القصيدة الشعرية.. بين الرقيب الذاتي وضوابط النشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل الانتشار الواسع لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الوضع أكثر سهولة بالنسبة للشاعر لنشر قصائده عبر حساباته المختلفة دون أن تطالها يد الرقيب الذي قد يعرضها للحذف أو التغيير أو عدم النشر في حال تجاوزت الحدود أو خدشت الحياء العام، إلا أن بعض الشعراء وجد له متسعاً لنشرها في الفضاء الإلكتروني الشاسع، ما يستدعي قوة الضمير والرقيب الذاتي.

«البيان» فتحت ملف هذا التحقيق عن مدى حاجة القصيدة أو الشاعر للرقيب إن انعدم رقيبه الذاتي، وتساءلت أيضاً عن دور المحافل الأدبية والمؤسسات في توجيه هذه الظواهر، وأبرز ضوابط وحدود الكتابة الإبداعية.

خلود حوكل

تعتبر الشاعرة لمياء الصيقل أن الالتزام بالوزن والقافية ومراعاة اللغة والألفاظ مع وجود صور شعرية مناسبة، والأخذ بعين الاعتبار العادات والتقاليد المجتمعية ومراعاة كافة الفئات العمرية، هي أبرز الضوابط والحدود لكتابة القصيدة الشعرية، والخروج عن قواعد الشعر الأساسية.

واستخدام كلمات غير لائقة والاستهانة بالوطن وتأثيرها السلبي على المجتمع يعتبر تجاوزاً، فالشعر رسالة سامية يجب أن تصل للمتلقي بطريقة مهذبة وراقية، لذا فالحاجة للرقيب ضرورية شرط أن يكون الرقيب أولاً ذاتياً، ويليها رقابة إعلامية ومجتمعية لطرح وتقديم ما يتناسب ويتواءم مع المجتمع، لأن الشاعر كما تقول لمياء يعكس البيئة التي يعيشها والأحداث التي يواكبها، ويجب أن يكون النقل بأفضل ما يمكن بدقة متناهية لما يكتب.

حدود وضوابط

أما الشاعر أحمد المناعي فيقول: «لا قيمة للعمل أو النص إذا ما تحول إلى «ما يطلبه المستمعون»، فالحدود والضوابط بالنسبة لي تكمن في وعي الشاعر نفسه لا باللوائح والشروط، وما تعارف عليه من ضوابط هي أعراف لها ارتباط بشكل مباشر مع الثقافة والبيئة السائدة لمجتمع الشاعر، والتي قد تكون إيجابية أو سلبية فالمحرك الأول والأخير هنا ما يُعرفه الآخرون.

ويضيف: «في المجتمعات العربية نجد الحدود والضوابط شبه معدومة ولا يعتبر تجاوز الشاعر لها في نصه تعدياً لها، بينما المجتمعات الخليجية المحافظة شاعرها يخضع لضغط متابعيه الذي قد يرغمه في اغلب الأحيان بالتقيد بضوابط المجتمع، مما يؤثر بطبيعة الحال على القصائد فأصبحت معلبة، في النهاية للشاعر حرية التعامل مع هذا العمل الأدبي بالطريقة التي يراها شرط أن يتحمل المسؤولية الكاملة».

محافل شعرية

ويكمل «أما فيما يتعلق بتجاوز الشاعر وهل نحن في حاجة للرقيب أم لا، الإجابة هنا نتركها للمجتمع، فالمحافل الشعرية والمؤسسات الراعية للأمسيات الشعرية ما هي الا انعكاس لمعتقدات هذا المجتمع وتوجهاته .

والتي تشكل مسؤولية تقع على عاتق الشاعر الذي يواجه بنصوصه عددا كبيرا غير منسجم من المتلقين المختلفين في أعمارهم وتوجهاتهم، ومن وجهة نظري الشاعر الحقيقي والشاعر الحقيقي فقط هو من يستشعر هذه المسؤولية عند كتابة نصوصه واختياره لمفرداتها دون الحاجة لرقيب قد يكون أقل شاعرية وإدراكاً من الشاعر نفسه.

