مآذن الجامع الأموي.. منارات روحية ونماذج معمارية فريدة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوسط الجامع الأموي الكبير المدينة القديمة في العاصمة السورية، ويتربع على نحو 15300 متر، في منطقة أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة على لائحة التراث العالمي.

أمر ببناء الجامع الخليفة الأموي السادس الوليد بن عبد الملك عام 705 ميلادية، ويُعد وفقاً لباحثين ومؤرخين واحداً من أفخم المساجد، وإحدى عجائب الإسلام السبع في العالم، ويشتهر الجامع الكبير بمآذنه الثلاث، أهمها مئذنة العروس أقدم مئذنة إسلامية، وأحد رموز دمشق ومنارة مؤذنيها، وتسمى أيضاً المئذنة البيضاء، أو مئذنة الكلاسة، وتتميز بتكويناتها المعمارية، وغدت في ما بعد نموذجاً للمآذن في جميع بلاد الشام وشمال أفريقيا، ونقل طرازها إلى الأندلس.

ارتباط تاريخي

وفي هذا السياق يقول المستشار التوثيقي وأستاذ تاريخ العمارة الدكتور محمد معتز السُبيني: إن مآذن الجامع الأموي الكبير ارتبطت تاريخياً بكل العصور الإسلامية، بدءاً من الفتح الإسلامي، مروراً بالدولة الأموية في دمشق، إلى العصر العباسي وما تخلله من فترات، الفاطمية، الطولونية، الإخشيدية، والنورية الزنكية، ومن ثم الأيوبية، وصولاً إلى دولة المماليك، وما جاء بعدها، ويضيف: كانت المآذن تؤدي دوراً روحياً دينياً، إذ إن الأذان كان يرفع من أعلاها، عبر جوقة المؤذنين بغية الوصول إلى كل المجموعات السكانية المحيطة بدمشق.

ويرى السُبيني في مئذنة العروس التي توضع في منتصف الرواق الشمالي للجامع الأموي الكبير نموذجاً معمارياً فريداً، وهي على شكل برج مرتفع تتداخل فيه عناصر العمارة الإسلامية.

ويشير إلى التناسق بنسب أبعادها وبالعناصر المعمارية المستعملة فيها، وكذلك العناصر الخشبية، موضحاً أنها سميت بمئذنة العروس، لأنها كانت تتلألأ بالأنوار والفوانيس عند الغروب لتشبه العروس ليلة زفافها، إذ كان ضوؤها ونورها يمتدان في الجهة الشمالية إلى العمارة.

وترجع قاعدة المئذنة إلى العصر الأموي، وتحمل نمطه، لكن تغيرات طرأت على هوية المئذنة خلال الفترة العباسية، والدولة النورية الزنكية عام (555) للهجرة وبداية الفترة الأيوبية (570) للهجرة، وكذلك خلال العهد المملوكي.

مئذنة عيسى

المئذنة الشرقية أو مئذنة عيسى، تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية، وهي أطول المآذن الثلاث، ويبلغ ارتفاعها 77 متراً.

بُنيت على أساس قاعدة مربعة، يرتكز عليها برج مثمّن الأضلاع على شكل قلم، تتخلله شرفتان.

يوضح السُبيني أنها ترجع في بنائها إلى عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان، الذي حكم من عام (86) إلى (96) للهجرة، وقد تعرضت لحريق هائل وكان يجاورها سوق الدهشة كما يذكر المؤرخون، ما أدى إلى سقوطها في القرن السابع الهجري، وحريق آخر في القرن الثامن الهجري، ما تسبب بإخراجها عن جوهرها الحقيقي.

والمئذنة ضيقة حملت النمط المعماري، الذي جاء بعد الفترة المملوكية، كما يقال لها المئذنة البيضاء، أو مئذنة النوفرة، لأنها تطل على محلة النوفرة.

المدرسة المصرية

المئذنة الغربية وتقع في الزاوية الجنوبية الغربية، بنيت في عهد السلطان المملوكي قايتباي في عام 1488 ميلادي، وهي مثمنة الشكل، تنقسم إلى ثلاثة أجزاء، وكانت أول مئذنة تُبنى في دمشق وفقاً للطراز المعماري المصري.

ويشير السُبيني إلى أنها تعد من أهم المآذن الموجودة، لأنها تنتمي إلى مدرسة معمارية واحدة على عكس المآذن الأخرى، التي جمعت فنوناً متعددة، ما أدى إلى تهجنها من الناحية المعمارية.

ويرى السُبيني أن المئذنة آية باهرة في الناحية المعمارية، إذ تحتوي على المقرنصات إضافة لإدخال حجر الأبلق عليها، إلى جانب خصائص فنية معمارية تدل على أن المدرسة الشامية قد تأثرت بالمدرسة المصرية.

 

تاريخ الأديان

وحسب المؤرخين، يوُصف الجامع الأموي الكبير بدفتر تاريخ الأديان في دمشق، إذ يحمل بين ثناياه سجلاً طويلاً لتعاقب المعتقدات على بلاد الشام، فأصل الجامع معبد «حدد» الآرامي ما بين القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد، قبل أن يحوله اليونانيون إلى معبد «جوبيتر»، ومن ثم خصص في القرن الرابع الميلادي لبناء كنيسة حملت اسم مار يوحنا المعمدان، وبعد دخول المسلمين إلى دمشق قُسم مكان المعبد القديم إلى نصفين، الشرقي خُصص كونه مسجداً للمسلمين، والغربي ظل كنيسة وصولاً إلى بناء الجامع الكبير في عهد الوليد بن عبد الملك، ليصبح أحد أشهر المساجد في العالم الإسلامي.

Email