وجوه دراما رمضان 2022

إبراهيم عبدالفتاح شاعر "جزيرة غمام".. "سيزيف" في قفزة الحلم!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة في إحساس شاعر العامية المصرية إبراهيم عبدالفتاح ما يدفعنا مباشرة إلى مأزق، ما نلبث أن نقفز فوقه إلى حلم، لكننا، على طريق آلام "سيزيف"، لا نترك صخرتنا ولا تتركنا: "الحلم شلتو بين دراعيني/ وفتحتلو قلبي وضيا عيني/ لو كان بإيدي كان على عيني/ نشيل حملونا ونسبق الأوقات/ إيه كسرك يا ريح على العتبات / خللي عيوني بس ليلة تبات".. يمضي لحن الموسيقار ياسر عبد الرحمن، بنغم حزين، مشدود على أوتار كلمات الشاعر في شارة مسلسل "دمي دموعي وابتسامتي" (1997) بينما تتدفق صور شريهان على الشاشة (ومن غيرها) معبرة عن المعنى الأقسى: قدرية الأسى في رحلة الوجود!

على مدى نحو أربع عقود، من مسيرة شعرية، برزت في دواوين عامية ومسرحيات وأغانٍ لمقدمات عشرات المسلسلات الدرامية المصرية الناجحة، إضافة إلى أغانٍ في أفلام صنعها مخرجون كبار، "شال" عبدالفتاح حمولاً كثيراً وجهد في أن يسبق الأوقات. حمول من بينها: الخلط بين صنعة الشاعر الذي يكتب أغنية وبين "كاتب الأغاني".

تغيّر وجه الدراما المصرية وخضوعها بدءاً من نهاية التسعينيات إلى معايير معقدة ليس ألمعها جودة الفن نفسه. عدم وجود قوانين واضحة لحماية حقوق شعراء الأغنية أو إمكانية تجاوزها في حال وجدت. وأيضاً صراعات الشاعر الداخلية المرتبطة بحساسيته والبحث عن كينونته وسط فضاء لا تنقصه القسوة: "مش بكتب خلاصة حق وتسديد ديون/ بخاف من الحرية أكتر (م) السجون/ ومش عشان الحق والخير والجمال/ ومش خلاص من الموت/ جايز خلاص من الحياة"، يعلن الشاعر في قصيدته "السيناريست" في ديوان "سيما أونطة" عن "مانفيستو" رؤيته للوجود ووظيفة الكتابة.

قد تبدو النبرة متشائمة، لمبدع يرى في الكتابة فعلاً خلاصياً يحرره من ثقل الوجود، الذي يبدو وكأنه تمعّن في سننه طويلاً واختبر طباع ناسه، ووصل إلى خلاصات تشبه تلك الحكمة التي سابقها في شارة مسلسل "جزيرة غمام" وأداها صنو أجمل أغانيه علي الحجار مع موسيقى شادي مؤنس: "حط الغمام ع الجزيرة بدّل هواها وطباعها/ دار على النفوس الفقيرة/ بالذل والخوف طبّعها/ وبدر ما بين الخلق سيرة/ مين ضدها ومن معاها/ وقت ما تعمى البصاير/ ما حيلتنا غير البصيرة".. سرت الأغنية بين جمهور رمضان سريان المتعطش لاستعادة ثنائي نجح في أغانٍ عدة الحجار/ عبد الفتاح، رأس تاجها، أغنية الحنين التي أصبحت بمثابة ترنيمة دائمة تبشّر بهطول مطر يغسل الروح ويرد العاشق إلى داخله فيجد شوقاً رمادياً يبكيه أملاً وألماً: "لما الشتا يدق البيبان (الأبواب)". يقول الشاعر من فيضه: "خريف ندانا والشجر دبلان/ بردانة كنتي وكنت أنا بردان/ ضمت قلوبنا بشوق ولهفة نبضها/ لما التقينا الخطوة عرفت أرضها /أجمل معاني الحب غنتها النايات/ مش جاي ألومك عاللي فات/ ولا جاي أصحي الذكريات/ لكني بحتجلك ساعات/ لما الشتا يدق البيبان".

هكذا فقط يتخلص "سيزيف" من آلامه ويسبق الأوقات.. بأن يضم بشوقه العارم الحبيب، حاميه ومانحه معنى الحياة والكتابة. نستشف المعنى ذاته في أغنيات عدة مثل: "هو انت ليه بعيدة كده" في فيلم "هيّ فوضى" (يوسف شاهين، 2007): "قلبي على كفي افتحيه/ حتلاقي صورتك ساكنة فيه /حتى وانا بقلبي المرار ما بشوفش غيرك ليل نهار"، وأيضاً في أغنية العملاقة وردة "وحدي" من ألحان صلاح الشرنوبي: "وحدي من غيرك انا وحدي/ والعالم ضدي العالم ضدي/ وانا وحدي وازاي حتفتح عيني/ في كون ما فيهوش صوتك ولا قلب حنون".

سحر الحب، هو الصفاء الذي يرخي بسكينته على "شيطان" الألم الداخلي، تماما مثل صفاء الفجر في الأحياء والحارات التي تجمع بين حناياها ناساً طيبين لم "يحط الغمام" على رؤوسهم بعد. أولئك الذين وصفهم في شارة مسلسل "دوران شبرا" (2011) على لسان المغني بهاء سلطان ومع موسيقى مصطفى داغر: "الضحكة طالعة من حارات شبرا/ زيّ النهار صافية ومرسومة/ الحلم فاتح عينه على بكرة/ من عيش وملح ولقمة مقسومة".

بعد القفزة إلى الحلم، يجف نسغ الأمل ويرتطم الأمل، مرة أخرى، بجدار "الخيانة". إنها دوماً ماثلة مثل قدر متربص بالكتابة، على نقيض "الحب والخير والجمال"، تلك التي عبّر عنها بأبلغ الكلمات في شارة مسلسل "الدالي" (بين 2007- و2011) بصوت المغني وائل جسار وموسيقى زياد الطويل وبطله الراحل العظيم نور الشريف: "مين ده اللي كان دنيتك وبيشتري موتك/ مين ده اللي موتو بكلمتك وحياتو بسكوتك".

خيانة البهجة هي أكثر ما يربك الشعراء ويدفعهم إلى ظلال الشتاء الباردة ورمادية جزر الغمام. ألم تنتهِ حياة صلاح جاهين، أحد ملهمي إبراهيم عبد الفتاح (مع فؤاد حداد وعبد الرحمن الأبنودي) بفعل تلك الخيانة؟ لعل محبي سحر بيان عبد الفتاح يطالبونه بأن يبقى دوماً في قفز الحلم سابقاً الوقت بعيداً عن رؤى.. "السيناريست"!

Email