سعوديات يصعدن بالمملكة إلى العالمية في مجال الموضة والأزياء

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد المملكة العربية السعودية تطورا غير مسبوق للحركة الإبداعية وصناعة الموضة وعرض الأزياء بقيادة المواطنات السعوديات ما يجعل المملكة حاضرة وبقوة عالميا في هذه المجالات.

تقول مريم مصلي، مؤلفة كتاب "تحت العبايا" ومؤسسة "نيش أرابيا" و "مجلس ستايل السعودي" في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط: "شتان بين مشهد الموضة في الماضي وبينه الآن في المملكة العربية السعودية، إنه الآن أقرب إلى بُركان تفجَّر بعد سبات طويل".

تضيف وهي لا تكاد تُصدق: «مَن كان يتوقع أن تُصبح لنا عارضات سعوديات على مستوى عالمي، أو أن تتغير النظرة إلى مهنة عرض الأزياء بعد أن كانت من التابوهات التي تستدعي الخوف من الأهل ومن نظرة المجتمع؟».

المتابع للحركة الإبداعية في السعودية يعرف أنه حتى عهد قريب، كانت صناعة الموضة تفتقر إلى عارضات سعوديات لأسباب اجتماعية وثقافية. بيد أن الانفتاح التي تشهده المملكة عموماً، والنهضة التي يعيشها قطاع الموضة خصوصاً، ساهما في ظهور باقة من الوجوه بدأت تُرسخ أقدامها في هذا المجال على المستويين المحلي والعالمي على حد سواء، لتتحول المشاركة في عروض الأزياء من مجرد هواية تمارسها الفتيات على الهامش بخجل ووجل، إلى خيار طوعي يباركه الأهل ومهنة يمكن أن تحلق بمن تتمتع بالحرفية والمواصفات المطلوبة إلى العالمية، مثل تاليدا تامر، أول سعودية تشارك في عروض باريس وميلانو. ما يُحسب لهذه الأخيرة وغيرها من العارضات الشابات أن رغبتهن في الانتشار ليس لفرض أنفسهن فحسب، بل أيضا ثقافتهن، إلى حد القول إنهن من شدة فخرهن بإرثهن وموروثاتهن أصبحن شبه متعصبات له.

تُؤكد مريم مصلي أن الحديث عن الموضة لا يستقيم دون الحديث عن عارضات الأزياء؛ فهن عمود مهم من أعمدتها إلى جانب التصوير الفوتوغرافي والإخراج والإضاءة والماكياج وغيرها من التفاصيل. البعض يعتقد خطأ أنهن مجرد شماعات متحركة مهمتها إبراز جمال الأزياء، بينما الحقيقة أن وظيفتهن هي إخراج هذه التصاميم من حالة الجماد والجمود إلى الحياة. ورغم اعتراف مريم بأن هذا الجانب لا يزال في أوله ويحتاج إلى الكثير من العمل والتوعية لكي يرتقي إلى مستوى العالمية، فإن القفزات التي أُنجزت فيه لا يستهان بها. فهي تتذكر كيف كانت الساحة منذ نحو عشر سنوات تفتقر تماماً إلى عارضات محليات إلى حدِّ أنها كانت تُرحب وتتمسك بأي فتاة تقبل المشاركة. تقول: «لم يكن التدقيق في مواصفاتها أو التساؤل عمّا إذا كان جمالها طبيعياً أم لا... كان المهم أن تأتي. الآن أصبح بإمكاننا الاختيار من بين عشرات الفتيات... إنه أمر رائع».

توافقها الرأي لينا قمصاني، وهي مصورة فوتوغرافية تعشق الموضة وأخذت على عاتقها اكتشاف وجوه جديدة وعارضات أزياء يتمتعن بالتنوع. ترى أن التغيرات التي عاشتها في السنوات القليلة الأخيرة، كانت جُذرية ومُثلجة للصدر. تُعلق: «لا أصدق حجم التغير، فقد تكسرت الحواجز والعوائق إلى حد لم يكن يخطر ببالي أبداً. فأنا لن أنسى الصعوبات التي كانت تواجه عمتي المصممة ليلى موسى خلال التحضير لأي عرض أزياء. كنا نستعين حينها بمضيفات الطيران لعدم توفر سعوديات مستعدات للقيام بهذه المهمة. الآن هناك تنوع لا مثيل له. فكل واحدة تتمتع بلون ونكهة إضافة إلى كاريزما عالية». لا تفارق الكاميرا لينا قمصاني في كل تنقلاتها. ففي كل لحظة أو مكان يمكن أن تكتشف وجهاً جديداً. لا تخفي أن الكاميرا هي رفيقة دربها حالياً، مشيرة إلى أن الموضة وفن التصوير يكمل كل منهما الآخر، «فبينما الموضة زمنية تعبر عن واقع مُعيش أو ظاهرة تعكس فترة معينة، فإن التصوير الفوتوغرافي وسيلة لالتقاط تلك اللحظة أو الظاهرة وتسجيلها في صور تبقى للتاريخ».

