سينما الطفل.. كعكة البث الرقمي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حكايات ممزوجة بالخيال والتشويق، هي الأعمال السينمائية الموجهة للأطفال، جلها يصاغ بلغة الإنيمي، وأخرى بتقنيات المانغا، وثالثة تأتينا من كتب الكوميكس. بينما تظل روايات وكتب الأطفال مصدراً لصناع الفن السابع، لما تحمله من لغة تتناسب مع طبيعة الطفل، الذي بات يتعامل بحرفية مع «منصات البث الرقمي» ويتطلع بشغف إلى ما تقدمه السينما من أعمال فنية تقدم له أفكاراً عدة.

مكتبات هائلة من الأفلام تطالعنا بها واجهات «منصات البث الرقمي»، تفصل بينها وبين عين الطفل كبسة زر واحدة، تمكنه من التنقل بين عوالم الخيال وما تحمله السينما من سحر خالص، هذه الصناعة الضخمة التي تنطق إبداعاً، باتت قريبة جداً من الأطفال، حيث تصلهم عبر الفضاء الإلكتروني الواسع، وذلك لا يعد غريباً عندما ندرك بأن «ثلث مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم هم من الأطفال» وفق ما ذكرته اليونيسيف في تقريرها «وضع الأطفال في العالم لعام 2017»، كما أن ذلك لا يبدو غريباً عندما ندرك بأن «93% من أولياء الأمور في الإمارات قالوا بأن أطفالهم يستخدمون الإنترنت»، بحسب تقرير صدر حديثاً عن مجلس جودة الحياة الرقمية داخل الدولة، وهو ما يشير إلى حجم الحضور «الطفولي» على الشبكة، الأمر الذي يجعلهم هدفاً رئيساً بالنسبة لمنصات البث الرقمي، التي تفرد لهم مساحات واسعة من الأعمال، في وقت باتت تراعي فيه «متطلبات الأمان»، عبر وضعها لمجموعة من «المفاتيح» الخاصة التي تمكن الوالدين من التحكم في ما يشاهده أبناؤهم على شاشات هذه المنصات، التي تلتزم أيضاً بتطبيق معايير التصنيف العمري للأفلام، الأمر الذي يسهل على الوالدين مراقبة ما يشاهده أبناؤهم على المنصات.

قائمة الأفضل

«حرب شرسة» تدور رحاها بين منصات البث الرقمي من أجل تقاسم «كعكة الجمهور» فيما بينها، ولأجل ذلك فهي تجتهد في استقطاب وإنتاج أعمال تتناسب مع تطلعات الجمهور، خاصة شريحة الأطفال، على اعتبار أن الأفلام والمسلسلات الدرامية على اختلافها تعد منتجاً ثقافياً، يحمل بين ثناياه رسائل مختلفة، وتظهر مشاهدها بصمات حضارية خاصة، والتراث الإنساني يفيض بالحكايات التي استلهمت منها الأفلام والمسلسلات الدرامية، لا سيما تلك الموجهة للأطفال، حيث تعد متابعتهم لمختلف الأعمال السينمائية والدرامية، أشبه برحلة تمكنهم من استكشاف ثقافات الدنيا على اختلافها، حيث توفر هذه الأعمال لا سيما الكرتونية منها لجمهور الأطفال مساحة واسعة للتعرف على الآخر وإلقاء نظرة خاصة على المجتمعات وما تجود به من أفكار وعناوين، ومعروف بأن الأعمال الكرتونية هي الأقدر على توسيع خيالات الطفل وإكسابه مهارات ومعارفه ومفردات متعددة وجديدة تحفزه على الإبداع، كونها تأتي في صياغة مشوقة مليئة بالتشويق والجمال الممزوج بالترفيه.

