Concrete Cowboy.. عين على ثقافة «رعاة البقر»

ت + ت - الحجم الطبيعي

للوهلة الأولى قد تأسرك حكاية فيلم «كونكريت كاوبوي» (Concrete Cowboy) للمخرج ريكي ستاب، فمن جهة، هي مستوحاة من روايات شعبية تحكي عن ثقافة رعاة البقر السود في فيلادلفيا، ومن جهة أخرى، تعد تجربة الممثل إدريس ألبا الأولى في سينما «الويسترن»، ولكن ما أن تمضي بمتابعة الحكاية حتى يصيب إيقاع الفيلم البطيء بخيبة أمل، قد يخففها أداء ألبا، الذي يسحرك بقوته، وبمدى قدرته على تجسيد شخصية «هارب».

تبدأ حكاية «كونكريت كاوبوي» في ديترويت، ولكنها سرعان ما تمضي نحو فيلادلفيا، وتدور حول صبي، يعيش مع والدته في ديترويت، يتورط في مشاجرة داخل مدرسته التي تقرر فصله نهائياً، ما يضطر الأم إلى إرسال ابنها إلى فيلادلفيا، حيث يعيش والده، لقضاء فترة الصيف هناك، ما أن يصل «كول» إلى بيت والده، حتى يبدأ باكتشاف المكان، يدرك بأن والده هو مدرب أحصنة، ويعمل في إسطبلات للخيول تعرف باسم «إسطبلات شارع فليتشر»، ويكتشف إن بيت والده ليس أفضل حالاً من الإسطبلات، يحاول التمرد على الحياة الجديدة، لا سيما بعد أن يلتقي مع صديقه «سموش» الذي يسعى إلى الثراء وتغيير حياته عبر القيام ببضع عمليات بيع لممنوعات، تنتهي بالقضاء عليه، الأمر الذي يعيد «كول» إلى صوابه، ليبدأ السير على خطى والده، ويقع في هوى امتطاء الأحصنة وتدريبها.

نظرة خاصة

جمالية حكاية العمل، تكمن في كونها تقدم لنا نظرة خاصة عن ثقافة «رعاة البقر» من ذوي البشرة السوداء، حيث تتوغل فيها قليلاً، وتطلعنا على أصول لم نعهدها ولم نتعرف عليها قبلاً، حيث تشي بأنها ثقافة غارقة في القدم، وتعود إلى 100 عام خلت، تبين لنا كيف كانت فيلادلفيا «مرتعاً» لهذه الثقافة، ولا تزال حتى اليوم، رغم إزالة «إسطبلات شارع فليتشر»، واستبدالها بمبانٍ وعقارات جديدة، تفتح العيون على هذه الثقافة، لتنفي ما دأبت هوليوود على تصويره في أفلام «الويسترن» أو «الكاوبوي» التي سادت في ستينيات القرن الماضي، بأن «رعاة البقر» هم من ذوي البشرة البيضاء، فالفيلم ينفي تماماً هذه القاعدة، ليؤكد أن حياة «الكاوبوي» ارتبطت بذوي البشرة السوداء، أو «الملونين»، لكن تلك الحقيقة لم يتم التركيز عليها كثيراً، فهي تمر بشكل خاطف، خلال مشهد جميل يبدأ كوميدياً، ولكنه سرعان ما يغرق في الجدية، حيث يروي فيه أبطال العمل بأن «هوليوود عملت على مسح تاريخ السود»، وإنها ساهمت في ترسيخ قاعدة أن «البيض هم رعاة البقر». ذلك المشهد يكشف جزءاً مهماً من الحقيقة التي يعاد التأكيد عليها في ختام الفيلم، حيث يروي كل واحد منهم تجربته الخاصة في هذه الثقافة، التي يقولون إنها ساهمت كثيراً في حمايتهم من الانجراف نحو حقول الجريمة، وإنها تمثل إرث أجدادهم وآبائهم.

أداء قوي

ورغم كونه فيلماً ينتمي إلى سينما «الويسترن» إلا أنه استطاع أن يتخلى عن «الكليشيهات» التي عادة ما ترافق هذه النوعية من الأعمال التي عادة ما تجري أحداثها في البرية، إشكاليته الحقيقية تكمن في عدم قدرته على الوصول إلى أقصى إمكانياته، رغم ما يتضمنه من أداء قوي وقصة مؤثرة للغاية ومثيرة للاهتمام في الوقت ذاته، لا سيما وإن خيوطها الدرامية تتمدد في أكثر من اتجاه، فهناك الجزء المتعلق بعلاقة الأب والابن، وجزء آخر يتعلق ببلوغ سن الرشد وسط أجواء صحية، وجزء ثالث يستعرض الدراما الغربية، وثقافة «رعاة البقر» التي استطاعت أن تتواءم مع الحياة العصرية.

في هذا العمل، يدهشك إدريس ألبا بأدائه القوي، وثقته العالية بالنفس، وبقدرته على ارتداء ثوب «رعاة البقر»، ويدهشك عبر ذلك المشهد الذي يلتقي فيه مع ابنه «كول»، يغلفه بالكثير من الدراما، ويشدك إليه عبر مقطوعة موسيقية يعزفها «جون وليام كولتراين» على الساكسافون، يبين خلاله كيف يمكن لأي طفل نشأ من دون والدين أن يبدع، في حال ترعرع في البيئة الصحيحة.

على الطرف الآخر يقف «كول» (الممثل الشاب كيلب ماكلوجلين) ليبهرك في أدائه، حيث يشعرك بأنه «ولد يسعى جاهداً لإيجاد هويته الخاصة، وشق طريقه بنفسه»، يدلك على ذلك من خلال علاقته مع «سموش»، وأيضاً مع والده، وعلاقته مع حصانه «بو» الذي ما أن ينجح في ترويضه، حتى يقع في «هوى» امتطاء الأحصنة.

Email