الإبحار في ذكريات الماضي Reminiscence

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

التحرر من إطار شخصية البطل الخارق أمر ليس بالهين، لا سيما إن كانت الشخصية مرتبطة بالممثل، وقد أصبحت مع مرور الوقت جزءاً منه، ومن ذاكرة الناس.

ذلك ما قد ينطبق على الممثل هيو جاكمان، الذي ارتدى قناع «ولفرين» لسنوات طوال، لدرجة أصبحت جزءاً من الصورة التي يحتفظ بها الناس في ذاكرتهم عنه، فهو منحها الكثير من عرقه وجهده، ورغم مرور سنوات على اعتزاله لها، لا يزال طيفها مهيمناً عليه. (دبي ـ غسان خروب)

هذا الطيف تتلمسه وأنت تتابع مشاهد فيلم هيو جاكمان (Reminiscence) للمخرجة ليزا جوي، تشعر لوهلة أن مخالب ولفرين قد تخرج من بين أصابعه في أي لحظة.

في وقت تشعر فيه بمدى الفرق بين أن تكون بطلاً خارقاً يحارب الآخر بمخالبه، ومحارباً قديماً يلتقط لقمة عيشه من الإبحار في الماضي عبر التوغل في ذاكرة الناس، الذين يصيبهم «الحنين» إلى أيامهم السابقة، وذكرياتهم المخزنة التي تعيدهم إلى أوقات ما قبل الحرب، وقبل أن تصبح ميامي، مدينة شبه غارقة بالمياه، تشبه إلى حد كبير مدينة فينيسيا الإيطالية.

فيلم (Reminiscence) هو التجربة الأولى في مسيرة ليزا جوي، زوجة جوناثان نولان، والذي ابتكرت معه مسلسل «وست وورلد»، فيما يبدو أنها استفادت كثيراً من تجارب شقيق زوجها، كريستوفر نولان، الذي استطاع أن يصنع له نظرية خاصة في الإخراج.

وهو ما انسحب على بعض جوانب تجربة ليزا الإخراجية الأولى، التي برغم إيقاعها البطيء، تشعر بأنها تقدم لك فيلماً ذكياً، ينتمي إلى عوالم الخيال العلمي المفعم بطاقة الحب والأمل، تقدمه على خلفية جميلة، حيث مدينة ميامي تغرق تحت الماء، وتقف على شفى حرب أهلية.

في هذا الفيلم، تسرد علينا ليزا حكاية المحارب السابق نك بانيستر (هيو جاكمان)، والذي أصبح الآن محققاً خاصاً للعقل، فيجد نفسه يتنقل بين عوالم من الذكريات لمجموعة متنوعة غريبة من العملاء، حياة نك تبدأ بالتغيير في اللحظة التي يلتقي فيها مع «ماي» (ريبيكا فيرغسون).

حيث تتحول من حالة بسيطة كانت تبحث في ذكرياتها عن مكان مفاتيحها إلى أشبه بـ «هوس»، لا سيما بعد اختفائها في ظروف غامضة، الأمر الذي يستدعي من نك قضاء كل لحظة يكون فيها يقظاً في بحث دائم لمعرفة الحقيقة بشأن مكان وجودها وسبب اختفائها.

حكاية هذا الفيلم، ليست حديثة الطابع، فما أن تقلب مشاهده حتى تشعر لوهلة إنه سبق لك وأن تابعت الحكاية، في أفلام أخرى مثل: (Total Recall) و(Minority Report).

ولكن الفرق بينه وبين الأعمال الأخرى، إنه يحمل طابعاً عاطفياً بدرجة أعلى من بقية الأفلام التي تدور في الفلك ذاته، وهذا الأمر لم يكن قاصراً على الحكاية وإنما انسحب أيضاً على عملية التصوير التي اتسمت بكونها رمادية وزرقاء، ما يجعل الفيلم ينتمي إلى فئة أفلام «نيو نوار».

حيث جنحت ليزا من خلال مشاهده إلى إبراز عالم أصبح فيه البشر عالقين بين الحاضر وذكرياتهم. ما يجعل من مجموعة الاختيارات المرئية الواعية للغاية، مثيرة للفضول، وتثير ذاك الشعور الكئيب بالتوق إلى الماضي.

ورغم ذلك، فقد سعت ليزا، وعبر اختياراتها الجمالية، وفكرة غرق مدينة ميامي، إلى المحافظة على اهتمام الجمهور، كما سعت أيضاً وعبر إطار فلسفي إلى استكشاف القضايا الطبقية الموجودة داخل المدن، لتؤكد لنا على حقيقة أن «الغد ليس مضموناً ولذا يجب علينا أن نعيش حاضرنا».

لقد نجحت ليزا عبر هذا العمل في تقديم فكرة فلسفية الطابع، مثيرة للاهتمام، تطرق فيها أبواب الماضي، ذلك يتمثل في نوعية الجمل المختارة في النص.

كما «الذكريات مثل العطر تكون أفضل في جرعات صغيرة»، و«الماضي يطارد المرء»، وهي جمل ما أن تسمعها حتى تشعر بوقعها الفلسفي ومدى جوهريتها في النطاق السينمائي، تستند عليها ليزا لتخرج أفضل ما لدى هيو جاكمان الذي استطاع أن يثبت براعته في أداء الأدوار الدرامية التي تحرره من نطاق شخصية «ولفرين» الخارقة.

Email