أمسية رمضانية في بيت شعر الخرطوم والشعر والصوفية في مراكش

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أمسية رمضانية الأجواء مفعمة بروحانيات شهر رمضان المعظم، أعلنت نتيجة مسابقة الشباب التشجيعية التي ينظمها بيت شعر الخرطوم في إطار تحفيز الشعراء الشباب للنهوض بمشاريعهم الأدبية والتدريب على الكتابة وتطوير تجاربهم الشعرية، في الاحتفال الذي تم بنادي التجديف بشارع النيل استهل البرنامج الشاعر عمار حسن بتقديم الشعراء الفائزين في قراءات فردية، ثم خاطب الدكتور الصديق عمر الصديق الحضور بالترحاب مباركاً لهم شهر رمضان الفضيل.

كما شكر إدارة نادي التجديف لاستضافتها لهذا اليوم، وهنأ الفائزين بالمسابقة التشجيعية ووعد باستمرار هذه المسابقة لتكون ربع سنوية، كما تحدث د. أسامة تاج السر محكم المسابقة الذي كتب تقاريرَ مفصّلة عن كل الأعمال الفائزة، وبين أن هناك تنافساً مميزاً بين المتسابقين، حيث بلغ عدد المتسابقين سبعة وأربعين شاعراً، ونالت ثقة لجنة المسابقة أعمال خمسة شعراء.

وانفردت الشاعرة وئام كمال الدين إبراهيم إسماعيل، بالمركز الأول، وهي مهندسة وشاعرة وإعلامية عملت في عدد من القنوات السودانية شاركت في عدد من المهرجانات داخل وخارج السودان، تكتب الشعر بشقيه الفصيح والعامية السودانية، تقول في أحد النصوص الفائزة:

كحلم تأوُّل بالحلم لي

كحدس لسر السماء استرق

تجلّى أمامي - أبانَ الذي -

تبارك مولاي فيما خلق

أتى حين ضَل الأوان المتى

وناقوس كلّ المخاطرِ دقْ

حازت المركز الثاني الشاعرة شريهان الطيب كلباش، الطالبة بكلية طب الأسنان جامعة الخرطوم، لها ديوان شعر تحت الطبع، وشاركت في العديد من الأمسيات المحلية والافتراضية، ونشر لها في عدد من الصحف والمجلات من ضمن نصوصها الفائزة «على قهوتِي السَّاخِنَة» وتقول في مقطع منه:

لِمَ كلما حاصرتنيَ تجترُّ موتاً جديداً

وتفتحُ نافذةَ الغيبِ لِيْ

كي أطلَّ على عدميْ

ثمّ تنثرني حفنةً من رمادْ

لِمَ لفَّنِي حزنُ كلِّ البلاد

ثالث المراكز جاء مناصفة بين ثلاثة شعراء تقاسموه بالتساوي حسب رأي لجنة تحكيم المسابقة وهم الشاعرة فاطمة الصادق والشاعران محمد الحبيب يونس وحامد محمد يونس، فاطمة الصادق أبكر عبد الحميد شاعرة صاعدة للمشهد الشعري بقوة وتعمل بصمت على تطوير تجربتها الأدبية، تخرجت فيمن جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، كلية العلوم- قسم الفيزياء تكتب الشعر الفصيح، ونشرت لها قصائد بعدة صحف: كالوطن، مدارات جديدة، الجريدة، ومجلة رسائل الشعر، كما لها ديوان شعر تحت الطبع بعنوان (بي حاجةٌ للزوال)، تقول في نصها ليت الجراحُ تهزُّني: 

-تمزقت الآلامُ- صاحت دماءُ من

سترتحلُ الأحلامُ منها لتذكرا

دروبٌ توازت رغم ما كان بينها

من العقدِ المنثورةِ الخطوِ في الثرى 

الشاعر محمد الحبيب يونس شاعر متميز درس اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة النيلين وأحرز أعلى درجة في قسمه على مدى تاريخ الجامعة يقول في الخروج من البئر:

أسيرُ أصرخُ لا يَرتَدُّ أيُّ صدى

عليّ أُسهبُ خطواتي بغيرِ هدى

مُسترسلاً فيّ كالأنسامِ إذ فضحتْ

وَشمَ الدّيارِ فأندتْ قلبي الصّلِدا

أما الشاعر حامد محمد حامد يونس هو شاعر مجيد نشأ في أسرة مهمومة بالمعرفة والأدب والفلسفة والتصوف وهو خريج كلية الآداب بجامعة النيلين عضو في منتدى لتعارفوا الثقافي شارك في عدد من الأمسيات والبرامج الثقافية له ديوان شعر في المديح النبوي يكتب الشعر الفصيح، قال في إبحار لغير مرافئ: 

أرنو لوجهِك لم أميِّزْ ما بِهِ

ليلَ ابتسامِك في تلألؤِ نابِهِ

يا دهرُ كنْ لي ما تشاءُ لعلني

إن ساءَ حظي كنتُ في ترحابِه

لا تبقني قَلِقَ المصيرِ متى بدا

قمرٌ حَسِبتُ الشمسَ بعدَ غيابِهِ 

وتم تكريم الفائزين بحضور مدير بيت الشعر الدكتور الصديق عمر الصديق، والشاعر عالم عباس محمد نور، والشاعر أسامة تاج السر، والشاعرة ابتهال محمد مصطفى نائبة مدير البيت، وتم توزيع الشهادات التقديرية لهم وسط تصفيق وتفاعل من الحضور.

ندوة في مراكش

 ومن جانب آخر افتتحت دار الشعر بمراكش برنامجها الرمضاني بندوة «الشعر والصوفية»، شارك فيها النقاد والباحثون: خديجة توفيق ومنير عشقي ومحمد محيي الدين، لمناقشة واستقصاء سمات هذا الحوار الدائم المفتوح بين الشعر المغربي والصوفية. 

بداية أشارت الناقدة والباحثة الدكتورة خديجة توفيق، إلى أن ارتباط الشعر بالتصوف، يحيل على ارتباط أسبق في اتجاه معكوس، يتجسد في عودة التصوف إلى ما سبقه من تراث شعري وعربي. التقارب بين التجربة الشعرية والتجربة الصوفية، ما يؤلف بين التجربتين من خصائص ومن أوجه التناظر، مع محافظة كل تجربة على تميزها وعلى إثراء خاص، كلاهما يعتمد على إدراك خيالي، بل إن الخيال في الصوفية يتحول إلى حقيقة وجودية وقوة رؤياوية مؤسسة للفعل المعرفي. 

واختار الناقد الدكتور منير عشقي، منظوراً فلسفياً تحكم في رؤيته إلى علاقة الشعر والصوفية، إذ يرى تشابكاً بين الخطابات الثلاثة وتجاذباً، لا قطيعة بينها. لذلك اختار مداخلة فلسفية، من خلال الاشتغال الفلسفي على التصوف يمكن أن يكون أرضية لفهم العلاقة بين (الشعر والتصوف)، وهو ما يضعنا أمام علاقة ثلاثية.. إذ لا تعارض، يرى الناقد عشقي، بين الفلسفة والتصوف.

فالحاجة إلى انعقال الفيلسوف وتعقل المتصوف، هو مدخل ممكن ليصبح الفيلسوف الحقيقي قادراً على أن يعي حدود العقل، والانفتاح على الفضاء الرحب للتجربة الصوفية، في مقابل الحركة التعقلية للمتصوف. وهناك حكيم ثالث هو الشاعر، بحكم علاقته الخاصة باللغة، واختراقها. فلا تصوف إلا داخل اللغة، والتجربة الصوفية تجربة لغوية في الأساس.

