حلب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُظهر «غوغل» أن حلب واحدة من أكثر الكلمات تداولاً في محرك البحث العملاق، فكلما جاءت الفواجع من هناك ازداد عدد الباحثين عن حلب وتاريخها، تماماً مثلما يحدث في البقاع المنسية من العالم التي لا يعرفها الناس على الخرائط أو ليست متداولة في الشأن العام، غير أن حلب لم تكن كذلك، كان يكفي أن تنتسب إلى أعرق مدن التاريخ وأقدمها على الإطلاق ليحترم الناس تاريخك وحضارتك.

ولدت وعشت في حلب وعرفت مزاج حجارتها وحفظت تاريخ أمكنتها، لم أقرأها في كتاب ولم أبحث عنها في الإنترنيت، ومثل كثير من الحروب في العالم تختفي الحقائق ويطفو القش على ســطح البحيرة، كذلك اختفت أسماء أماكن نعرفها جيداً في حلب، لتحل محلها أسماء لمناطق يجهلها الحلبيون، لذلك على المرء أن يتساءل إلى أي جغرافية ينتمي «طريق الكاستيلو» أو أين يقع «معمل الإسمنت» وما هـو «دوار الموت».. أسماء جــــديدة لمناطق تدور فيها المعارك لم يأت على ذكــرها مــؤرخ أو باحث.

لقد سَوّق الإعلام المتابع للحرب في سوريا أسماء لقرى أو لمناطق يجهلها حتى السوريون، وخاصة تلك التي نبتت في ظل الفساد وعشوائياته من بيوت ودكاكين وأسواق، وغاب في المقابل ما نعرفه من أحياء عريقة عن واجهة الحرب، وهذا لا يــدعو للفـــرح لأنها لم تُدمر بعد، لأن النار المشتعلة في الجوار ستمر على بيتك مع أول هبوب للريح، وريح الحرب لا تعرف فرزاً للتاريخ أو تنقية للجغرافيا.

كارثة حلب ليست في صور الدمار أو الخبز المفقود أو المستشفيات التي تُدك على رؤوس المرضى فحسب، كارثتها في اعتياد سكانها العيش تحت القصف، وكأن سقوط برميل متفجر في الجوار مشهد عابر في نشرة أخبار مملة.

فكلما سألنا أحد الأقرباء عن حالهم في حلب؟

قال بزفرة طـــويلة: «عايشين».

تلك الكارثة، اعتياد الحرب والعيش تحت ظلها.

Email