سينمائيون: الفن السابع باقٍ رغم منافسة المنصات الرقمية

السينما تغادر مربع الجائحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد سينمائيون تعافي الحالة السينمائية في الإمارات من تأثرها بتداعيات جائحة «كورونا»، التي عصفت بكافة مناحي الحياة في العالم، وألقت بظلالها أيضاً على الواقع السينمائي.

مشيرين إلى أن تجربة الجائحة ستفرض قواعد ومضامين جديدة على صناعة السينما في العالم أجمع، انطلاقاً من الظروف والحيثيات التي فرضتها خلال عامين، وتطال الكتابة والإنتاج والإخراج السينمائي، بل وحتى مضمون الأفلام وهوية الشخصيات التي ستقدمها السينما مستقبلاً.

وأشاروا إلى أن الحديث عن تراجع الفن السابع لصالح المنصات الإلكترونية يفتقد الدقة والمعقولية، مؤكدين أن الاستغناء عن الأعمال السينمائية لصالح المنصات الخاصة بالترفيه غير وارد، لأن السينما لها جمهورها العريض الذي يبحث عن الترفيه والثقافة السينمائية، معتبرين أن السينما تتجاوز وظيفة عرض الأفلام، إلى كونها تجربة ثقافية متكاملة للإنسان، ما يجعلها مرشحة دوماً للاستمرار.

ولفتوا إلى أن متابعة الجمهور للأعمال السينمائية لن تتوقف على الرغم من الإجراءات الاحترازية المشددة التي اتخذتها الإمارات لمحاصرة آثار الجائحة.

حيث أوجدت الجهات المعنية بدائل للجمهور لمتابعة الأعمال السينمائية والمتمثلة بتجربة «سينما السيارات»، التي جرى تطبيقها في مواقع مختلفة في الدولة، مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية.

تخطي الأزمة

في هذا السياق، أكد المخرج الإماراتي مبارك ماشي، أن السينما العالمية والمحلية قد تخطتا أزمة الجائحة وتداعياتها بشكل كبير، مشيراً إلى أن السينما العالمية أعادت لملمة أوراقها لتنطلق عجلة الإنتاجات ذات الميزانيات الكبيرة.

ولفت إلى أن السينما المحلية تخطو ببطء، ولكن بثقة، لاستعادة نشاطها بعد أزمة «كورونا»، ولم تتقدم كثيراً جراء مخاوف المنتجين من التعرض للخسائر.

وقال: «هناك رغبة في التمثيل وإنجاز أفلام من قبل الممثلين والمخرجين، إلا أن العقبة تكمن في الخوف الذي لا زال مسيطراً على المنتجين، ويعكس نفسه بشكل واضح على الحركة السينمائية الإماراتية»، مبدياً تفاؤله بعودة الأمور إلى نصابها، ولو أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت.

تطور

وأشار السيناريست محمد حسن أحمد إلى أن توجه العالم نحو استعادة السينما لدورها واضح وعودة تألقها بشكل كبير بعد أزمة «كورونا» واضح وجلي، في العالم العربي أو الغربي على حد سواء.

وأكد أنه لا يمكن الاستغناء عن الأعمال السينمائية مهما زاد عدد المنصات الخاصة بالترفيه، موضحاً أن السينما لها جمهورها الذي يبحث عن الترفيه السينمائي تماماً.

كما يبحث عن أماكن الترفيه الأخرى أو المطاعم وغيرها. وأوضح أن صناعة الأفلام في الخليج تزايدت بشكل كبير من بينها الإمارات والسعودية، التي باتت صناعة السينما فيها واضحة، وخاصة الأفلام ذات الإنتاج غير المكلف، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لاحظ اتجاه الأعمال في معظمها نحو الدراما والترفيه.

تغيرات جوهرية

وقال المخرج والكاتب أسامة حريدين: «مثلما كان تأثير نتائج الحرب العالمية الثانية على صعيد الإنتاج السينمائي والتوجه الفكري في كتابة السينما وصناعتها على مستوى العالم، فإن الجائحة سيكون لها تأثيرات أكيدة على صناعة السينما مستقبلاً».

