نجيب محفوظ العربي الوحيد الفائز بها

«نوبل» والأدب العربي.. جفاء استحال نضوبه

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتجدد اللقاء السنوي مع جائزة نوبل الأشهر عالميًا، التي تعطي دليلًا على أهمية الحاصلين عليها واعتبارهم أيقونة في مجالهم. وفي هذا العام، فاز بالجائزة الأدبية المغني ومؤلف الأغاني الأميركي الشهير بوب ديلان، في سابقة أولى بتاريخ الجائزة؛ ما أثار العديد من الانتقادات والتساؤلات حول العالم.

في الوقت الذي تواصَلَ فيه غياب الأدب العربي بعد المرة الوحيدة التي ذهبت خلالها الجائزة إلى الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ؛ فلماذا يغيب العرب عن جوائز نوبل، خاصة في مجال الأدب؟ وهل هذا مقصود؟ وإلى متى سيبقى »محفوظ« العربي الوحيد الحائز عليها رغم وجود أسماء قوية مثل إبراهيم الكوني وأدونيس وبهاء طاهر؟

في محاولة للإجابة، يقول الناقد الأدبي د.صلاح فضل إن »نوبل« أكاديمية تضم أساتذة كبارًا في المجالات الممنوحة فيها الجائزة كافة، قادرين على تمييز الترشيحات الجدية من العبثية التي تصل إليهم، لأنهم ليسوا مجرد موظفين.

كما أن لديهم الكفاءة والعلم والمعرفة بالفروع التي يتلقونها؛ بحيث يميزون بين ما يُعتد به وما لا يُعتد به، ويوفرون بهذا- إلى حد كبير- وقتًا وجهدًا في عمليات الاختيار والتصفية اللاحقة.

تقصير عربي

ويتابع فضل قائلًا: اكتسبت الجائزة مصداقية عالمية لأكثر من مئة عام؛ بناء على البنية العلمية والعملية التي ترتكز عليها الجائزة والنظام والمعايير التي تتبعها. ويلفت إلى أن العالم العربي ليست فيه جائزة عربية تعتمد على مثل هذا الكيان الأكاديمي وأن ترتقي إلى مثل هذا المستوى العالمي.

ويضيف: إن هناك كُتَّابًا عربًا كان لديهم ما يؤهلهم للحصول على نوبل بناء على ما قدموه من إبداع؛ لا سيما توفيق الحكيم الذي أرسى قواعد في الإبداع، كذلك طه حسين الذي رغم ترجمة كتاباته إلى الفرنسية وغيرها من اللغات لم يحصد نوبل، وهذا لا يمكن تفسيره على أنه محاولة اضطهاد؛ وإنما تقوم اختيارات القائمين على الجائزة بناء على معايير عدة.

ويحيل فضل الخطأ الأكبر إلى تقاعس الترجمة لتعريف الغرب بالأدب العربي وإبداعات العرب في مجالات الأدب المختلفة، مؤكدا أن هناك اقتصارًا على ترجمة الأدب الغربي وليس العربي؛ وهو ما يجعل العرب مستقبلين فقط.

لا تكفي

يقول الروائي السوداني حمود زيادة: لا يمكن إنكار أهمية جائزة نوبل سبيلاً للشهرة العالمية وإثبات الذات، لكن في الوقت ذاته يمكن وصفها بأنها فرصة وليست حقًا أو فرضًا على المبدع أن يحظى بها، ولحسن الحظ أن نجيب محفوظ وجد هذه الفرصة واقتنصها.

ويشير زيادة إلى أن توجّه نجيب محفوظ إلى المحلية لم يكن سبيله إلى نوبل أو العالمية؛ بل لأنه تجاوز هذه المحلية إلى حواجز الجغرافية وتعبيرها عن روح الإنسان الواحدة التي لا تختلف باختلاف الأجناس، لأن نجاح أي أدب ينبع من ارتباطه بالإنسانية وتعبيره عنها.

ويعتبر زيادة أن الترجمة وسيلة لنقل الأدب العربي إلى القارئ والباحث الغربي لا تكفي وحدها للاطلاع على الأدب العربي وفهمه.

حيث يعتمد الأمر أيضًا على المختارات التي تقدم بالإنجليزية أو اللغات المختلفة، وأنه على دور النشر أن تقدم مقتنيات وليس مجرد كتب للترجمة لا تعبر عن الأدب العربي. كما أن نقل الأدب العربي إلى الغرب، برأيه، يعتمد على نشاط الناشرين في أكثر الدول، لأن دور النشر هي الأكثر اطلاعًا على الأدب، وهي التي تطبعه وتنشره للعامة من القراء.

