تحدي القراءة العربي حكايات شغف تبعث على الفرح

ت + ت - الحجم الطبيعي

للقراءة لذة خاصة، لا يدركها سوى أولئك الذين توسدوا الكتاب، واتخذوا منه رفيقاً و«خير جليس»، يدركون أن بين دفتيه عوالم من السحر والخيال، وما إن يفتحوها حتى يشعروا بأنها تشبه نافذة على العالم، وثقافات الدنيا المختلفة، وعبر صفحاته يدركون أنهم يعيشون حياتين، وليست واحدة فقط. 

ذلك العالم الجميل، يشعر به كل أولئك الذين ارتادوا أروقة «تحدي القراءة العربي»، المبادرة الأكبر عربياً، لغــرس ثقافة القراءة لدى النشء، والمندرجة تحت مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، حيث باتوا أكثر قرباً من الكتاب، وأكثر حباً له، بعد أن أدركوا كيف للقراءة أن تزرع في نفوسهم قيم الحضارة والفكر، وكيف لها أن تخلق منهم جيلاً ناضجاً فكرياً، يتمتع بعقلية متفتحة.

«القراءة بداية الطريق لمستقبل أفضل، قائم على العلم والمعرفة.. والأمم التي تقرأ تمتلك زمام التقدم»، هكذا ينظر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، إلى القراءة، وهو الذي طالما اعتبر أن «المجتمع القارئ، هو مجتمع متحضر، ومن يدعم القراءة، يدعم صناعة حضارة، ويدعم اقتصاد معرفة.

ويدعم بناء أجيال تتبنى مستقبل الإمارات». لقد كانت كلمات سموه، بمثابة نور يضيء دروب الأجيال المتتالية، ليدعم ذلك بإطلاق تحدي القراءة العربي، بهدف خلق جيل عربي قارئ، تتحول القراءة لديه إلى عادة يومية، ويتخذ من الكتاب خير رفيق.

قبول التحدي

5 سنوات تامات، هو عمر تحدي القراءة العربي، خلالها نجح في التربع على العرش، ولا يزال يضيء درب الأجيال العربية المقبلة، ويحفزها على قبول التحدي، والمضي قدماً في توسد الكتاب والقراءة، يحفزهم على إنجاز أكبر قدر ممكن من الكتب، ففي ذلك طيف واسع من المعرفة، والمعلومات التي من شأنها أن تساعده على تفتح عقله.

عبر سنواته الخمس، زار تحدي القراءة العربي، بيوتاً عربية كثيرة، وحط رحاله في كافة العواصم العربية والأوروبية، استطاع أن يجمع تحت رايته 21 مليون طالب، استنفروا كافة طاقاتهم للمشاركة في دورة التحدي الخامسة، التي استطاعت أن تتجاوز كافة التحديات والمصاعب التي فرضتها جائحة «كوفيد 19» على العالم أجمع.

كما استطاعت أن تستثمر التطور التكنولوجي، وأن تحول كافة عمليات التحكيم إلى «افتراضية»، وكل ذلك كان فقط من أجل تحفيز الطلبة على القراءة، وتنمية الشغف لديهم في هذا الجانب.

عبر سنواته الخمس، توج تحدي القراءة العربي بلقبه، 5 طلبة، ازدادوا به فخراً، وشعوا نوراً، واقتربوا أكثر من الكتاب، أصبحوا فرساناً في مجتمعاتهم، وتحولوا إلى «قدوات حسنة»، يتبعهم الكثير من رفاقهم ونظرائهم، الذين رأوا فيهم نماذج مشرفة، احتفت بهم دولهم، بعد أن رفعوا رايتها ورأسها عالية، لتعانق السحاب، انطلاقاً من أرض دبي الخير، التي تعودت سنوياً أن تجمع الطلبة والوفود المشاركة في التحدي تحت سقفها، ليتنافسوا على اللقب الأغلى والأقرب إلى قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والذي حرص طوال الدورات الماضية، على الوجود بنفسه في الحفل النهائي للتحدي، من أجل تتويج الفائزين باللقب.

