في الحلقة الـ44 من البرنامج الوثائقي الدرامي «قصتي»

«بحار.. صحراء.. سماء.. ورجال».. محطة عظيمة في تاريخ الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«البساطة مهمة صعبة»، جملة من ثلاث كلمات، قد تبدو في ظاهرها بسيطة، ولكن في أعماقها تحمل بلاغة عالية التأثير، تلك الجملة صاغها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بذهب مداده، ليعلمنا بأن الحكمة تولد من رحم البساطة، ومن بين تفاصيلها تنبع الاحترافية. منتقياً لنا من جواهر العالم والرسام ليوناردو دافنشي، قوله «البساطة هي أرقى درجات الاحترافية»، تلك البساطة التي مكنت هذا العالم من تخليد اسمه على مر العصور.

وكذلك هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، استطاع أن يخلد اسمه في قلوب الجميع، عبر حكمته وتفكيره العميق، وحنكته في وضع الخطط وقدرته على استيعاب ما يجري، ذلك يتجلى في سطور قصة «بحار.. صحراء.. سماء ورجال»، التي تحمل رقم 24 في كتاب سموه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، حيث يفتح من خلالها أعيننا على قصة بناء شرطة دبي، التي أضحت اليوم علماً ومنارة تضيء الطريق أمام الجميع، وقوة لا يستهان بها.

يكشف لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في بداية الحكاية التي مثلت العمود الفقري لمشاهد الحلقة الـ44 من برنامج «قصتي» الوثائقي، الذي تولى إنتاجه المكتب التنفيذي لسموه، ويعرض على شاشات تلفزيون دبي، ومنصّاته المتعددة، عن مهمته في بناء القوات المسلحة، إيمانه بمقولة العالم والرسام ليوناردو دافنشي، حيث يقول: «أنا من أكبر المؤمنين بهذا المبدأ»، مضيفاً: «لا يمكن أن تكون لديك حكمة في الحياة، إلا إذا استوعبت آلاف الحقائق والمواقف والعبر، ثم استطعت أن تختصرها بكلمات بسيطة، يستطيع آلاف الناس استيعابها والاستفادة منها».

تلك شكلت مقدمة لافتة لحكاية بناء قوة شرطة دبي، حيث وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، خطة محكمة بعد «تفكير عميق»، إذ يقول سموه: «بعد تفكير عميق وضعت خطتي في بناء قوة شرطة داخلية، تمهيداً لبناء قوة الدفاع كالتالي: «بحار.. صحراء.. سماء ورجال». المحاور الثلاثة الأولى من خطة سموه، كانت متوافرة، وتحتاج إلى عمل، ولكن المحور الرابع كان الأصعب، بحسب تعبير سموه، حيث يقول: «المحور الأصعب في الخطة كانت (الرجال)، وهم دائماً المحور الأهم والأكثر حسماً في أي عمل»، هنا يدرك سموه مدى أهمية هذا المحور وتأثيره في أرض الواقع.

ويشير في السياق إلى أنه في أواخر الستينات، كان «لدينا عدد قليل لا يتجاوز العشرات من عناصر الشرطة في دبي، ومثلهم أيضاً في قوة دفاع دبي»، ويقول: «كنت أريد أن أبدأ بقوة من ألف شخص على الأقل.. كنت أريد ألفاً يكونون نواة لعشرات الآلاف ممن سيأتي بعدهم. كنت أريد ألفاً يستطيعون بناء كافة أفرع قواتنا المسلحة لاحقاً. كنت أريد ألفاً من النخبة».

تم تأسيس قوة دفاع دبي في العام 1971، ولرفدها بالرجال، قام سموه بالإعلان عن الشواغر في هذه القوة، والتي يقول إنها «تألفت من ثلاث سرايا مشاة، وأعلنت أن القبول سيكون للأكثر كفاءة»، ولكن ذلك كان يحتاج لبث الروح الوطنية في الشباب، ولأجل ذلك أطلق سموه حملة واسعة، حيث يقول: «أطلقنا حملة كبيرة من بيت لبيت، لتشجيع الناس على الانضمام، كما نظمنا القصائد للإشادة بهذه القوة القادمة، توافد الشباب بالعشرات ثم المئات، تم اختيار الأنسب والأكفأ، وعدت المجندين بتعليم جيد أيضاً مع التدريب، إذ كان الكثير من الناس يعانون من الأمية فاستعنت بمعلمين من مدارس دبي لتغطية هذا الجانب في خطتي لبناء الرجال».

خطة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في بناء قوة الشرطة الداخلية كانت واضحة، ووفق وصفه فقد تركزت في 3 محاور، حيث يقول سموه: «تركزت خطتي التدريبية معهم في ثلاثة محاور، تدريب بدني، ومهارات عسكرية قتالية، وتعليم. وبدأنا بكل حماسة رحلة بناء الرجال». ويواصل: «وضعت لهم برنامجاً تدريبياً صارماً، تماماً كما كنت أتدرب في بريطانيا، حيث يتم تقسيم اليوم إلى فترات متوازنة لتغطية كافة المحاور، إلا أنني كيفت البرنامج بناءً على ظروفنا في دبي.. أعطيتهم كل طاقتي فأعطوني أفضل قوة فتاكة».

المهمة التي تولاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لم تكن هينة، ولكنها آتت أكلها، بفضل حكمته وحنكته، وفي السياق يضيء لنا جانباً من الحكاية، بقوله: «أذكر في بداية عملي، أن المقيم السياسي في الخليج قال لي: محمد أنت لا تعرف شيئاً سأستمر في إدارة هذا المنصب، وأي أسلحة تريد شراءها يجب أن تكون بريطانية الصنع، ويتم كل شيء تحت إشرافي».

ويضيف: «في صباح اليوم التالي، عندما وصل العميد إلى المكتب، كنت قد عينت رجلين خارج المبنى، مع تعليمات مشددة برفع جميع التقارير والأعمال مباشرة إلى مكتبي، ومع حلول وقت الغداء، كان العميد قد استطلع الأمر، ووصلته الرسالة، وبعد فترة أخلى مكتبه وترك لي المهام وحدي، وهكذا بدأت مسيرة تشكيل قوة قتالية لوطني»، مؤكداً أن «العمل الشاق قد أتى بثماره، ففي غضون عامين فقط تضاعفت أعداد الشرطة، وقوة الدفاع بشكل كبير، وأصبحت لدينا قوة مدربة ضاربة. الألف رجل فيها بعشرة آلاف».

Email