مفهوم التجاوز

الشاعر علي القحطاني، عن ضوابط كتابة القصيدة قال «من وجهة نظر شخصية القصيدة هي ملكية خاصة لشاعرها الى أن يقوم بنشرها أما ما قبل ذلك فهو من يرسم حدودها و يضع ضوابطها بناء على أفق الكتابة لديه وحسب ارتفاع سقف الحرية بداخله، أما عن مفهوم التجاوز فهو نسبي نوعاً ما،.

فقد يكون النص الذي يمنع في دولة معينة لتجاوزه تراه مسموحاً في دول أخرى، وغالباً ما يكون التجاوز في الدول العربية مرتبطاً بتناول النص لأضلاع المثلث المحرم الدين والجنس والسياسة».

وتابع بحديثه عن الرقابة «أعتقد أن القصيدة والشاعر كلاهما بحاجة للرقيب أحياناً، ولربما يكون الرقيب الذاتي هو الأهم لكونه هو المؤشر الصحيح لمراقبة ولادة القصيدة وتطورها، ولا اعتقد بأن المجتمع قادر على أن يضبط الشاعر أو يكبح جماحه لكون الشاعر بالأساس كائنا حرا أو يفترض أن يكون كذلك.

ولكن من الممكن أن يكون دورها استباقيا وتوعويا للكتاب والشعراء في بداياتهم وتبنيهم ومن ثم تهذيبهم لفظاً وتوجيههم فكراً، ختاماً أقول إنه لا تستطيع أي جهة أو أي منظمة أن تلجم كل الأقلام لكل الوقت».

ذوق عام

ويؤكد الشاعر أحمد الزرعوني أن بعد القافية والوزن، هناك ضوابط مسلّم بها وهو الذوق العام والأعراف، وإن كان البعض من الشعراء يجيد التحرر من هذه الضوابط بإيلاج تمرده في قالب العرف معتمداً على عنصري الذكاء والبلاغة.

ويكمل: إذا كان النص يتعدى على ما يسمّى بالخطوط الحمراء كالدين وبعض التقاليد الصارمة والسياسة فحتى هذه القيود تختلف باختلاف مكانها على الخريطة وزمنها أيضاً، فما كان يعتبر حدوداً في الثمانينيات ردم في هذه الآونة وأصبح أمراً متقبّلاً بل يصنع الدهشة المحببة والعكس صحيح والأمثلة تكثر. وعن مدى حاجة القصيدة إلى رقيب ودور المحافل والمجتمع في عملية الضبط يضيف الزرعوني:

إن لم يكن الشاعر مجنوناً فلن يكون مبدعاً، فالتسلط على نصه ومراقبته يُشعره بالإحباط خاصة عندما يشعر بأن ما يمارسه حق مشروع، مع التأكيد على أن لكل شاعر رقيبا ذاتيا لا تنفذ منه إلا ما هو جدير من القصائد المبدعة، بطبيعة الحال الشاعر لا يحب الوصاية على نتاجه الأدبي إلا أن دور المحافل والمؤسسات والمجتمع، يكون (فلترة) المنتج الأدبي بما يصلح للظهور (بكل شفافية وبلا مآرب شخصية).

مواهب جامحة

«سؤال عميق ويحتاج إلى سرده في كتب خاصة بالأسس الصحيحة لكتابة الشعر»، هكذا بدأت الشاعرة هنادي المنصوري عند سؤالها عن ضوابط كتابة القصيدة، وأضافت: «أعتقد أن الشعر يأتي بالفطرة لحامل موهبته؛ وقد يحتاج معظم المبتدئين في الكتابة إلى استشارة من سبقوهم في كتابته والوثوق برأيهم؛ فكثير منهم لا يتقبل رأي من سبقه في ميدان الشعر وينظر إلى انتقاده البنّاء من زاوية غير صحيحة يغلبها سوء الفهم..

بينما هنالك شعراء مبتدئون يتقبلون من سبقوهم فيه برقي ورحابة صدر ووعي، والحدود لكتابة القصيدة تكون معتمدة بشكل أساسي على البنية السليمة للقصيدة من ناحية القافية والوزن؛ واحترام ثقافة المجتمع والشعوب الأخرى.