وأضاف: «بعد الحرب العالمية الثانية، التي كانت كارثة بشرية كبرى تعرض لها العالم على المستوى «الإنساني»، أصبحت السينما تركز على البطولات الفردية القائمة على البطولات الحربية والاختراع العلمي أو القيادي فكانت تمجد أشخاصاً بأعينهم. استمر ذلك إلى أن اصطدمنا بآثار الجائحة الإنسانية، فعرف الإنسان حجمه.

ففيروس صغير جعل الإنسانية مرتبكة أمامه وظهرت حدود قدرته أمام هذا الفيروس».

واستطرد قائلاً: «واقع السينما تغير، فبدلاً من البطولات الفردية التي كنا نشهدها في السينما، انتقلنا إلى البطولات الجماعية، فمثلاً في ما بعد كورونا اختلفت التوجهات، وباتت بعض الأفلام تتحدث أيضاً عن كوارث بشرية مشابهة والبحث عن علاجات لها وهكذا، في سياق من البطولات الجماعية.

وبتنا كذلك نشهد ظاهرة تشارك الدول في إنتاج سينمائي يحاكي وباء يهاجم البشرية دون التمييز بين عرق أو جنسية أو غيره، فيكون صلب الرسالة هو إنقاذ الإنسانية من كارثة ما».

وأكد أنه لا يرى بأن السينما ستعود كما كانت قبل «كورونا» باعتبار أن الإنسان يتطور فكرياً، والعقل يتعامل مع الأطروحات العالمية على أنها فرض واقع.

رهان

وسيعود واقع السينما بأسلوب مختلف من ناحية الكتابة والإخراج والبطولات أيضاً، حيث يراهن البعض على استحواذ منصات العرض الرقمية على النسبة الأكبر من رواد دور العرض السينمائي التقليدية جراء تأثيرات الجائحة جانبه الصواب والتوفيق. واستند هؤلاء في توقعاتهم إلى التزام دور العرض بالإغلاق امتثالاً لتعليمات وشروط الوقاية والسلامة.

وهي إغلاقات لم تقتصر بتأثيرها على رواد دور العرض السينمائي فحسب، بل ألقت بظلالها على صناعة السينما العالمية برمتها، فشهدنا تراجعاً حاداً في معدلات الإنتاج.

ولجوء الكثير من المنتجين إلى تأجيل طرح أفلامهم لتلافي المزيد من الخسائر، التي منيت بها الصناعة جراء الإغلاق وانحسار الجمهور الذي انصرف إلى منصات السينما الرقمية. ولكن دور العرض السينمائي لم تلبث أن استعادت ألقها من جديد مع تخفيف القيود».

أثر

أحدثت جائحة «كوفيد19» أَثراً كبيراً على صناعة الأفلام في كافة أنحاء العالم، وبدرجات متفاوتة، خلال عامي 2019-2020، حيثُ أغلقت دور السينما.

وأُلغيت المهرجانات أو أُجّلت إلى مواعيد مستقبلية، ومع إغلاق دور السينما، انخفضت مبيعات شباك التذاكر العالمي مليارات الدولارات، وأصبح البث على الإنترنت أكثر شيوعاً، وجرى تأجيل عرض جميع الأفلام الضخمة ذات التكلفة العالية، مع توقف إنتاج الأفلام.

وتشير الإحصائيات إلى أن صناعة السينما العالمية قد منيت بخسارات كبيرة وصلت إلى حوالي 160 مليار دولار من النمو المتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب شركة «أمبيري أناليست»، جراء إجراءات التباعد الاجتماعي وبقاء نحو 40 % من سكان العالم في منازلهم.

وأشارت مجموعة «أي أم سي»، التي هي أكبر سلسلة لدور السينما في الولايات المتحدة، إلى أنها منيت بخسائر بلغت حوالي 2.4 مليار دولار فقط في الربع الأول من 2019، بعد أن أجبرتها الجائحة على إغلاق نحو 12% من دورها التي تتجاوز 8 آلاف دار سينما.

