«يا سكة الخيل»

ت + ت - الحجم الطبيعي

مهداة إلى زملاء زمن الطفولة من أبناء فريج سكة الخيل ذلك الفريج الذي ولدت وعشت فيه طفولتي وشبابي وظلّ حيّاً في ذاكرتي إلى اليوم

يا سكّةَ الخْيلِ يا عُنْوانَ ذاكرتي

لما مَضى من جَمالِ الوقْتِ والعُمُرِ

مَرْسومةٌ في حنايا النّفسِ ما بَرِحَتْ

تَنادِمُ الوَلَهَ الممْتدَّ من صِغَري

كمْ ذا تشاغِلُني فِكْراً وعاطِفَةً

تنامُ وادِعَةً في القَلْبِ والبَصَرِ

إنِّي أرَاني بِهَا طِفلاً أناظرُهُ

يجوبُ أنحاءهَا في وقْدَة الظُّهُرِ

إنِّي أشَاهِدُهُ في كِّل زَاويةٍ

منها فلا لمْ يَغِبْ عن حَوْمةِ النَّظَرِ

أراهُ يركضُ في تلك السكيكِ غدَتْ

ساحاتهِ في لَيَالي الأُنْس والقَمَرِ

أرَى بِها كلَّ أخْباري وما اشْتَملَتْ

عليهِ ذَاكِرَتي كالنَّقْشِ في الحَجَرِ

أرَى تفاصيلَ ما قدْ مرَّ مِنْ عُمُري

مَرْسومةً بِمدَادِ الحُبّ في الصَّدرِ

فيها الجَميلُ الذي إنْ مَرَّ يُسْعِدُني

وفيِهِ مما يَمَضُ العينَ من سَهَرِ

وقدْ غدا كلُّهُ ذِكْرَىً مؤرِّقَةً

يَشْتَاقُها المرءُ رَغْمَ العُسْرِ واليُسْرِ

تلك السكيكُ لها في القلبِ مَنزِلةٌ

أشْتاقُها كاشْتياقِ الرّوْض لِلْمَطرِ

كانتْ ملاعِبَنا ما زِلْتُ أذْكرُها

لا لْم تَغِبْ عنْ فُؤادي لا وَلا نَظَرِي

كنّا نحوِّلُها في لَيلِنا صَخَباً

يَحْلو بها الوقْت في أنْسٍ وفي سَمَرِ

غابَتْ معاِلُمها لم يَبْقَ منْ أَثَرٍ

لها سِوى ذِكْرياتٍ في مَدى العُمُرِ

ضَجيجُنا يَمْلأ الآفاقَ جَلْجَلَةً

كمْ قد غدا الآنَ منْ عشْقي ومِنْ فِكَري

أيامُ عمْر لنا ما كانَ أحْسَنَها

يا مَشْهداً في مَدى الأوْقات كالزَّهَرِ

أحْلى مِنَ الشَهْدِ وَقْتَ النَّحْلِ تَسْكُبهُ

بُطونُها منْ رَحيقِ الورْدِ والثَّمَرِ

يا أجْمَلَ العُمرِ أيْامٌ لنا سَلَفَتْ

ما بَيْنَ لَعْبٍ وَلَهوٍ غابَ في الكِبَـرِ

يا سِكَّةَ الخَيْلِ يَا هَمّي ويا وَجَعي

يا فِتْنةَ العُمْرِ يا سعْدي ويا كَدَري

أتذْكرينَ بيوتاً بعضُها سَعَفٌ

وبعضُها منْ بناءِ الصَّخْرِ والمَدَرِ

كلُّ على سِعَةِ الأَيْدي وَقُدْرَتِها

مِنَ الغِنَى أو على حالٍ مِنَ الفَقرِ

هلْ تَذْكرِين بيوتَ النَّاسِ أغلبُها

من الدُّعونِ التي أحْلى من الدُّرَرِ

هلْ تَذكرينَ طَرابيلَ الخيامِ وَمَا

تَحْمي بداخِلها منْ وَابِلِ المَطَرِ

إنِّي لأَذْكُرُها في كلِّ مَا عَبَرَتْ

به السنون من الأحداث والعبرِ

إنِّي لأذْكُرُ منها كلَّ وَارِدةٍ

أو كلَّ شَارِدةٍ من نَفْحِها العِطَرِ

إنِّي لأعْرفُ كلَّ الساكنينَ بِهَا

يا حيَّهُمْ في زمانِ الجَدْبِ كالمَطَرِ

مبْدا التعاونِ والأخْلاقِ بينَهُمُ

أكرِمْ بها عادةً تَسْمو بِذا الأثَرِ

يا سكَّة الخيلِ يا آياتِ سالفةٍ

مِنَ الجمالِ الذي أبْهَى من الزَّهَرِ

إنِّي أُنَاظِرُ فيكِ الحُسْنَ أجْمَعهُ

مَا لَيسَ يُوجدُ عِندَ الغيدِ في البَشَرِ

يا غرّةَ الحُسْن يا أفْيَاءَ وارِفةٍ

من الظِّلالِ ومنْ عَذْبٍ ومن شَجَرِ

تَطوفُ بي ذكرياتُ الأمسِ طارقةً

بابَ الفؤاد ونبْضَ الحسِّ والفِكَرِ

ما مثلُها غَيرها لا شَيء يعْدِلُها

فَريدةٌ في الدَّنا كالشَّمسِ والقَمَرِ

Email