جائزة منحازة

يختلف الروائي عزت القمحاوي في رأيه عن حمور زيادة؛ حيث يجد أن »نوبل« ذات هوى أوروبي وليس شرقيًا أو عربيًا، مؤكدًا أنه يجري غض البصر عن الإنجاز الأدبي العربي لصالح اعتبارات أوروبية وسياسية.

وبسؤاله عن مساهمة الإبداع العربي في الغرب -كأدب أدباء المهجر في دعم الحضور العربي في الغرب وبالتالي الاقتراب من الجائزة- قال: »الإبداع العربي لا يحتاج إلى جائزة نوبل حتى يثبت حضوره، كما أن المبدعين العرب كان لهم حضور بارز بالفعل في الغرب، كحضور الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي كان يستحق عن جدارة الحصول على نوبل، ولكن تم تجاهله«.

ويرفض القمحاوي ما اعتبره »المرحلة السوفييتية« على غرار تقريب الثقافة الروسية للمصريين في مرحلة الستينيات القرن الـ20، وهي التي تتمثل وتتبدى في نقل الأدب العربي إلى الغرب عن طريق الترجمة، ويقول هنا، إن الأدب العربي له تراث وحاضر، وعلى الباحثين الغربيين الاجتهاد لاكتشافه كما يسعى العرب إلى اكتشافهم، رافضًا تهميش التجربة الإبداعية العربية.

من أفواه الأسود!

ويؤكد الناقد د.حسين حمودة أن »مظاليم« جائزة نوبل كثيرون جدًا، وقال إن العدالة الجغرافية واللغوية تغيب عن جائزة نوبل، وإذا تحدثنا عن المستوى الجغرافي فسنجد أن أوروبا وأميركا الشمالية لهما النصيب الأكبر في الفوز بالجائزة، أما على مستوى اللغة فسنجد أيضًا أن الأدب المكتوب باللغات الأوروبية أيضًا له نصيب الأسد من الفوز بالجائزة، فيما يتم تجاهل قارات أفريقيا ومبدعي اللغة العربية.

ويستطرد حمودة: إن هذا ليس معناه أن جميع أدباء أوروبا لم يقع عليهم ظلم وتجاهل، بل إن هناك كُتابًا كبارًا في أوروبا نفسها لم يحصلوا على الجائزة رغم أنهم يستحقونها، على رأسهم تولستوي ونيكوس كازانتزاكيس وغراهام غرين.

لذلك، علينا التوقع أن يتجاهل القائمون على الجائزة أدباء اللغة العربية لفترة طويلة، إلى أن تصبح الثقافة العربية كلها ضمن مفردات الثقافية الإنسانية الإنسانية المؤثرة حالياً، من خلال ترجمة أعمالنا إلى اللغات الحية. وأشير هنا إلى أن الأديب نجيب محفوظ انتزعها من أفواه الأسود.

تقاعس

تُرجع الكاتبة سعاد سليمان غياب نوبل عن العرب، إلى أن الأدب العربي وحضوره في الغرب محدود، بحكم تقاعس نقله إلى الدول الغربية وعدم تعاون الحكومات لنقله وترجمته وتعريف العالم به.

وإضافة إلى السبب السابق، تبين سعاد أن عدم عناية الدول العربية بأبنائها من الأدباء والمبدعين وترجمة أعمالهم إلى اللغات الأجنبية، يهدر طاقة هؤلاء المبدعين، الذين تصفهم بأنهم ما زالوا قيد بديهيات انتهى منها الغرب منذ عقود طويلة.

أقلام أخرى

يلفت أستاذ النقد الأدبي الحديث والأدب، د.شريف الجيار، إلى أنه بعد حصول الأدب العربي على نوبل في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، استطاع أن يضع نفسه أمام العالم، مستخدمًا أدوات إبداعية تعبر عن التراث والواقع المصري خاصة والعربي عامة.

ويتابع الجيار: إن سبيل الأدب العربي إلى الغرب يكون عن طريق الترجمة، التي تعد ضلعًا هامًا في إضفاء البعد العالمي على الأدب المصري والعربي وتحويله إلى أدب مرغوب فيه؛ إذ ضرب محفوظ نموذجًا للأديب العربي، ومع هذا كانت هناك أقلام عربية أخرى تستحق نيل الجائزة، مثل: الكاتب بهاء طاهر، والراحل جمال الغيطاني.

حاجز اللغة!

ويرى البعض أن اللغة العربية رغم جمالها وبلاغتها تقف حائلًا بين محكّي »نوبل« والأدب العربي؛ إذ لا تأتي كونها لغة معترفاً بها أو ضمن اللغات التي يقع البحث بها، ويطلب القائمون على الجائزة من الدارسين للأدب العربي في الخارج ترشيح أسماء عربية لنيل الجائزة، وهو ما يعيق الوصول إلى نتائج حاسمة لتعريف القائمين على الجائزة بالأدب والإبداع العربي.

