جـذور

مجلة «الكاتب» وأحوال الخليج العربي في ستينيات القرن الماضي (1)

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترأس مجلس إدارة المجلة عند صدورها صلاح سالم (1920 - 1962) أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لتنظيم الضباط الأحرار، ما يوحي بأهمية هذه المجلة عند ذوي السلطان آنذاك، وظل صلاح سالم رئيساً لمجلس إدارتها إلى وفاته في فبراير 1962، وكان رئيس تحريرها في عددها الأول أحمد حمروش، (1921 - 2011) الكاتب والمؤرخ المصري المشهور، وأحد الضباط الأحرار، وتولى سكرتارية تحريرها الكاتب الصحافي رأفت الخياط، المؤلِف الدرامي والشاعر والسيناريست المشهور في فترة الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات، ثم تولى رئاسة مجلس الإدارة بعد وفاة صلاح سالم، كمال الدين محمد الحناوي (1920 - 2007)، وزير دولة، وأحد الضباط الأحرار، والشاعر والصحفي. وفي يناير 1964 تولى رئاسة تحرير المجلة أحمد عباس صالح (1932 – 2006)، أحد رموز اليسار المصري، والمثقف الشهير إلى نهاية ستينيات القرن الماضي، وسكرتارية التحرير أحمد والي.

ومن حُسن الحظ أن مكتبة جامعة الإمارات العربية المتحدة تضم أعداد هذه المجلة، وهي في متناول الباحثين لِمَن يريد منهم أن يطلع على مقالات هذه المجلة ودراساتها المنشورة فيها، ومَن يرد الاطلاع على مقالات المجلة فعليه أن يتصفحها مجلداً، مجلداً، وعدداً عدداً، وعليه الصبر والتأني حتى يتحصل على ما يريد.

1971

ركزت مقالات المجلة على الجوانب السياسية بالإضافة إلى الكثير من المقالات في نواحي الثقافة الإنسانية من فنون وأدب، وفلسفة، واقتصاد، وفي حقيقة الأمر فإن مقالات وكتابات المجلة في تلك الفترة كانت تمثل حقبة سياسية محددة لها جانبها الفكري، ولها ميدانها الثوري، ولها ميزتها الثقافية التي انطبعتْ بها تلك الحقبة تماماً، ولا تكاد تخرج عن الإطار الذي وُضعتْ فيه، بما يتوافق مع الوضع العام للحياتين السياسية والفكرية آنذاك، ومن غرائب الأمور كذلك أن كثيراً من مقالات المجلة منذ عام صدورها إلى عام 1971 تركز على ثورات وثوار العالَم من فيتنام إلى كوبا، ومن الاتحاد السوفييتي إلى تشيلي، ولا يكاد يخلو عدد منها من أسماء جيفارا، وهوشي منه، وكاسترو، ولينين وغيرهم، وفيها إشارات متكررة لأوضاع الجزائر وغيرها من البلدان العربية، إلا أن بلدان الخليج العربية لا تكاد تُذكر إلا لِماماً. ويتطلب من الباحث أن يفتش في أعداد المجلة عله يعثر على مقال من هنا وهناك.

منطقة وحقبة مهمتان

سنستعرض مع القارئ الكريم ما تيسر جمعه من المقالات التي فيها إشارات لبلدان الخليج العربية، ليتبين للقارئ الكريم كيف يتم طرح المسائل المتعلقة ببلدان الخليج العربية في حقبة الستينيات.

1 المقال الأول، الذي سنستعرضه ههنا، بعنوان: «الأمة العربية والبترول» للكاتب عبد الله الطريقي، وهو عبد الله بن حمود الطريقي (1919 – 1997) الذي كان أول وزير نفط سعودي في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود عام 1960، وظل وزيراً إلى عام 1962، والمقال منشور في العدد: 36 (مارس 1964)، (ص 18 - 27). وفي المقال استعراض لأحوال الأمة العربية في تلك الحقبة، وما كانت تمثله من سكان واقتصادات ضمن دول العالَم. ويشير إلى الطاقات الزراعية في الوطن العربي، ثم يضع جدولاً لإنتاج النفط لسنة 1963 بآلاف البراميل يومياً، وكان من ضمن القائمة: إمارات ودول الخليج العربية المنتجة للنفط: أبوظبي، والبحرين، والكويت، والمملكة العربية السعودية. ومن الجدير بالذِكر أنه كتب هذا المقال بعد تركه لمنصبه وزيراً للنفط، ثم يستخلص من هذا الجدول قوله: إن عوائد النفط هذه لا يمكن أن تؤدي إلى النتيجة المطلوبة إلا إذا تغيرت الأُسس التي تقوم الآن بين حكومات البلاد العربية المنتجة والشركات الأجنبية، التي تعمل في أراضيها، ثم يذكر أن البلاد العربية معظمها صحارى تسهل عمليات البحث والتنقيب فيها، والحقول العربية التي اكتُشفت في شمال أفريقيا وفي منطقة الخليج العربي، ثم يتحدث عن تكاليف الإنتاج في بلدان الخليج العربية، ثم يتحدث عن الشركات الأجنبية العاملة في منطقة الخليج العربي في السعودية وقطر والكويت، وفي نهاية مقاله يطالب الأمة العربية بضرورة تأميم صناعة النفط. ومن الجدير بالذِكر أن مقال عبد الله الطريقي هذا لم يرد ضمن كتاباته المثبتة في كتاب: «عبد الله الطريقي: صخور النفط ورمال السياسة»، لمحمد بن عبد الله السيف، الصادر عن دار رياض الريس في بيروت عام 2007.