وفي ضوء الآلاف من الإنتاجات السينمائية والدرامية الموجهة للأطفال، وجلها مصنوعة بأساليب مختلفة بدءاً من المانغا ومروراً بالانيمي الذي يشكل ما يقارب 60% من الإنتاج السينمائي الياباني وليس انتهاءً بالكوميكس الذي تستند إليه استوديوهات دي سي ومارفيل، يطل سؤال لافت، ما الذي يشاهده أطفال العالم على منصات البث الرقمي، وما هي طبيعة هذه الإنتاجات؟ الإجابة عن هذا السؤال قد تبدو للوهلة الأولى معقدة، كونها تشمل العالم أجمع ولا تركز على منطقة محددة، ولكن تقرير قوائم «أفضل 10 أعمال» والصادر حديثاً عن نتفليكس، وقد حصلت «البيان» على نسخة منه، يكشف عن أن فيلم «ترولز: جولة حول العالم» قد احتل المركز التاسع ضمن قائمة «أفضل 10 أفلام» في الإمارات، حيث يمتاز هذا العمل بما يحمله من ألوان وموسيقى رائعة فضلاً عن كونه فيلماً غنائياً تدور أحداثه في قالب كوميدي.

بينما يكشف التقرير عن أن فيلم «دورية المخالب» قد حل في المركز السابع ضمن قائمة أفضل 10 أفلام في اليابان، أما «مهرتي الصغيرة – عالم جديد» فقد حل عاشراً في ذات القائمة على مستوى الدنمارك، والتاسع في السويد، والثامن في النرويج، أما فيلم «سونيك القنفد» فقد جاء في المركز الخامس ضمن القائمة العالمية الإجمالية لأفضل 10 أعمال، وبحسب تقرير المنصة فقد حصد هذا الفيلم أكثر من 8.91 ملايين ساعة مشاهدة، وذلك يعود لكون الفيلم مستلهم من سلسلة ألعاب فيديو «سونيك القنفذ» من «سيجا».

أما فيلم «تشارلي ومصنع الشوكولاتة»، فقد حل سادساً ضمن قائمة أفضل الأفلام في الولايات المتحدة، وجاء فيلم «عائلة كروود»، في المركز الثامن ضمن قائمة أفضل 10 في أوكرانيا، وحل الجزء الثاني من فيلم «مدغشقر» في المركز العاشر لأفضل 10 أفلام في إيرلندا.

قضايا اجتماعية

إنتاجات ضخمة خاصة بالأطفال يقدر حجمها بملايين الدولارات، تطل بها الاستوديوهات سنوياً، ولكل عمل منها رسالته وحكايته وشخصياته وألوانه وموسيقاه أيضاً، لتبقى هذه الأعمال مصدراً مهماً يمكن الأطفال من تشكيل وعيهم، وهو ما يبينه المخرج الإماراتي هاني الشيباني الذي يدرك في حديثه مع «البيان» أهمية السينما والدراما بالنسبة للأطفال، ويرى بأن من شأنها أن تسهم في تشكيل وعيهم ونظرتهم للحياة والآخر.

ويقول: «نحن نعيش حالياً في فضاء مفتوح، تكثر فيه الأعمال السينمائية والدرامية، وفي أحيان كثيرة يختلط الغث مع السمين، الأمر الذي يزيد من الأعباء الملقاة على كاهل الآباء والأمهات والذين يجتهدون في مراقبة أطفالهم وما يتابعونه من أعمال مختلفة».

وبحسب الشيباني فإن رؤيتنا للقيم تختلف تماماً عن رؤية الغرب لها، ويقول: «اتساع حجم الأعمال الموجهة للأطفال، أدى إلى بروز أعمال تحمل بين مشاهدها رسائل مخيفة وصعبة التقبل، بالنسبة لنا كمجتمعات محافظة، وهو ما يتطلب منا إبقاء عيوننا مفتوحة على اتساعها لالتقاط هذه الرسائل ومحاربتها»، في المقابل، يؤكد الشيباني بأن هناك العديد من الأعمال التي تتميز بأفكارها وطرق طرحها للقضايا الاجتماعية والإنسانية وتقدمها بلغة الأطفال.