وهذا إضافة إلى أن هناك بعض النقاد الذين يرون الأدب العربي يضم قضايا لا تهم القارئ الغربي؛ حيث لا تقترب من عالمه ولا تعبر عنه بقدر ما تعبر عن القارئ العربي، وهو ما يبعد القارئ الغربي عن الأدب العربي وقضاياه، فيما ينتقد البعض انشغال الأدباء العرب بالتوجه إلى الغرب دائمًا، ويرون أن نسيان الذات وتزيين الصورة للآخر يفقد الأدب محتواه وجمالياته.

مظاليم نوبل!

ليس العرب وحدهم الذين جاء نصيبهم في نوبل للآداب ضعيفاً، كما يؤكد نقاد عديدون، فهناك دول أخرى لم تحصل على جائزة نوبل مثل البرازيل وباكستان والهند، والصين وكوريا وتركيا والمكسيك وفنزويلا، فتلك الدول ومبدعوها في الصفوف الأخيرة من الجائزة، في حين أن هناك دولًا أخرى حصدت »نوبل« بنسبة جيدة مثل الولايات المتحدة التي حصلت عليها بنسبة نحو 33% من نتائج الجائزة.

1895 .. .تاريخ عريق وإمكانات وأعراف

جائزة »نوبل«، سنوية تمنح للمبدعين في المجالات المختلفة: العلوم والآداب وفي السلام، إذ تتوج الفائزين في العاشر من شهر ديسمبر من كل عام. وسميت بهذا الاسم نسبة إلى صاحبها السويدي مخترع الديناميت ألفريد نوبل، الذي صادق على الجائزة في وصيته ووثقها في النادي السويدي النرويجي يوم 27 نوفمبر 1895.

والجائزة عبارة عن شهادة وميدالية ذهبية ومبلغ مالي، ومنذ سنة 1901 تحددت الجائزة المالية بخمسة ملايين كرونة (ما يعادل مليون دولار)، وإذا حصل أكثر من شخص على الجائزة في المجال ذاته، يجري تقسيم المبلغ عليهم ويشترط ألا يقسم بالتساوي.

ويبدو أن الجائزة أصبحت بمثابة مصدر للمفاجات، وكما يقول أدباء ونقاد كثر، إذ إنها غدت تمنح لأسماء كثيرة، يجدها مثقفون كثر، ليست أهلا للجائزة.. او أن هناك من هو أحق من الفائز الذي منح الجائزة بناء على اعتبارات محددة من قبل لجنة التحكيم. وكما كان لافتا، في تاريخ الجائزة، رفض كثر لها، بينهم: سارتر.

ويبدو أن تجاهل بوب ديلان الفائز بنوبل للاداب هذا العام، أضاف صفعة جديدة لها، إذ إن أعضاء لجنة التحكيم باتوا يشتكون، وبشكل حاد، من تجاهله إياها بمنحى سافر..وعدم الإتيان على ذكرها في موقعه الإلكتروني.

زمنان .. من سولي إلى محفوظ.. تواريخ وأسماء

أُقيم أول احتفال لتقديم جائزة نوبل في الآداب والفيزياء والكيمياء والطب في الأكاديمية الملكية الموسيقية، في مدينة ستوكهولم السويدية، سنة 1901م، وابتداء من سنة 1902 سلم الملك السويدي بنفسه جائزة نوبل للأشخاص الحائزين عليها، وتردّد ملك السويد أوسكار الثاني في بداية الأمر في تسليم جائزة وطنية لغير السويديين؛ ولكنه تقبّل الوضع في ما بعد لإدراكه كمية الدعاية العالمية التي ستجنيها السويد.

وكان الأديب الفرنسي رينيه سولي برودوم أول من حصل على الجائزة في فرع الآداب، بينما كان الأديب المصري نجيب محفوظ أول الحاصلين على الجائزة من العالم العربي في فرع الآداب وآخرهم.

ويعتبر الشاعر السوري أدونيس (علي أحمد سعيد) أحد أبرز الأسماء التي تتردد إمكانية ترشحها كل عام لنيل الجائزة، وفي العام الماضي تردد اسم الدكتورة نوال السعداوي، ضمن المرشحين لنيل الجائزة في فرع الآداب؛ وهو ما أثار حالة من الجدل وانقساماً بين الأدباء حول أحقية فوزها بالجائزة؛ إلا أنه في النهاية، تفوقت عليها الأديبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسفيتش، بحصولها على نوبل في الآداب العام الماضي.

Email