في البداية، وعند أول لقاء مع المجموعة القصصية «الراقص»، التي أبدعتها الكاتبة الإماراتية شيماء المرزوقي، يهزُّ القارئَ ذلك الإهداءُ العميقُ الذي يحمل بين طيات حروفه الكثير من الثورة على التحديات والصعوبات التي تعترض الإنسان في حياته، إذ تقول في إهدائها الكتاب: «إلى تلك الأيادي التي دفعتني بقوة لإسقاطي.. لكنها قادتني نحو الأمام».
مشاعر
عقب هذا الافتتاح المعبر، نلتقي مع بطل القصة الأولى في غرفة المستشفى الذي يرقد فيه، وهو يعاني المرض الخبيث الذي أفقده متعة الأمل في حياة ملؤها السعادة والهناء، والتي تغمرنا بالحزن العميق بذلك الوصف المؤثر للمرض الخبيث، وما يعتري صاحبَه ومن حوله من مشاعر وأحلام وخواطر.
في مجموعتها، نلحظ الكاتبة تنتقل بفن السرد الجاذب من مكان إلى آخر، ومن مدينة لأخرى، محضرة ومحرِّضة مشاعر الأشخاص الذين تروي لهم، بحيث تجعل القارئ يسترسل بالقراءة، دون شعور بأي سآمة تعتريه؛ فهو يتوجه بكليته لما تسرده الكاتبة في أجواء عابقة بالمشاعر الجياشة التي تتناسب والقصة التي تحكيها. فمن أغلال السجين التي أوقعته أسير لحظة طيش أودت بأحلامه ونبوغه بين أقرانه، إلى ذكريات وأوجاع مغترب اجتاحته مشاعر الخوف في بلاد غريبة لم يكن يسمع عنها إلا في وسائل الإعلام.
أمل
وهكذا تجد الكاتبة تحط عصا الترحال السردي في أماكن تجول بمشاعر القراء في مناكب الأرض، وتلوِّح بعذب عباراتها ببراقة أمل يبحث عنها كثير ممن اعترتهم الآلام وغزتهم الأحزان، في شتى ظروف الحياة، التي لا تفرق بين شخص وآخر، ولا بين صغير وكبير. لنقرأ عناوين منتقاة لا يخلو كل منها من فيض الأحاسيس المنهمرة، فمن «طفلة الأمل» التي خطفت الحرب منها براءتها .
واستبدلت بألعابها حجارة الطوب المنهدمة بفعل آلة التدمير، إلى «يوم في حياة إنسان» تخرج من خلالها بروتين العمل اليومي إلى معان أخرى تحتويها رتابة الحياة التي أفقدت كثيراً من أيامنا جماليات قد لا نشعر بها إلا إذا فقدناها. وتحت عنوان «ذكرى الألم وطعم النجاح» يطيب لكل مناضلة في الوطن العربي، كما توضح الكاتبة، تكون هذه القصة هدية بين يديها تأخذ من عبيرها وتستضيء بنور عبرها.
لقاء«الراقص» هو العنوان الأكثر مساحة في تلك المجموعة، والذي اختارته شيماء المرزوقي عنواناً لمجموعتها. وهنا نترك للكاتبة مهمة كشف الأستار عن قصة «نيار» ذلك الإنسان الذي وجد نفسه «في غمرة انعدام الرضا.
والافتقار للأمان النفسي، في مواجهة مع شخص يناقضه كلياً في كل الصفات، مر بكل مشاعر الغضب والحقد والكره لهذا الإنسان الذي يلتقيه يومياً أمام محطة الحافلات ليجده يتراقص على آلامه وهمومه.. كان للقدر كلمة أخرى حيال لقائهما المستمر المشحون بسوء الفهم والغيظ.
الراقص لم يكن سوى فرد آخر تائه وسط الإنسانية المزدحمة بالآلام، له قصته الخاصة المثخنة بالجراح والندوب، لكنه لم يكن مهتماً بسردها عبر تفاصيل وجهه أو عبر انقلاب مزاجه، بل على النقيض تماماً، كان يرقص على هذه الجراح والآلام، يرقص ساخراً من العالم الذي يرفضه ويلقي به بعيداً كل يوم.
تعلَّم هذا الصبي في مرحلة مبكرة من حياته أن خير طريقة لقتل الألم هي أن تشغل عقلك عنه، وهذا كان النهج الذي اتبعه. هذه القصة تحكي عن شخصيتين متناقضتين قارب بينهما القدر، أحدهما يجد الحياة جحيما مستعرا وآخر يؤمن أنها مسرحية راقصة ذات موسيقى صاخبة».