ويقول: «هناك الكثير من الأعمال المحترمة التي أرى أنه من المهم أن يتعرض لها الأطفال وأن يشاهدوها، حتى وإن كانت بلغة غربية تختلف عن لغتهم الأم، كون هذه الأعمال تلبي الكثير من احتياجاتهم في فهم الطبيعة الإنسانية بشكل مبسط»، ويضيف: «عبر هذه الأعمال، أرى أن السينما تؤدي دورها الحقيقي، في نقل الطفل إلى عالم آخر، وتسهم في تشكيل وعيه، وترفع من مستويات إدراكه ومعرفته»، ويؤكد الشيباني بأننا نقف أمام جيل «مختلف في تعاطيه مع الأعمال السينمائية». ويقول: «طفولتهم مختلفة وكذلك وعيهم وإدراكهم، وذلك نتيجة انفتاحهم على العالم بطريقة زادت من مستوى الوعي لديهم»، منوهاً إلى أهمية وجود «فلتر» خاصة لدى المنصات الرقمية، يسهم في حماية الأطفال من التأثر بما تطرحه بعض الأعمال من أفكار خاطئة. ويقول: «بعض الأعمال تكمن أهميتها في كونها تحفز الطفل على التفكير في الكثير من الأمور، وتسهم في تشكيل رأي ناقد داخله، يمكنه من تقدير الأشياء وتصنيفها».

لغة اختيار

في عملية مشاهدة الأعمال السينمائية والدرامية، يرى الناقد السينمائي عبد الستار ناجي، ضرورة «تشريع الأبواب وحتى النوافذ أمام الأطفال، ليشاهدوا العالم وجديده، وأن يتنفسوا أكبر قدر من الأوكسجين». ويقول: «أحياناً كثيرة يكون الوقوف أمام ما تقدمه صناعة السينما والدراما من أعمال للأطفال، وما يحمله لهم الفضاء الإلكتروني من أعمال، بمثابة إشكالية أمام الآباء والأمهات، خاصة أولئك الذين يتخوفون من «الأيباد ومحتوياته»، ولكن بتقديري أن مواجهة هذا الموقف تكون عبر تشريع الأبواب أمام الأطفال ليمارسوا لغة الاختيار حسب احتياجاتهم ورغباتهم وتطلعاتهم، والرهان في هذا الإطار يظل على وعي الأبناء وحسن تربيتهم»، مشيراً إلى حالة الفراغ التي أحدثتها الدراما والسينما العربية بالنسبة لهذه الشريحة، جعلتها تتجه بأنظارها نحو ما تقدمه الاستوديوهات الغربية من أعمال.

ويقول: «أعتقد من الخطأ أن يغلق الآباء الأجهزة اللوحية والمنصات الرقمية أمام الأطفال، لأن ذلك يبدو بمثابة حصار لهم ولوعيهم، وهو ما يدعونا إلى القول بأن شرعوا الأبواب والنوافذ أمام الأطفال ليشاهدوا العالم وجديده، لا سيما في جانب نتاجات الطفل»، ويتابع: «اتساع دائرة الإنتاجات السينمائية والدرامية الموجهة للطفل والتي تثقل بها جعبة المنصات الرقمية بدءاً من نتفليكس وليس انتهاءً بـ«اتش بي أو»، من شأنه أن يزيد من وعي الطفل وإدراكه، كونها تفتح أمامهم أبواب الثقافات الأخرى، وعلينا أن ندرك بأننا نتعامل مع جيل ذكي، وهو دليلنا إلى الغد، وهم يختلفون تماماً عنا نحن الكبار الذين ما زلنا نختلف حول الهوامش، بينما أطفالنا يذهبون بنظرهم نحو المستقبل، ويستفيدون مما تقدمه لهم الأعمال السينمائية والدرامية من عوالم كثيرة».

Email