من حكايات أهل الفن

قصة لقاء أم كلثوم وبليغ حمدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن كوكب الشرق السيدة أم كلثوم (ت:1975) في عام 1960 قد تعرفت شخصياً إلى الموسيقار بليغ عبدالحميد حمدي مرسي الشهير بـ «بليغ حمدي» (ت: 1993)، الذي كان وقتذاك في بدايات صعوده، لكن الموسيقار العبقري السابق لزمانه وأوانه محمد فوزي (ت: 1966) قام بتعريف تلميذه بليغ إلى أم كلثوم، لتبدأ من تلك اللحظة العلاقة الطويلة التي جمعت هذين الاسمين الكبيرين في دنيا الفن والطرب، وأثمرت العديد من الأعمال الخالدة على مدى ثلاثة عقود من تلك التي لا تزال تشجي آذان المستمعين العرب.

وقت لقائهما الأول، لم يكن لدى بليغ لحن خاص يقدمه لأم كلثوم، فعزف أمامها لحناً كان قد أعده لإحدى المطربات المصريات. ولم يكن هذا اللحن سوى لحن أغنية «حب إيه» الخالدة. لم تستمتع أم كلثوم باللحن فقط، وإنما جذبتها أيضاً الكلمات التي تغنى بها بليغ أمامها وكانت للشاعر المصري المبتدئ آنذاك «عبدالوهاب محمد». وهكذا قررت أن تغني بنفسها هذا اللحن الشجي، خصوصاً أنها كانت في هذه الفترة تسعى للتنويع والخروج من القوالب الموسيقية التقليدية التي حبسها فيها رفيق مشوارها المبدع رياض السنباطي.

حققت أغنية «حب إيه» نجاحاً أسطورياً، وفي الوقت نفسه حققت شهرة مدوية لملحنها وكاتب كلماتها. أما العمل الفني الثاني الذي جمعهما فقد كان في عام 1962، وحدث بطريق الصدفة. وملخص الحكاية أن أم كلثوم كانت تبحث في عام 1961 عمن يلحن لها نص أغنية «أنساك» من كلمات الشاعر الغنائي مأمون الشناوي، فأوكلت المهمة إلى الشيخ زكريا أحمد الذي كانت قد تصالحت معه من بعد خلافات وصلت إلى المحاكم، لكن الشيخ زكريا توفي في العام ذاته دون أن ينجز المهمة، فاختارت تلميذه سيد مكاوي (ت: 1997) بديلاً عنه.

وبالفعل أنجز الأخير المهمة، وقدم لها لحناً لم يعجبها، وقيل أيضاً إنها تخلت عن لحن مكاوي بسبب خلافات على الأتعاب والأجر. وهكذا وقع اختيارها على الموسيقار محمد فوزي الذي تمنى طويلاً أن يجمعه عمل مشترك مع سيدة الغناء العربي. وهنا حدثت مشكلة أخرى، فبعد أن بدأ فوزي بتلحين «أنساك» تعرض لوعكة صحية منعته من مواصلة العمل. وفي هذه الأثناء كان تلميذه بليغ حمدي يتردد على منزله للاطمئنان عليه، فوقعت عيناه على نص الأغنية، فقام بتلحينها فوراً، دون أن يستأذن أستاذه.

لاحقاً استمع فوزي للحن، فوجده أفضل من اللحن الذي كان يفكر فيه، فتنازل عن المهمة، بعد أن أخبر أم كلثوم بتفاصيل الحكاية وقدم لها لحن بليغ حمدي. وبطبيعة الحال فإن تصرف فوزي هذا ينم عن نبل أخلاقه وكرمه وتشجيعه لتلامذته. ومن هنا قيل إن أغنية «أنساك» تبارى أربعة ملحنين كبار على تلحينها. ومن هنا أيضاً حجز بليغ حمدي مقعداً دائماً في قائمة من لحنوا لأم كلثوم. فمن بعد نجاح «أنساك» اجتمع الثلاثي (أم كلثوم وبليغ حمدي ومأمون الشناوي) عام 1963 في عمل رائع آخر هو أغنية «كل ليلة وكل يوم». ثم توالت ألحان بليغ لكوكب الشرق، فغنت من ألحانه تسع أغنيات أخر، لعل أشهرها وأروعها: ظلمنا الحب، سيرة الحب، بعيد عنك، فات المعاد، الحب كله.

* باحث في التاريخ والفن

Email