الثور المجنّح

ت + ت - الحجم الطبيعي

طيلة أشهر لم تكف الأصوات عن المناداة لإنقاذ حضارة الشام والعراق من أيدي الجهلة والقتلة الذين انقطعت عنهم مسالك البشر، وفاقتهم حيوانات الغاب رحمة ورأفة. ولم يكن يحتاج الأمر إلى شريط مصور يظهر الدواعش وهم يحطمون متحف الموصل حتى ينتبه العالم إلى خطرهم الذي بات يتجاوز الجغرافيا القاحلة.

متحف الموصل كان واحداً من أهم متاحف الحضارة في العالم، ويعد في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقي في بغداد، تأسس عام 1952، وتعرض في إبريل من العام 2003 إلى عمليات نهب كبيرة بعد الغزو الاميركي للعراق. كان مؤكداً أن عناصر داعش التي دمرت معروضات المتحف الثمينة تعرف جيداً قيمتها. لذلك ركزت على منحوتة الثور المجنح (رأس إنسان وجسد ثور)، التي تعد أيقونة المتحف. وراحت تعمل على تقطيعها بمنشار كهربائي.

الثور المجنح منحوتة رافدينية قديمة (اكتشفت عام 1941). ويسمى أيضاً "شيدو لاموسو". كما ورد في الكتابات الآشورية. وأصل كلمة "لاماسو". هو من لامو في اللغة السومرية. وكان هذا الاسم يستعمل لأنثى من الجن مهمتها حماية المدن والقصور ودور العبادة، أما الجن الذكر الحامي. فكان بالسومرية يعرف باسم "آلادلامو"، وبالآشورية سمي "شيدو".

وهو تمثال ضخم يبلغ طوله 4.42 م ويزن أكثر من 30 طناً. وهو فرد من زوج يحرس باباً من أبواب سور مدينة (دور شروكين)، التي شيدها الملك الاشوري سرجون الثاني (721- 705 ق.م). كان يرمز إلى القوة والحكمة والشجاعة والرفعة، واشتهرت الحضارة الآشورية بالثيران المجنحة، ولاسيما مملكة آشور، والذي غدا رمزاً من رموز هذه الحضارة التي كانت تعتمد القوة كمبدأ في سياستها وانتشارها.

ويوجد نماذج للثور في متحف اللوفر في فرنسا وغيرها من متاحف بريطانيا. أدركت داعش قيمته فأمعنت في تحطيمه، ولكنها لم تفلح في تحطيم التاريخ، عشرات الغزاة مروا من هنا لكنهم انتهوا إلى مزابله، وبقيت حضارة العراق شاهدة على دورة الزمن الذي يغفو، ولكنه سرعان ما يستيقظ.

Email