ثنائية الوطن والقارئ في نتاجات الكاتب المغترب

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما ينتج الأدباء إبداعاتهم، فإنهم يتطلعون إلى متلقيهم. وعلى الرغم من ثورة المعلوماتية، والاتصالات السريعة ومنصات بيع الكتب وغيرها، فثمة سؤال يطرح ذاته: ترى، هل أحلام الكتَاب العرب في الخارج بإيصال أصواتهم إلى أهلهم في الوطن الأصلي تتحقق، وهل يفكرون بذلك؟

 

حل بديل

توضح لبنى ياسين، كاتبة سورية مقيمة في هولندا، أن العالم مرّ في السنوات الأخيرة بموجة هجرة هي الأكبر من نوعها، وقد أطاحت بإمكانية النشر عبر وسائل الإعلام المحلية والعربية للمبدعين، إلا أن وسائل التواصل قدمت حلاً بديلاً رغم أنه لم يغطِ الخلل الذي شاب علاقة المبدعين بإعلام بلادهم وشغلت الفراغ ولو جزئياً.

وتقول: ظهرت في فترة «كورونا» الندوات والأمسيات الثقافية الافتراضية لتسد ثغرة التواصل الإبداعي، وتم إنشاء إعلام موازٍ في المهجر على أيدي المبدعين، رغم أنه لم يحظ بانتشار واسع، إلا أنه في طريقه لملء الفراغ بشكل كامل، فقد رأيت مجلات عربية عدة قامت على جهود مبدعين مهاجرين.

هذه المجلات حسب رأيها سوف تنتشر وستزدهر نظراً للحاجة الماسة إلى ترسيخ اللغة العربية عند المهاجرين، خاصة الجيل الصغير منهم، وقد تنشأ في المستقبل القريب محطات تلفزة وراديو باللغة العربية تصل بين المهاجرين وثقافتهم الأم، بما في ذلك الأدب بكل أشكاله.

 

حنين

د. حاتم الصكر، كاتب عراقي مقيم في أمريكا، لا يشك في رغبة المغتربين والمهاجرين، في أن يكونوا حاضرين في وطنهم الأصلي، وهذا ينعكس على نتاجهم وعواطفهم وصلاتهم بالأهل أو الأصدقاء.

ويقول: تبرز تلك الرغبة في التواصل في مسميات ليس الحنين إلا واحداً منها، بما يحمله من عواطف وشجون، ولكنْ ثمة ما هو أعمق من ذلك الدافع، وهو الوجود الطارئ أو الإجباري للمغترب، والذي يجعله يحس دوماً بهويته الضائعة، فيحن بشكل مختلف عن الحنين العاطفي.

ويرى أن التقنيات الحديثة قد قلصت مجال الحنين للأهل والمكان، بما تتيح من تواصل سهل ومباشر ودائم ينزع الكثير من دواعي الشوق، والشعور بالحاجة ليكون هنا، وتبقى قضية الهوية في وعي المثقف إشكالية مرَّ بها وصرح وكتب كثير من مثقفي الشتات العرب ومثقفاته. وذلك حسب وصفه هو الوجه الحقيقي لأزمة المغترب أو المهاجِر، وهي التي يجدر بنا أن نناقشها لأنها لا تُحل بما تقدمه الوسائط التواصلية المتاحة للأسف.

 

خزان أدبي

يوضح نادر حاج عمر، كاتب فلسطيني مقيم في ألمانيا، أن رغبة الوصول إلى الأهل في الوطن هو المحور الذي تدور حوله الكتابة. وأنه لا يمكن تجاهل فضاءات الواقع الذي يعيشه، فهو الخزان الذي يستمدُّ منه مادته، وإليه يوجه إنتاجه، وهو ما يشكل حالة النبع والمصبّ في آن.

ويقول: رغم تنوع وسائل التواصل الاجتماعي يبهت الصوت على المدى، ولا تجد أعمالنا الأدبية طرقاً سهلة إلى هناك، حيث تفتقر البنية التحتية إلى وسائل الدفع الحديثة التي تتطلبها عملية الدخول إلى مواقع الكتب الالكترونية.

كما يرى أن الأهل في الوطن يعكفون على التغلب على صعوبات التفاصيل الشاقة للحياة اليومية، حيث تصبح القراءة ترفاً لا يستطيع الجمهور المعني تحمل تكاليفه الضئيلة، فضلاً عن مشقة الواقع المعاش الذي يستنزف الوقت والرغبة في البحث والقراءة.

 

تفوُّق

يبين كريم شعلان، كاتب عراقي مقيم في كندا، أنه مهما بَعُدتْ المسافات الجغرافية، فإن التطور التكنولوجي قرّب المسافات واختصر التباعد، وجعل الأصوات تصل بوضوح لكلّ الأماكن وفي كلّ الأوقات. السبب الآن حسب رأيه لا علاقة له بالبعد الذي يُقاس بالكيلومتر، بل السبب الذي يجعلك تصل أو لاتصل، هو مدى قوّة وعمق ما تقدمه من منتج إبداعي بضغطة زر تجد نفسك وقد وصلتْ إلى كلّ البيوت والقلوب.

وعن تجربته الشخصية يقول: أنا طبعتُ روايتي الأخيرة في بيروت وتمّ توزيعها في عواصم عربية، وأغلب الآراء التي وردتني، كانت لقراء حصلوا على الرواية بنسخ الكترونية، وهذا دليل على الوصول الأسهل والأقرب للتداول، رغم ضرورة الكتاب الورقي ومدى متعة قراءته. باختصار، الوصول للقرّاء والمتابعين في كلّ مكان، عمليّة سهلة وممتعة لو كان المنتج الإبداعي متفوّقاً كما تتفوّق التكنولوجيا الآن.

Email