مسجد القطاط.. أحد أغرب المعالم في دمشق القديمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الطريق الرئيسي في حي القيمرية في دمشق القديمة، الذي ينطلق من باب جيرون (البوابة الشرقية للجامع الأموي) ازدحام كبير، حيث يعتبر الشارع المرصوف بالحجارة السوداء والمطاعم والمتاجر مقصداً لزائري المدينة وأبنائها.

بالتوازي مع الشارع الرئيسي في القيمرية وعلى بعد 20 متراً منه ترقد حارة هادئة يتوسطها أحد معالم المنطقة تاريخياً وأغرب أوقاف مدينة دمشق، وهو جامع القطاط الذي يعيد الكثيرون تسميته إلى «القطط».

مدرسة

يقول إمام مسجد ومدرسة القيمرية الكبرى «جامع القطاط» محمد خير درويش، لـ«البيان» إن المسجد يعد أحد أقدم المساجد في منطقة القيمرية وما حولها، قام ببنائه الأمير ناصر الدين الحسين بن عبد العزيز بن أبي الفوارس القيمري الكردي سنة 650 للهجرة (1276 ميلادية).

وأضاف درويش: «المدرسة كانت تعلم مبادئ اللغة العربية والنحو والصرف والرياضيات والعلوم الشرعية والفقهية وباقي العلوم، وسميت بالمدرسة القيمرية الكبرى بسبب وجود المدرسة القيمرية الصغرى في حي العمارة، ومدرسة ثالثة بنفس الاسم في جادة الصالحية».

وأردف درويش أن «الشيء المميز في هذا المسجد بالذات آنذاك هو وجود ساعة شمسية على باب المسجد، وذلك في عام 686 هجرية، وقام بتصميمها وصناعتها خصيصاً لهذا المسجد بديع الساعاتي، حيث كلفت في ذلك الوقت 40 ألف درهم»، لافتاً إلى أن وجود تلك الساعات لم يكن معهوداً آنذاك.

وكان الأمير ناصر الدين الحسين بن عبد العزيز بن أبي الفوارس القيمري الكردي من أكابر الأمراء في دولة الناصر يوسف الأيوبي، وهو من الأمراء الذين شهد لهم في استنارتهم وحبهم للعلم وبناء المدارس في دمشق، وانتقل بعدها إلى مصر، ومن ثم أصبح مرابطاً في الساحل السوري على حدود دولة الفرنجة.

تسمية

وبالنسبة لتسمية المسجد بـ «القطاط»، قال درويش، إن أساس هذه التسمية رجل مختص بقطع القصب وصنع الأقلام و(القط من القطع)، كان يبري القصب لكي يكتب الطلاب.

وأضاف: «ثم ترسخت التسمية بسبب خادم للمسجد منذ عشرات السنين، كان يهتم بالقطط ويربيها داخل المسجد، وكان كل إنسان عنده قط لا يريده يأتي به إلى هذا الخادم للاعتناء به وإطعامه».

وتابع درويش: «للمصادفة حتى بعد وفاة خادم المسجد، كانت هناك امرأة اعتنت من بعده بالقطط، لكن التسمية الصحيحة للمسجد هو مسجد القيمرية الكبرى». وأردف درويش أن «الاعتناء بالحيوانات والعطف عليها لا يتعارض مع حكمة ديننا».

مواصفات

عن مواصفات هذا المعلم الأثري، قال درويش إنه «يتألف من 10 غرف كانت تستخدم كفصول دراسية، وفي ساحته كان يوجد بحرة أبعادها (10*10 أذرع)، وذلك بحسب المذهب الحنفي حتى تبقى المياه طاهرة للوضوء والاغتسال، وفي المدرسة مصلى صيفي ومصلى شتوي بسبب اتجاه المدرسة الجنوبي، فالشمس عند غروبها تصل أشعتها إلى المصلى الشتوي فتنيره وتدفئه في صلاة الظهر والعصر، وهذا نادر في مساجد العالم الإسلامي.

وتابع درويش أنه «تم استخدام حجارة بسماكة 1.5 متر في بناء المدرسة واعتماد الأقواس للاستعاضة عن الأعمدة حتى لا تأخذ حيزاً مكانياً».

ترميم

وعن واقع هذا المعلم الأثري، قال درويش إن «المدرسة بقيت على حالها حتى سبعينيات القرن الماضي، حيث تم ترميمها لأول مرة، أما المرة الثانية فكانت في عام 2004 عندما أعيد ترميمها بالكامل، وأزيلت السدة التي كانت في المصلى الصيفي، وتم تقليص حجم البحرة بعد أن أصبحت المياه تصل إلى جميع البيوت عبر شبكات مؤسسة المياه، وتم إنشاء موضأ داخلي، ولكن المياه التي تفيض عن البحرة لا تهدر، بل ما زالت تصل إلى الموضأ الداخلي عبر فتحة في البحرة تصب في الأقنية الرومانية لتصل بعدها إليه وما يزيد عنه يذهب إلى الحمامات ومنها للصرف الصحي».

يشار إلى أن التدريس في القطاط كان منذ تأسيسها وحتى ما قبل نحو 10 سنوات عندما ألغيت المدرسة، ليتم بعد ذلك تخصيص الغرف كسكن طلابي للطلاب القادمين من المحافظات الأخرى للدراسة في الجامعات والمدارس والمعاهد، وذلك بموافقة وزارة الأوقاف».

وكان الشيخ عبد الرزاق الحلبي مدير الجامع الأموي سابقاً، يعطي دروساً ومحاضرات دينية مرتين في الأسبوع للطلاب والمصلين، إضافة لحلقات التدريس بعد كل صلاة.

Email