2 أما المقال الثاني الذي سنتطرق إليه، فهو عن «مؤتمر القمة والنظرة الشاملة»، للكاتب أحمد عبد الغني، في العدد: 43 (أكتوبر 1964)، (ص 165 - 170)، وفي هذا المقال يستعرض الكاتب نتائج مؤتمر القمة العربية الثاني، وفيه أن المؤتمر قرر مكافحة الاستعمار في شبه جزيرة العرب، وتقديم المساعدات لحركة التحرير في الجنوب المحتل وعمان، ودعم العلاقات العربية الأخوية بإمارات الخليج العربي، وفيه إشارة إلى أن الاستعمار حرص على عزل مناطق شبه جزيرة العرب والخليج العربي عن بقية الأمة العربية، والتآمر على القضاء على عروبة الخليج.

3 ونضيء على مقال الثالث بعنوان: «حقيقة البترول العربي»، للكاتب محمد عياش ملحم (توفي عام 2015)، في العدد: 48 (مارس 1965)، (ص 27 - 34)، إذإن هذا المقال يتسق مع النَفَس نفسه، الذي كتب فيه الطريقي من قبل. وفي المقال إشارات إلى نفط إمارات الخليج العربية. ويلقي باللائمة على شركات النفط التي تحايلتْ على الوضع القائم في الدول المنتجة، ويقدم عدداً من الإحصاءات حول الإنتاج النفطي.

4 وقد وُسم المقال الرابع الذي نرصده بـ«البترول العربي: ماضيه. حاضره. مستقبله»، وهو للكاتب عبد العزيز الصبروت، وصدر في العدد: 56 (نوفمبر 1965)، (ص 34 - 44)، وفي المقال ترديد لِما يقال من استعمال النفط كونه سلاحاً قوياً في أيدي العرب، في صراعهم ضد القوى الاستعمارية، وفيه إشارات عديدة حول احتكار الشركات الأجنبية لإنتاج النفط في بلدان الخليج العربية، بالإضافة إلى الصراع بين بريطانيا، وألمانيا، والولايات المتحدة في السيطرة على النفط العربي حسب التسلسل الزمني لوجود كل قوة من هذه القوى في المنطقة. وفي المقال تبيان للدور البريطاني الكبير في تسيير شركات النفط العاملة في الخليج العربي، ويحدد الكاتب ثلاث مناطق من الوطن العربي، أشهرها الكويت، وشرقي السعودية، وقطر، وإمارة أبوظبي التي تتميز بغزارة الإنتاج، وضآلة تكلفة الاستخراج، وألمح إلى ما سماه باتفاقية الخط الأحمر، التي وُقعت عام 1927 بين الشركات الغربية لاحتكار إنتاج وتسويق النفط، ويحدد بالتالي نصوص الامتيازات المتوافقة مع سياسات تلك الشركات، ثم يتحدث عن الأضرار التي لحقتْ بالدول العربية المنتجة للنفط جراء تلك السياسات، ويبين بالإحصاءات دلائل ذلك، بعد ذلك يشير إلى ما دعاه بــ«خطة العمل العربي الموحد» المتمثلة في استقلال عن نفوذ تلك الشركات، ويستعرض ست وسائل للوصول إلى الاستغلال الأمثل لإنتاج النفط العربي.

5 عالج خامس المقالات، علاقة الخليج العربي وإيران وأطماع الأخيرة، وهو للكاتب محمد رواش الديب، وصدر في العدد: 84 (مارس 1968)، (ص 125 - 133)، وفي هذا المقال يبحر الكاتب في مياه الخليج، ويسير على ترابه مبيناً المطامع الإيرانية القديمة في عهد الشاه، وكيف تأتى لإيران التدخل في عدد من المسائل الخليجية على الأرض وعلى الجزر، مثبتاً عروبة الخليج أهلاً وأرضاً وتاريخاً، مفنداً المزاعم الإيرانية في ما يتعلق بالتسمية، ثم يستعرض موقف بريطانيا من الادعاءات الإيرانية في جزر الخليج.

في حلقات سابقة تطرقنا إلى مجلتي «الرسالة» المصرية، و«البعثة» الكويتية وما ورد فيهما من معلومات حول منطقة الخليج العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وفي هذه الحلقة نقدم للقارئ الكريم معلومات حول منطقة الخليج العربي وردت في مجلة مصرية شهرية شهيرة تدعى: مجلة «الكاتب.. مجلة الثقافة الإنسانية»، التي كان أول عدد لها صدر في أبريل 1961 من دار التحرير للطبع والنشر، وسنستعرض فقط ما ورد في المجلة حول المنطقة من تاريخ صدورها إلى عام 1970 فقط، لأنه بعد هذا العام اكتمل تشكل الكيانات السياسية الخليجية المعاصرة، وأصبحت دول الخليج تشارك في صنع السياسة العربية المعاصرة. أما في عقد الستينيات فكانت أوضاع المنطقة أقرب إلى التشظي السياسي، والخضوع للقوة البريطانية المهيمنة، التي كانت تسير الأمور الخارجية بالإنابة عن بلدان الخليج العربية، ولهذا فإن أي إشارة إليها في الموارد الإعلامية والسياسية العربية الواقعة خارج نطاق منطقة الخليج يعد مكسباً علمياً وثقافياً يجب علينا النظر إليه بعين الاعتبار.

صفحة متخصصة بالتراث والبحث في مفردات المكان تصدر كل خميس

Email