قاماتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

قامات كبيرة ترحل بين يوم وآخر، جيل بأكمله من مبدعين ساهموا في صنع ثقافة النصف الثاني من القرن العشرين، ثقافة يعرفها أبناء اليوم الذين كبروا على قصائدهم وقرأوا كتبهم وسمعوا أغنياتهم، تراهم اليوم يترجلون واحداً تلو الآخر وكأنهم تعبوا من الحياة، أو كأن الحياة لم تعد تستحق العيش.

أي نظرة تشاؤمية هذه التي تسم مطلع القرن الحادي والعشرين، انكسارات وخسائر وهزائم وقيم تتراجع وظلم يزداد وفقر يعم وسجون تنتشر ومدارس تُغلق ومُدن تدمر ويأس يغلق نوافذ الأمل، هذه هي حالنا، أمة تغرق في ماضيها، وحاضرها دروس في الجهل والتخلف، وكأن عصور الظلام تعود من جديد لتحكم البشرية.

هل أدرك المبدعون العرب هذه الحقيقة فلم يجدوا مبرراً للعيش فيها، فاستسلموا لموتهم الهادئ، بدلاً من أن يكونوا شهوداً على كل هذا الدمار، شهود رأي أم شهود صمت، وما أبلغ كلام الصمت في زمن كهذا، اختاروا الموت، الاستسلام لقدرهم محبطين يائسين.

الذين لا يكتبون، ولا يدلون برأي، ولا يعلقون على فعل، كأنهم يؤجلون موتهم مدركين أن الزمن ليس بزمنهم، هل يرثون لحال أمتهم أم ينتقدون أخطاء تصفق لها العامة.. أم يعترضون على الأكاذيب أم يطالبون بتصحيح الأخطاء، أم تراهم يتفرجون صامتين، حالهم حال حكمة الخوف (لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم)؟

جيل الراحلين من المبدعين العرب لو نظرنا إلى ماضيهم، ماضي حروفهم التي تحض على قيم ومبادئ، وترسخ مفاهيم الخير والحب في المجتمع، لأدركنا حجم الخسارة التي تتعرض لها الثقافة العربية، خسارة المبدعين الذين لا يعوضون، والذين تراهم يتساقطون في خريف الشرق، وكأنهم أوراق صفراء حملتها ريح الزمن بعيداً.

Email