سهولة مطلقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

متى يدرك بعض محبي الشهرة والظهور، أن حرفة تأليف الكتب ليست مثل الكتابة السريعة على مواقع التواصل، وأن الأفكار التي تطرح في الكتب، هي أعمق وأبقى زمناً وأثراً مما تتناوله مواقع التواصل الاجتماعي، نقول ذلك، وحولنا آلاف الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم روائيون أو شعراء، لأنهم كتبوا بضع كلمات على الهواء الافتراضي.

ثم يدرك هؤلاء أن الكتاب المطبوع، أكثر قيمة وأهمية، فيحملون كلماتهم إلى أحد الناشرين ليصنع منها كتاباً، ويضع لها عنواناً جاذباً، مثل «عذابات رجل لا تحبه النساء»، أو«صراخ امرأة هجرها العشاق»، أو أي عنوان آخر يحبه قراء هذا النوع، الذين ينتمون في غالبيتهم إلى فئة عمرية، وتراهم أو تراهن صفوفاً طويلة في حفلات توقيع الكتب، وما أكثرها وأسهلها.

عصر التقنيات الجديدة، حوّل القيم الفنية إلى عالم من السهولة التي تدفع إلى تجريب الحظ لركوب الموجة، موجة صورة على الغلاف ونبذة عن المؤلف، فلطالما كان حلماً أن تنشر صحيفة رصينة، صورة لكاتب جديد، ولطالما فرحنا بصورنا قرب كلماتنا، غير أن التقنيات المعاصرة، تمكنك من طبع صورتك على قدح قهوتك أو قميصك الأبيض، بأسرع وقت وأقل التكاليف، فما بالك بصورتك قرب كلماتك!

آلاف مؤلفة من الكتب التي ينقصها المعمار البنائي للكتاب، خالية من النسيج المتناغم، دون حس فني أو لغة سليمة، تتصـــدر عشـــرات دور النشر، يُروج لها باعتبارها لغة جديدة لجيل جديد، هو من وجهة نظرنا، جيل مشوه، يشبه الدارج من العامية، ليس جيلاً شكسبيرياً، لأنه يعرف بضع تراكيب جاهزة بالإنجليزية، وهو قطعاً ليس سليل المتنبي أو طه حسين.

جيل لا يعرف من كتب «البؤساء»، أو من كتب «روميو و جولييت»، ولا يحفظ بيتاً واحداً صحيحاً لشوقي أو لنزار قباني، لكنه يصر على أن يؤلف الكتب، ويزينها بصورته، ولا يوفر وسيلة تواصل اجتماعي دون القفز إلى هوائها.

Email