أضخم مسابقة

نحو لقب «بطل تحدي القراءة العربي»، بدأت ترنو عيون الملايين من الطلبة العرب، من المحيط إلى الخليج، في وقت أضحى فيه التحدي، منذ انطلاقته في 2015، أضخم مسابقة معرفية تشهدها المنطقة العربية والعالم أجمع، مسابقة سعت إلى تعزيز حب القراءة في النفوس، والتعامل معها كقيمة حضارية وإنسانية عالية المقام.

الجزائري عبد الله فرح جلود، والفلسطينية عفاف الشريف، والمغربية مريم أمجون، والسودانية هديل أنور، والأردني عبد الله أبو خلف، 5 نجوم أضاءت سماء الوطن العربي، من محيطه إلى خليجه، بعد أن ظفروا بلقب «بطل تحدي القراءة العربي»، حيث كان لكل واحد منهم لسان عربي فصيح، ينطق بلغة رشيقة، ساعدته على تجاوز التحديات والصعوبات، وتمكنوا جميعاً من تجاوز المنافسة.

والفوز باللقب، كل واحد منهم بحسب الدورة التي شارك فيها، أولئك النجوم استطاعوا الفوز باللقب، الذي أهدوه إلى بلدانهم، وإلى جانبهم، فاز العديد من المشرفين، وأيضاً المدارس التي آثرت دخول المنافسة، والوصول فيها إلى خط النهاية، أملاً بالحصول على لقب التحدي، الذي بات الأغلى عربياً.

الدورة الأولى

الدورة الأولى من تحدي القراءة العربي، التي انطلقت في 2015، بدت أشبه بمفتاح دخل منه الطلبة «جنة القراءة»، آنذاك، سجلت هذه الدورة مشاركة 3.6 ملايين طالب وطالبة من 30 ألف مدرسة، وما إن أسدلت ستائرها، حتى عاد الطالب عبد الله فرح جلود إلى بلده الجزائر، حاملاً معه اللقب، آنذاك، فتن عبد الله جلود، كل من تابع منافسات التحدي بطلاقته، وحسن نطقه، وقدرته على المناقشة.

وهج تحدي القراءة العربي، لم يخفت أبداً، مع انطلاق دورته الثانية، التي شهدت مضاعفة العدد المشارك فيها، والذي وصل إلى 7.4 ملايين طالب وطالبة، من 41 ألف مدرسة، حينها اقتنصت الطالبة عفاف الشريف اللقب، وأهدته إلى بلدها فلسطين، لتسيل من خلال كلماتها دموع كل الذين حضروا، وتابعوا تفاصيل التحدي الذي أقيم آنذاك على خشبة «دبي أوبرا».

عفاف كشفت، عبر التحدي، عن شغفها بقراءة الكتب التاريخية والمجموعات القصصية والشعرية، حيث أنجزت خلال التحدي، ما يقارب 65 كتاباً، كانت كفيلة بأن تؤهلها للمنافسة في المراحل الختامية، وأن تصل إلى العرش.

لفتة أبوية

مريم أمجون، طفلة من المغرب، وصلت إلى دبي لتنافس على اللقب، وما إن فازت به، حتى سالت دموعها، حينها لم تجد حولها أحداً لاحتضانه، سوى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «رعاه الله»، الذي فتح لها قلبه واحتضنها، وكفكف دموعها بغترته، في لفتة أبوية، أثارت دموع كل الذين كانوا في الحفل، حيث وقفوا إجلالاً أمام هذه اللحظة، التي عكست مدى إنسانية سموه.

ومدى حبه للأطفال. مريم أمجون، خلال منافستها في الدورة الثالثة، استطاعت أن تبهر الجميع بلسانها العربي الفصيح، الذي طوعته للرد على أسئلة لجنة تحكيم التحدي، الذي شارك في دورته الثالثة أكثر من 10 ملايين طالب وطالبة، من 49 دولة عربية وأجنبية. كما شاركت 67 ألف مدرسة، من القطاعين العام والخاص.

ضمن مراحل دراسية مختلفة، وأكثر من 99 ألف مشرف ومشرفة، من معلمين ومعلمات، حرصوا جميعاً على توفير كل أشكال الدعم للطلبة، كما شاركوا في تنظيم العديد من الأنشطة القرائية في مدارسهم. وقد خاض الطلبة مراحل عدة من التحدي، بدءاً من التصفيات المدرسية، فالتصفيات على مستوى المناطق والمحافظات التي تتبع لها المدارس، وحتى التصفيات على مستوى الدولة.