وكانت الصين في عين العاصفة أيضاً، حيث جرى إغلاق حوالي 40 % من دور السينما، ما ينسحب على 5 آلاف دار سينما، ليصل عدد دور السينما المغلقة إلى 70 ألف دار للسينما في يناير من 2020.

فيما أكدت جمعية السينما الصينية أنه مع تأجيل إعادة فتح دور السينما بسبب اشتداد الجائحة من جديد، وتراجعت الإيرادات السنوية بأكثر من 90 %، علماً أن إيرادات شبابيك التذاكر تجاوزت 9 مليارات دولار العام الذي سبق الأزمة أي في 2018.

وفي الهند جرى إغلاق 3 آلاف دار سينما، ما أدى إلى خسائر بلغت 130 مليون دولار في مبيعات شبابيك التذاكر.

جوائز في مهب الريح

تشكل الجوائز والمهرجانات السينمائية رافعة حقيقية لتطور صناعة السينما، وقد تأثر تنظيمها أيضاً بفعل الجائحة، حيث نظم احتفال جوائز سيزار الخامسة والأربعين في 28 فبراير 2019.

وجائزة الأكاديمية اليابانية الثالثة والأربعين للأفلام في 6 مارس من العام نفسه، دون أي ضيوف أو صحفيين، ليتم إلغاء حفل جوائز الأكاديمية الهندية الدولية للأفلام، بينما تم تأجيل حفل ديفيد دي دوناتيلو للأكاديمية الإيطالية وحفل الإنجاز مدى الحياة لمعهد السينما الأمريكية لتكريم جولي أندروز، كما تم تأجيل جوائز بلاتينو 2020، وكذلك تم إلغاء حفل توزيع جوائز جونو لعام 2020.

مهرجانات تائهة

ولم تكن المهرجانات السينمائية في حال أفضل من الجوائز، فقد طالها التأجيل والإلغاء أيضاً تحت وطأة تداعيات الجائحة، فقد شكلت التأجيلات مهرجانات «سالونيكي» للأفلام الوثائقية.

وبكين السينمائي الدولي، وبراغ السينمائي الدولي، بالإضافة إلى تأجيل مهرجانات بينتونفيل السينمائي، وإسطنبول السينمائي الدولي وتريبيكا السينمائي، فيما شهد مهرجان سينيكويست للسينما والإبداع حضوراً منخفضاً خلال أسبوعه الأول فيما تم تأجيل أسبوعه الثاني. وتم، كذلك، تأجيل مهرجان بيفرلي هيلز العشرين للسينما.

أفلام واستوديوهات

ولم يتوقف الأمر عند تأجيل أو إلغاء الجوائز والمهرجانات، بل طال أيضاً الأفلام، حيث جرى إلغاء إصدار عدد كبير من الأفلام في عدد من الدول، كما غيرت إنتاجات الأفلام جداولها الزمنية أو غيرت موقعها أو أغلقت تماماً في مناطق انتشار المرض الرئيسية (معظمها الصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا).

وأغلقت شركة «سوني بيكتشرز» مكاتبها في لندن وباريس وبولندا، وألغت رابطة الكتاب الأمريكية جميع الاجتماعات الشخصية، وأغلقت استوديوهات «هندجديان» في الصين، إلى أجل غير مسمى.

كما أوقفت أكبر 3 استوديوهات للأفلام الفلبينية تصوير أفلامها. وكانت أولى عمليات إغلاق الإنتاج الكبيرة من نصيب فيلم «المهمة المستحيلة 7»، الذي تم تصويره في البندقية، إيطاليا، عندما تم إرسال الطاقم إلى المنزل، كما تم إغلاق فيلم «الفيس بريسلي» الذي كان يصور في كوينزلاند في أستراليا، مع وضع جميع فريق الإنتاج في الحجر الصحي.

وتوقفت العديد من شركات إنتاج الأفلام الصينية وهونغ كونغ عن الإنتاج. وكذلك تم تأجيل أفلام جيمس بوند «لا وقت للموت»، و«سلاشر» البولندي الذي تم الترويج له بكثافة، والفيلم الوثائقي السياسي «ذبح التنين».

 

Email