وإذا كانت بداية التفكير الفلسفي للوجود، شعراً من خلال الشذرة (شذرات هيراقلديس). فلا يمكن للمتصوف إلا أن يكون شاعراً، التجربة الروحية تفرض هذه اللحظة، لذلك اقترح الناقد عشقي مفاهيم: البرزخية والسفر والكلمة، وهو ما يربط التجربة الشعرية بالصوفية. البرزخية تستوجب السفر، وهي المقام الأنطولوجي للإنسان.

والشعر يميل إلى تكسير القوالب، ويتضمن إشراقات من نوع صوفي، ما يجعل مهمة الشاعر والصوفي اختراق المحجوب، معا يختزنان طاقة حيوية نابعة من الروح، ومساءلة جوهرية لحقيقة الوجود. المتصوفة يضطلع بمهمة شعرية، الكائن المرهون لكشف حقيقة الوجود.

واتجه الناقد الدكتور محمد محيي الدين إلى التوقف عند حضور الصوفية في الإبداع الإنساني، بحكم أن الصوفية تلهب خيال كل مبدع، في الرسم والنحت والموسيقى. والشعر العربي لا ينفصل على هذا المدد الغيبي والسماوي، منذ أن فتحت رابعة العدوية باب القول، إلى ابن عربي والحلاج والسهروردي.

لقد استطاع التصوف أن يلهب ويلهم الشعر العربي، وشكل منبعاً ثرياً للعديد من التجارب الشعرية (الفيتوري، أدونيس، صلاح عبد الصبور، محمد السرغيني، أحمد الطريبق، آيت وارهام، أمينة المريني..). ويميز الناقد محيي الدين، بين فئتين في الشعر المغربي، فئة عاشت تجربة دينية وروحية انعكست على إنتاجها الشعري (آيت وارهام الطبال والأمراني..)، وفئة ثانية لم تعشه كتجربة واستمدوا من الصوفية المعرفة الباطنية. توقف الناقد عند سؤال التجنيس، إذ كيف يمكن تصنيف قصيدة أنها تستمد مرجعياتها التخييلية من التصوف؟

سؤال المقاربة وسؤال المنهج؟ لذلك يقترح الناقد محيي الدين البحث في الاحتمال، ومبدأ التناص والتداخل النصي، كمقاربة قابلة للاشتغال على المنجز النصي. أما عن جدوى علاقة الشعر بالتصوف في واقعنا المادي، فالشاعر، يراه قادراً على تغيير وعينا بالعالم (ولا يغير العالم). ليتوقف الناقد محمد محيي الدين عند لقاء الشعر بالتصوف، في تجربة الشاعر آيت وارهام، من خلال سمات محددة أبرزها:

حضور المعجم الصوفي بثقله وكثافته الرمزية، استثمار الآيات القرآنية باعتماد توليد دلالات جديدة، استحضار تجربة السفر (المعراج)، توظيف أسلوب السجع وتوظيف الحوار والمخاطبات، استلهام النفري ومخاطباته، واستخدام الأشكال الكاليغرافية والحروفيات.

لقد سعت ندوة دار الشعر بمراكش إلى تمثل حضور الخطاب الصوفي في التجربة الشعرية المغربية اليوم، على ضوء ما تراكم من منجز شعري وعلى اعتبار تاريخية هذا الحضور للصوفية في الشعري المغربي. إن تأكيد علاقات التواشج والصلات، بين الشعر المغربي والمرجعيات الصوفية، على مختلف تجلياتها وتجاربها، أفضى إلى استخلاص العديد من السمات المحددة اليوم، في القصيدة المغربية.

حيث قدرتها على تخصيب أفق نصوصها وإعطائها ميسماً خاصاً، يرنو إلى الإقامة في اللانهائي، حيث تسمو تجربة الشاعر، و«بلاغتها المتفردة»، في تشكيل النص الشعري برؤى وانشغالات معرفية عميقة، حيث اللغة والوعي الشعري المتقد، والذي يسمو إلى عمق الشعر وحقيقته الداخلية.

Email