أرصفة

الصراع على القمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتفالية ندوة الثقافة والعلوم بتسعينية الشاعر الرائد بدر شاكر السياب، ذكرتني بصراعه مع شعراء جيله الكبار على الجلوس على قمة الشعر العربي المعاصر.

لا شك أن نهضة شعرية قد ظهرت في النصف الأول من القرن الماضي، كان في مقدم فرسانها السياب ونازك الملائكة، التي نازعته بشكل مباشر على موقع المبادرة والصدارة في حركة الحداثة الشعرية.

السياب رمز هذه الظاهرة وفارسها، حمل مشعله مدعياً هذه الصدارة، ثم ظهر عبد الوهاب البياتي ليصارعهما على الصدارة، إلا أن صلاح عبد الصبور ظهر فجأة، مدعياً صدارته في حركة الشعر الحر، وبالتالي، أصبحنا أمام أربعة عمالقة يتصارعون على المركز الأول في هذه الحداثة الشعرية، التي أصبحت مفتاحاً لمجلة شعر، التي كان من روادها وأعضائها يوسف الخال، وخليل حاوي، وبدر شاكر السياب، وأدونيس، وغيرهم من كبار شعراء القرن الماضي.

الصراع كشف عن ثقافة شعرية موسوعية لهؤلاء الشعراء، وفهم نقدي قلما نجده عند شعراء غيرهم، هؤلاء الشعراء أرسوا دعائم هذه النهضة التي حررت القصيدة المعاصرة، وفتحت الأبواب أمام الاجتهادات الأخرى.

يواجه السياب مجموعة من الصحافيين والنقاد، من بينهم الناقد الراحل محمود أمين العالم، والناقد اللبناني رئيف خوري، لمناصرتهم لصلاح عبد الصبور، في الوقت نفسه، يواجه البياتي ونازك، ويحتدم الصراع بين هؤلاء الأربعة بحرب نقدية، شملت مجلات تلك الفترة، كانت المواجهات حادة، وتعتمد على رؤى نقدية اختلفوا حولها، إنما ولدت للأجيال التي تلت نهضة شعرية، وعززت الحركة النقدية للشعر، ورغم حدتها وتصلب مواقفها، إلا أن المواجهة كانت سليمة وشريفة، أنعشت هذا الكائن الجميل، الذي أسمه القصيدة الشعرية، والتي اتكأ عليها جيل كامل من الشعراء الشباب الذين جاؤوا تباعاً بعد هذه الحركة، التي فتحت الأبواب مشرعة للاجتهاد، ووضع كل جيل رؤاه وتوجهاته الشعرية.

Email