آل مكتوم.. إرث القيادة في التاريخ والرياضة

في توقيت استثنائي يتزامن مع الاحتفالات بعيد الاتحاد الرابع والخمسين لدولة الإمارات شهد مجلس الدكتور إبراهيم كلداري تدشين أضخم إصدار توثيقي، يضيء على المسيرة الرياضية والتاريخية لأسرة آل مكتوم الكرام.

الكتاب، الذي ألفه الإعلامي والمؤرخ الرياضي الإماراتي محمد الجوكر، يحمل عنوان: «آل مكتوم.. إرث تاريخي رياضي»، ويأتي في 282 صفحة، تزخر بالصور النادرة والمعلومات الحصرية، التي ترسم خريطة نهضة دبي عبر عقود.
العمل ليس مجرد سيرة رياضية بل هو عمل وطني ثمين، يتزامن مع إنشاء «دارة آل مكتوم»، الهادفة لتوثيق الإرث الحضاري والمادي والشفاهي لحكام الإمارة، ليصبح الكتاب جزءاً من هذا السجل التاريخي المتكامل، الذي يحفظ القصة للأجيال القادمة.

يستهل المؤلف فصوله بإجلال لمسيرة المؤسس المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وتحت عنوان «آل مكتوم.. رجال صنعوا التاريخ» يبرز الكتاب الدور المحوري للشيخ راشد في ترسيخ اللبنة الأولى لبناء دبي الحديثة، حيث «لامس القلوب بتحدي المستحيل».
منذ ما يزيد على 60 عاماً لم يغفل الشيخ راشد، رحمه الله، الجانب الرياضي، واضعاً هدفاً سامياً لبناء الإنسان صحياً وروحياً.
البصمات الرياضية الخالدة: يوثق الكتاب اللبنات الأولى للنهضة الرياضية، ومنها مكرمة الشيخ راشد السخية في السبعينيات (وتحديداً عام 1974) بوضع ملايين الدراهم، لإنشاء أربعة أندية نموذجية في دبي (النصر، الأهلي، الوصل، والشباب). هذا الدعم المادي والمعنوي لم يقتصر على دبي، بل شمل الإمارات الشمالية الأخرى، ما أحدث «انطلاقة حقيقية وثورة في عالم الرياضة الإماراتية».

شهادة التاريخ

يذكر المؤلف رواية عن المغفور له الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، طيب الله ثراه، حول حرص الوالد المؤسس على دراسة مشروع إنشاء الأندية بكل تفاصيله، لإيمانه بأن الشباب هم «الثروة الحقيقية للبلاد». يتوقف الكتاب عند محطات فارقة، مثل حضور الشيخ راشد شخصياً حفل افتتاح نادي النصر في 25 مايو 1978، ومتابعته شوطاً كاملاً من المباراة، التي جمعت النصر وليفربول الإنجليزي بطل أوروبا آنذاك، في مناسبة كانت «تاريخية» للرياضة.

فارس العرب محمد بن راشد.. القائد والقدوة

يمثل يوم 4 يناير 2006 محطة تاريخية بـتولي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مقاليد الحكم، ومواصلته مسيرة البناء المظفرة. لقد صنع سموه من دبي «أيقونة»، تتطلع إليها أنظار العالم.
لم تتوقف إنجازات سموه عند هذا الحد، بل ضرب أروع الأمثلة في بناء «الإنسان الرياضي السليم، ممارسة وبطولة»، ففي بضع سنوات قليلة جعل سموه من رياضة دبي «حديث العالم»، عبر تشييد المنشآت المتطورة، وصناعة الأبطال، واستضافة الأحداث العالمية.
عشق الفروسية: يحظى سموه بلقب «فارس العرب»، الذي تشرف به لكونه فارساً عالمياً بكل المقاييس. عزز سموه مكانة رياضات الخيول التراثية عالمياً، وبث بكلماته المتفردة الأمل والطموح في نفوس أبناء الوطن حين قال: «نحن شعب لا يرضى بغير المركز الأول». كلماته تترجم نهجه ورؤيته في تسجيل الريادة الإماراتية في جميع المجالات، والرياضة جزء أصيل منها.

حمدان بن محمد.. القائد الملهم يقفز بالرياضة إلى المستقبل

تتواصل المسيرة المظفرة بقائد شاب ملهم هو سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الذي نهل من ينابيع الخير والعطاء في مدرسة «فارس العرب»، وتخرج في كلية ساندهيرست العسكرية. سموه لم يكن فقط داعماً للرياضة بل أحد فرسانها وأبطالها. ترأس سموه مجلس دبي الرياضي منذ تأسيسه عام 2005 حتى 2020، وقفز به إلى العالمية، كما يتولى رئاسة نادي شباب الأهلي دبي.

مبادرات تحويلية

أطلق سموه مبادرات قيادية حولت دبي إلى مجتمع رياضي متميز، دورة «ند الشبا الرياضية»: الحدث الرياضي الأكبر في رمضان بالمنطقة. «تحدي اللياقة البدنية 30×30: مبادرة سنوية تلهم الملايين لممارسة الرياضة والألعاب الحكومية» وبرنامج «حمدان بن محمد لإعداد القيادات الرياضية». جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضي (2008): أكبر وأهم جائزة من نوعها في العالم.

الإنجازات العالمية كفارس

يسجل تاريخ سباقات القدرة إنجازات سموه بمداد من ذهب، أبرزها الفوز بلقب بطولة أوروبا المفتوحة للقدرة (2005)، والميدالية الذهبية للفرق في بطولة العالم للقدرة بماليزيا (2008).

«إرث دبي».. المبادرة التي تحفظ قصص المجتمع

وقال الكاتب محمد الجوكر، إنه بالتزامن مع هذه الملحمة التوثيقية، التي أطلقها سمو الشيخ حمدان بن محمد مبادرة «إرث دبي»، الهادفة لإحياء ذاكرة الإمارة التاريخية، من خلال رصد وجمع وحفظ القصص والتجارب الحياتية، التي تجسد ملامح تطور دبي وحياة أهلها عبر الأجيال. استلهم إطلاق كتاب آل مكتوم إرثاً تاريخياً ورياضياً، والمبادرة التي أكد فيها سموه أن دبي صنعت «نموذجاً ملهماً» هو نتاج تفاعل مجتمعي ضخم على مدار عقود، وأن لكل فرد من أفراد المجتمع دوراً ورواية تضيء جانباً من جوانب تلك القصة، ما يستوجب جمعها وحفظها كونها جزءاً مهماً من تاريخ دبي. تستهدف المبادرة سكان دبي من كل الفئات العمرية لجمع أكبر قدر من الروايات والذكريات، بدءاً من الطفولة وحتى الشيخوخة، وسيتم إطلاق حملات مدرسية، بالتعاون مع هيئة المعرفة، لتشجيع الطلاب على توثيق قصص آبائهم وأجدادهم لربط الجيل الجديد بجذورهم.

لخص سموه الهدف قائلاً: «هدفنا إشراك أهل دبي في توثيق إرثها عبر قصص تشكل جزءاً من تاريخ الإمارة أبطالها أفراد المجتمع.. «إرث دبي» مبادرة تحفظ أمانة الأجداد للأبناء، وتنقلها إلى الأحفاد».

إن التوثيق الجديد «آل مكتوم.. إرث تاريخي ورياضي» ومبادرة «إرث دبي» ليستا مجرد سجلات، بل هما دعامتان جديدتان لتوثيق تاريخ دبي نموذجاً ريادياً عالمياً، يضمن أن تظل قصة الحاكم وأهلها روحاً واحدة، وملهماً للأجيال القادمة.