لم تنسَ لينا أن تشير أيضاً إلى أنها محظوظة لأنها تعيش فترة ذهبية في عالم الإبداع. فالتغيير الذي تشهده السعودية بعد إعلان «رؤية 2030» يتزامن مع تغيير عالمي فيما يخص احتضان الاختلاف والتنوع ورغبة في تصحيح أخطاء الماضي. لم يعد الجمال يُحسب بالملمتر أو يقتصر على لون ومقاس بعينه، بل أصبح يحترم مقولة إن الجمال بعين الناظر. أمر يُسعد لينا ويُسهل مهمتها كونه مناسباً للبيئة السعودية التي تتميز بتنوع كبير ومقاييس جمالية مختلفة عمّا كان يُروج له الغرب سابقاً. فعندما تختار عارضة لتصويرها كوجه لغلاف مجلة أو حملة إعلانية مثلاً، فهي ليست مضطرة للبحث عن الجمال بشكله الكلاسيكي، بقدر ما تعمل على التقاط سحر خاص يُميزها عن غيرها. «فالجمال نسبي وعلى المصور تقع مهمة إبراز مكامنه وتجسيده في صورة تستوقف الناظر وتجعله يتأمل» حسب قولها.

لكن رغم الحماس والتفاؤل بتنامي هذا المجال، فإنه لا يخلو من مطبات ولم يصل بعد إلى الاحترافية بمفهومها العالمي. فهو لا يزال مثلاً يفتقر إلى وكالات متخصصة يمكن للمصمم أن يستعين بها عندما يحتاج إلى عارضات، كما أن أغلب الفتيات يتخوفن من توقيع عقود احتكارية ويُفضلن العمل حسبما يسمح به وقتهن ومزاجهن وأيضاً حاجتهن إلى محتوى. بحكم خبرتها الطويلة، تشعر مريم مصلي بأن جزءاً من المشكلة يكمن في تعامل بعض الفتيات مع هذه المهنة «من ناحية أنهن يتعاملن معها بعقلية الإنستغرام والإنفلوونسرز، أي من منظور شخصي محض». يعتقدن أن جلسة تصوير في مكان مثير وبكاميرا محترفة فُرصة لتوفير محتوى يتداولنه عبر صفحاتهن الخاصة لكسب مصداقية أكبر. هذه النظرة تنعكس على سلوكهن خلال العمل حسب شرحها، «فهن يتصرفن كما لو كنّ يملكن الحق في إملاء ذوقهن على مصفف الشعر أو فنان الماكياج بل حتى على نوع التصاميم التي سيعرضنها، ولا يُدركن أن وظيفة أي عارضة أزياء تتلخص أولاً وأخيراً في خدمة رؤية المصمم أو المصور أو المخرج».

كل هذا يمكن أن يتغير مع الوقت. فهناك آمال كبيرة أن تتطور البنية التحتية فيما يخص هذا المجال، بأن تصبح هناك وكالات وعارضات تقبلن بتوقيع عقود. لكن قبل ذلك لا بد أن يكون هناك وعي وقناعة بأنها ليست مهنة سهلة كما يبدو للوهلة الأولى. فخلف الصورة النهائية الملمعة على صفحات المجلات أو على منصات العروض، هناك متطلبات صعبة، منها أنه عليهن أحياناً الوجود في أماكن التصوير على الساعة الرابعة صباحاً لتجهيز أنفسهن، وأحياناً قد يطلب منهن المصور الوقوف لساعات في نفس المكان من دون حركة في ظروف جوية قد تكون قاسية، حتى يتمكن من التقاط صورة يراها مناسبة لغلاف مجلة. حسب قول مريم مصلي، فإن الموضة أنجزت الكثير في وقت قصير، لكن لا يزال هناك أيضاً الكثير لكي تصل إلى مستوى تحلم به. فزيادة الوعي بأن مهنة عرض الأزياء تتطلب الكثير من العمل والصبر وقليل من التذمر أمر يحتاج إلى بعض الوقت. لكن حسب صناع الموضة في المنطقة فإن البداية مبشرة لأنها لم تكن خطوة بل قفزة.

Email