاحف ما بين عام 2013 و2014، مهرجان الكتاب المتعلق بالتراث، ملتقيات ثقافية للفنانين التشكيليين (مهرجان الخريف ومهرجان الربيع)، فضلاً عن تصوير العديد من المسلسلات في الخان مثل الحلاج موسيقى الجنريك لمسلسل حرملك وغيرها..

التأثر بالأزمة

أوضحت سليمان أنه في الأزمة فقدنا المجموعات السياحية، فقد كان الخان أحد الأماكن الرئيسية في الجولات السياحية مما أثر على الإيراد المادي لمبنى كزيارة مبنى أثري.

وأضافت سليمان «أنشأنا مقهى صغيراً لتشجيع المجموعات السياحية والمواطنين».

وأشارت سليمان إلى أن «العديد من الزوار الأجانب وخاصة الرؤساء والدبلوماسيين كان لديهم معلومات كبيرة عن المكان قبل زيارته ويسألون عن أدق التفاصيل»، لافتة إلى أن «العديد من الشخصيات المهمة زارت الخان مثل ملكة إسبانيا وبراد بيت وأنجلينا جولي».

Email