قدرة استثنائية

هديل أنور، من السودان، لم يكد يطل اسمها على الواجهة بطلة للتحدي، حتى زغرد السودان بكامله لها، وشاطره الفرحة كافة أشقائه العرب، الذين صفقوا لهديل أنور، تلك التي فتنت كل الحضور، ولجنة التحكيم، بقدرتها على تجاوز «مطبات» الأسئلة التي أطلقوها في فضاء دبي أوبرا، حيث تحدوا بها قدرات هديل، التي استطاعت أن تنجح في الاختبار النهائي، وهي التي لم تكتفِ بقراءة 50 كتاباً من أجل خوض التحدي، إذ وصل حجم قراءاتها إلى 500 كتاب، وجاء فوز هديل باللقب، بعدما أظهرت تمكناً في الإجابة عن سؤال لجنة التحكيم، مظهرة قدرة استثنائية في التعبير عن أفكارها بطلاقة واقتدار، وبلغة عربية سليمة.

وهو ما دفع جمهور القاعة إلى منحها نسبة التصويت الأعلى بين المتنافسين الخمسة، التي ساهمت مع التقييم المرتفع الذي حصلت عليه من لجنة التحكيم، في حسم اللقب لصالحها، إلى جانب التقييم التراكمي الذي نالته، من خلال أدائها المتميز في برنامج تحدي القراءة العربي، على مدى 7 أسابيع، من خوض اختبارات وتحديات متنوعة.

آنذاك، خرجت هديل أنور من قاعة دبي أوبرا، والابتسامة تتوج ملامحها، حيث رسمتها عريضة، وتباهت بعلم بلدها الذي رفعته عالياً، فيما احتضنها آنذاك وفد السودان، وبارك لها كافة أبناء الوفود المشاركة في دورة التحدي الرابعة، التي تميزت بمشاركة أكثر من 13 مليون طالب وطالبة، كما شهدت مشاركة قياسية غير مسبوقة، في عدد المدارس.

وبزيادة نحو 15 ألف مدرسة جديدة، مقارنة بالدورة السابقة، وبالتزامن مع ذلك، شهدت غالبية المدارس المشاركة تباعاً في الدورات الأربع من تحدي القراءة العربي، ارتفاعاً مستمراً في نسبة طلابها المشاركين في التحدي، منذ انطلاقته الأولى في 2015.

دورة جديدة

واحتفل العالم العربي أخيرا بدورة جديدة، حاضناً معه 21 مليون طالب وطالبة، مثلوا جميعاً 96 ألف مدرسة من مختلف الدول العربية.

فيما شهدت مشاركة 120 ألف مشرف، عملوا جميعاً، وبيد واحدة، على تحدي ظروف جائحة «كوفيد 19»، وتمكنوا من تجاوزها بكافة السبل المتاحة، بهدف إبقاء تحدي القراءة العربي، سائراً على سكته الذهبية، مستكملاً مسيرته نحو الهدف الذي وضع له، وهو خلق جيل عربي قارئ، يتوسد الكتاب في حله وترحاله.

لقد شهدت الدورة الخامسة، وبرغم الظروف التي أحاطت بها، منافسة عالية، بين الطلبة الذين عبّروا عن شغفهم بالقراءة والمنافسة الشريفة، أملاً بالوصول إلى اللقب الذي فاز به الأردني عبدالله أبو خلف.

لقد أثمر إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لتحدي القراءة العربي، أجيالاً نيرة، تعشق كلمة «أقرأ»، التي كانت أول كلمة ينزل بها القرآن الكريم.

يذكر أن إجمالي جوائز تحدي القراءة العربي، 11 مليون درهم إماراتي، وتنال المدرسة المتميزة الفائزة بالجائزة مليون درهم، فيما ينال المعلم الفائز بلقب المشرف المتميّز، جائزة نقدية قدرها 300 ألف درهم. أما بطل تحدي القراءة العربي، فيحصل على جائزة نقدية قدرها 500 ألف درهم.

Email