دور النشر السورية بين مطرقة «كورونا» وسندان الحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

عانت دور النشر السورية كغيرها من القطاعات الأخرى منذ عشر سنوات سلسلة من التداعيات، بدءاً من الأزمة التي بدأت العام 2011 والحرب وما تلاها من أحداث، مروراً بالتأثيرات التي تركها فيروس «كورونا» على عملية النشر، وصولاً إلى تراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع تكاليف الطباعة، ما أثر على القدرة الشرائية للفئة المعنية باقتناء الكتاب، كل هذا جعلها بين المطرقة والسندان. فكيف صارعت دور النشر هذه أو بعضها على الأقل للبقاء على قيد الحياة في ظل هذه الظروف؟

العديد من دور النشر في سوريا، التي قد يزيد عددها على سبعين داراً توقفت، أو على الأقل قلصت نتاجها، ومنها من انتقل إلى خارج البلاد نتيجة هذه التداعيات.

تهميش

أكد أيمن الغزالي من دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، أن المحنة بدأت قبل الأزمة بكثير، إذ إن دور النشر السورية ما زالت إلى اليوم تعاني من التهميش، وعدم تلقّي أي نوع من أنواع الدعم الحكومي، بالتزامن مع غياب خطط تنقذ هذا القطاع من الانهيار.

ورأى الغزالي، أن تباين الرقابة على الكتاب في الوطن العربي وجه دفّة النشر باتجاه المواد الأقل كفاءة، واللجوء إلى الترجمات التي واجه فيها الناشر السوري مشكلة شراء حقوق النشر، وهذه العملية بحد ذاتها معقدة لوضع سوريا في لائحة العقوبات، إذ ترفض أغلب دور النشر الأجنبية التعامل معه.

وأشار إلى أن ارتفاع تكاليف النشر يعود أيضاً لخضوع أغلب المواد التي تدخل بالعملية الطباعية لضرائب عالية نسبياً مقارنة ببعض المواد الأخرى، إلى جانب تراجع قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

معاناة

وقال الغزالي إن انتشار فيروس «كورونا» جعل الأزمة تتفاقم منذ مطلع عام 2020 وحتى اليوم، إذ تسبب بتعقيد عمليات الشحن التي كنا نعاني منها أساساً، مع ارتفاع أجور النقل والتخليص الجمركي، وإغلاق معظم المعارض الإقليمية التي كانت متنفساً لأغلب دور النشر لتسويق إصداراتها.

امتحان

وفيما يخص المنصات الإلكترونية، قال: إنها لم تكن الحل المثالي أمام الناشر السوري، الذي لم يشعر بأنها البديل، وخصوصاً أنها لم تحقق نتائج ملموسة إلى الآن، ولم تحصن دور النشر بالدعم المطلوب.

وتوقع الغزالي استمرار أزمة النشر، وتراجع كم المنتج، ونوعيته، وصعوبة التسويق في الداخل، وفي الوطن العربي لأسباب كثيرة، مؤكداً أن كل الحلول الفردية التي لجأت إليها دور النشر بطرق مختلفة لم تعفها من مواجهة نتائج هذه الأزمة، التي تضعها أمام امتحان صعب مرة ثانية، فحرمت الناشر السوري من أخذ مكانه الطبيعي بين الناشرين العرب ولو مكانياً.

ترشيد

حبيب الضعضي من دار الطليعة الجديدة، قال: «حقيقة كانت الظروف قاسية جداً.. قمنا بتخفيض التكاليف للحد الأقصى، وتم تأجيل طباعة العديد من العناوين الموضوعة في خطة الطباعة، كما تم تخفيض عدد النسخ للكتب المطبوعة، واعتذرنا من المؤلفين والمترجمين عن طباعة العديد من العناوين».

وتابع الضعضي: «انخفض عدد الإصدارات الجديدة بشكل كبير، وأصبح النشر مقتصراً على انتقاء العناوين التي ستحقق مبيعات من خلال الإعلان عنها على مواقع التواصل الاجتماعي».

أفكار

أيهم صقر صاحب دار «سين»، التي تأسست في العام 2010 لتغيب مع بداية الأحداث في سوريا لمدة ست سنوات قبل أن تعود في العام 2017، قال لم يكن هناك إنتاج خلال الحرب، واقتصرت النشاطات بعد العام 2017 على معارض ونشاطات محلية فقط.

وأكد صقر أن أي دار نشر عاجزة في مثل هذه الظروف عن الإنتاج دون دعم مادي، مضيفاً: «لقد حاولنا إعادة طرح أفكار مختلفة.. من قبيل «كتابك القديم.. كتابك الجديد» بمعنى تقديم كتاب جديد مقابل كتاب قديم. أو إعارة الكتب مقابل أجور رمزية وذلك في ظل ارتفاع تكاليف الطباعة منذ نهاية عام 2019، بنسبة تتراوح بين خمسة وسبعة أضعاف».

وتضاعفت تكلفة الطباعة مقارنة بالعام 2010 بنسبة تفوق ذلك بكثير، إذ إن الكتاب الذي كانت تكلفته تبلغ مئتي ليرة (نحو 4 دولارات) بات الآن يكلف نحو 15000 ليرة وهو ما يعادل ربع المرتب الشهري لموظف حكومي.

Email