The Disciple يحلّق في فضاء الموسيقى الكلاسيكية الهندية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما رأى الفيلم الهندي «محكمة» (Court) النور في 2014، وعرض في مهرجان فينيسيا السينمائي، وصف مخرجه وكاتبه تشايتانيا تامان، بأنه «صانع أفلام واعد»، وعُلقت عليه آنذاك آمال كثيرة، إذ تمتاز أعمال تامان بقدرتها على التوغل بين ثنايا المجتمع الهندي، والتنقيب عن قصص نوعية، لها نكهة خاصة، يفتش من خلالها عن الأمل والألم في الوقت ذاته، الأمر الذي يجعل مشاهد أعماله يرزح تحت تأثير سحر السرد السينمائي.

غياب تشايتانيا تامان الطويل عن الساحة بعد فيلمه (Court)، لا يبدو أنه ذهب «هباءً منثوراً»، فقد عاد «قوياً» على الشاشة، عبر عمله الجديد (The Disciple) الذي عرضه في أروقة مهرجان فينيسيا السينمائي، لينتقل لاحقاً إلى أحضان نتفليكس، فمن خلال هذا الفيلم، يحلق تامان في فضاء الموسيقى الهندية الكلاسيكية، بوصفها حاضنة أساسية لكافة الاتجاهات الموسيقية، والغنائية، ليتمكن تامان من تقديم فيلم ذكي للغاية، مشدود في حبكته وسرديته السينمائية، التي يأخذنا فيها نحو مناطق جديدة في نوعية وطريقة سرد الحكاية.

يتوسد تامان في فيلمه الجديد، حكاية شاب صغير يدعى «شاراد» (الممثل أديتيا موداك)، الذي يعيش شغف الموسيقى الكلاسيكية القديمة، ويعيش تحت تأثير سحرها الخاص الذي يرثه عن والده وجده، ويسعى جاهداً لتعلم أصولها على يد أحد الأساتذة، ولكنه في الوقت ذاته يواجه واقعاً مختلفاً، حيث التوجهات الموسيقية التي يتطلع إليها المجتمع مختلفة، وتميل ناحية «الموسيقى التجارية ذات الإيقاع السريع»، والتي تتواءم مع الذوق العام، الذي يسعى هو الآخر للتحرر من تقاليد الموسيقى الكلاسيكية.

لحظة

لا يستغرق تامان وقتاً طويلاً، ليدخل المشاهد في الحكاية، حيث يفتتح فيلمه بمشهد لأحد أساتذة الموسيقى الكلاسيكية، خلال أدائه أمام الناس لواحدة من أشهر الأغنيات القديمة، لينتقل مباشرة نحو «شاراد» في مشهد يظهر تدريباته على إتقان حركات الموسيقى ومحاولة تطويع صوته ليتناسب مع طبيعة السلم الموسيقي الذي تفرضه هذه النوعية من الموسيقى، التي يبدو أن لها صلة بطريقة أو بأخرى بالمعتقدات الدينية الهندوسية، لكن المشهد الأكثر تأثيراً يكمن في اللحظة التي يقف فيها «شاراد» أمام طاولة صغيرة، يعرض عليها كنوزاً موسيقية نادرة للبيع، لكن لا أحد يهتم كثيراً بما يقدمه، وكل من يقف أمام الطاولة يبدأ بغربلة الأسطوانات المضغوطة، أملاً في العثور على ضالته، يسأل عن أسماء معينة، ولا يجد لها أثراً بين هذه الكنوز، في وقت يسعى في شاراد إلى الترويج لها، حيث يقول في رده على سؤال أحد العملاء: «بأنها لأسماء جيدة ومعروفة»، تلك الإجابة لم تكن مقنعة تماماً لذلك العميل الذي يدير ظهره لهذه الكنوز، ماضياً في طريقه.

عبر هذا المشهد، يحاول تامان أن يبين لنا، طبيعة التفاوت في الأذواق الموسيقية، وكيف تتغير مع مرور الزمن، وتصبح في لحظة ما استهلاكية، بفضل تذبذب العلاقة بين التجارة والفن، لكن اللافت أن تامان يحاول من جهة أخرى، أن يبين لنا «إيمانه بقوة الموسيقى الكلاسيكية»، وخاصة ذلك الذي يطلق عليها العامة بـ«الفن الغامض أو المغرور»، ولكنه في المقابل، يحاول أن يكون واقعياً للغاية، بحيث يبرز كيفية التعامل مع الفنون على أرض الواقع.

في هذه اللحظة تستشعر ومن خلال ملامح «شاراد» مرارة الفشل، والإحباط، نتيجة ما يواجهه من عقبات في عملية ترويجه للموسيقى الكلاسيكية، خاصة وأنه يعيش في عزلة مع جدته (نيلا خدكار)، لا يتواصل مع والدته إلا بشق الأنفس، يصرف كل وقته على التدريب، في محاولة منه لإتقان فنه، والذي يتطلب مهارة تقنية وذكاء ارتجالياً.

«لا يمكن تعلمها بسهولة. حتى 10 سنوات لا تكفي»، تلك جملة يرددها الراحل ماي (التي عبر عنها سوميترا بهاف)، المعلم الأسطوري الذي غالباً ما يستمع «شاراد» إلى محاضراته المسجلة أثناء ركوب دراجته النارية عبر مومباي في أوقات الليل، حيث تكون الشوارع أكثر هدوءاً، في المقابل، نلاحظ محاولات شاراد الاستفادة من مجموعة التسجيلات التي انتقلت إليه من والده الراحل (كيران يديوبافيت)، الذي نراه أحياناً في ذكريات الماضي ذات الألوان الدافئة التي تغرس في ابنه الصغير حباً لهذه الموسيقى غير العادية والمتطلبة بشكل غير عادي.

حكاية

في فيلمه هذا، يسعى تامان إلى تقديم حكاية ثرية بالتفاصيل المتعلقة بهذه النوعية من الموسيقى، كما يسعى إلى تقديم شرح لطريقة عمل «الراجا» وهي الإطار الموسيقي الذي يتمتع به المغنون بحرية الارتجال، وما تتمتع به هذه الموسيقى من دقة في عملية الصياغة والنغمة التي قد تميز الأداء الجيد عن السيئ، كل هذه التفاصيل يحاول أن ينقلها لنا من خلال حكاية «شاراد»، الذي تشعر أنه عبارة عن موهبة موسيقية غير منتظمة، يجتهد معلمه في تصحيح زلاته الصوتية.

تامان ينجح عبر فيلمه الذي يخرج فيه عن «سكة بوليوود» وأفلامها الاستعراضية، ينقل لنا حكايته بكل رشاقة، عبر كاميرا تولى تحريك عدستها ميشال سوبوشينسكي، الذي ترك لها حرية التنفس في المكان، لينقل لنا صورة خالصة الصفاء عن مدينة يتردد في أروقتها كافة أنواع الموسيقى، التي تمتزج مع أصوات البسطاء.

Email