مَعَارض شعبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مطلع سبعينيات القرن الماضي وقد تفتح وعيي نحو المطالعة وشجعني أستاذ المدرسة، ولم يكن في بيتنا سوى تلفزيون الأبيض والأسود، الذي يبدأ بثه في السادسة مساء ويختتم في الحادية عشرة قبل منتصف الليل، ولم يكن هناك من تسلية غير القراءة.

كنت أمضي نحو كتب الرصيف التي تمتد لعدة أمتار أمام البريد المركزي في حلب، حيث روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمد عبدالحليم عبدالله، إلى جانب كلاسيكيات عالمية: البؤساء، الأم، الحرب والسلم، قصة مدينتين. وكتب أخرى يتحلق حولها المارة في مشهد عفوي أخذ يتطور ثم يتطور ليصبح معرضاً كما هي الحال اليوم.

معظم النجاحات الكبيرة تبدأ بفكرة بسيطة تتطور ثم تتطور لتتحول إلى عمل عملاق، ومن بسطات الكتب على الأرصفة المعروفة بطبعاتها الشعبية الرخيصة، والتي يمكن المساومة عليها مع البائع تكبر الفكرة لدى القارئ ليكوّن مكتبة، ليعزز فكرة القراءة، لتصبح الكتب في بيته وفي متناول أسرته..

ومن سور الأزبكية في القاهرة إلى مكتبات الأرصفة في دمشق وحلب إلى شارع المتنبي في بغداد، وصولاً إلى مفروش الخرطوم، معارض شعبية لها رصيدها في الذاكرة ولها جمهورها من القراء، حتى الكتب النادرة تتوافر في تلك المعارض الشعبية.

لم تتراجع قيمة كتب الرصيف بل بعض الدول عملت على تعزيز حضورها كما الحال بالنسبة لفرنسا التي منحت العارضين صناديق خضراء على ضفة نهر السين، لعرض الكتبّ والصور واللوحات، كما أن تلك المعارض لم ينته دورها في ظل الانتشار الكبير لمعارض الكتب الدولية في القاعات العملاقة..

حيث إن كثيراً من الدول وجدت في الحفاظ على كتب الرصيف تقليدا ثقافيا يبعث برسالة إيجابية إلى الآخرين تشجع على القراءة وعلى اقتناء الكتب. تقليد لم يتراجع بل تحول إلى إرث لا يكتمل المشهد الثقافي من دونه.

Email