أما فيما يتعلق بالتجاوزات فالإيذاء النفسي لأي بشر كان في حدود الوطن أو خارجه؛ والعنصرية هما عنصران مقيتان إن اتصف بهما أي قلم كان، والرقيب الذي تحتاجه القصيدة أو الشاعر هو رقيب واحد ألا هو الضمير المسالم الحي المدرك لما يبوح به».

وللمؤسسات والمحافل دور كبير ومسؤولية مشتركة في حمل عبئها؛ فيد واحدة لا تصفق، وأعتقد أن موهبة الشاعر كالخيل الجامحة غير المروّضة؛ وتنطلق من أبواب المدارس والجامعات والمنشورات - غالباً .

- وعلى المسؤولين في تلك المؤسسات الانتباه لهذه الخيل الجامحة وترويضها بالصورة الصحيحة، وإلا تاهت عن طريقها الصحيح وتخبطت في ميدان السباق الذي نرجو أن يجتازه بتميز من بين ميادين السباق الأخرى، فالطالب لو وجد معلماً يقدّر كتاباته المبتدئة ويشجعه عليها سنجده بلا شك يقف قرب منصة شاعر المليون أو أمير الشعراء وقد يكون أحد أصحابها الفائزين.

الشاعر قدوة

أما الشاعرة حمدة المر المهيري فتقول: الحدود والضوابط والشروط الخاصة بكتابة القصيدة هي بمثابة بحر مترامي الأطراف، ولكن يمكن تلخيصها كالتالي: «يجب أن يكون هنالك فكرة جوهرية للقصيدة، فالقصيدة التي تخرج فقط من غير موضوع يحدوها للخروج ربما تخرج هشة المعالم، عارية من الإحساس والذي يعتبر عنصراً مهماً من عناصر القصيدة».

كذلك إيمان الشاعر بما يقول، حيث إن الشاعر قدوة وجذوة يستنار بها، فلا يصح أن ينصح الناس أو يؤيد فكرا معينا ثم يناقض رؤيته بأفعاله، مما يزعزع ثقة الناس فيه. والوزن هو العمود الفقري للقصيدة، لأن القصيدة من غير وزن لا تتعدى كلاما مكتوبا أشبه بالنثر المسجوع. فالإيقاع الخارجي مهم ويحدث من جراء إتقاننا للأوزان للبحور التي يكتب عليها الشعر وهي معروفة، إضافة إلى الالتزام بالقافية وتكرارها حسب نوع القصيدة.

من الأمور التي تحسب للشاعر وتميزه، حسن اختياره لمفردات قصيدته ومدى سلاستها، فكلما انسابت الألفاظ وترابطت من غير تنافر ولا نشاز في إيقاعها سهل حفظها من المتلقي. وهذا الأمر مهم للغاية فالقصيدة حينما تتناغم ألفاظها وتترابط وتكون كالمعزوفة المتناغمة الملهمة.

تجاوز الحدود

وفيما يتعلق بتجاوز الشاعر للحدود، رأت أنه يكون عندما يخل بالشروط والحدود المذكورة سابقا، وكذلك عندما يأتي بما لا يقبله الدين أو المجتمع مما يثير بلبلة أو لغطاً وتطرفاً فكرياً، وثالثاً عندما يطبق الوزن والإيقاع ولكنه يأتي بأفكار مكررة وأوصاف أكل عليها الدهر وشرب. والقصيدة نعم تحتاج لمقص الرقيب.

فلا يجوز نشر النثر على أنه شعر، ومن الفوضى استضافة شخص لا يتقن حدود القصيدة على أنه شاعر. وهنا يبرز دور المحافل والمؤسسات بكل بساطة فيجب عليها عدم تلميع من لا يستحق، وتحري تاريخ وجودة كتابات الشاعر قبل استضافته لهذه المحافل، فالجمهور يدرك الغث من السمين، إضافة إلى أن مثل هذه الأمور تؤثر على سمعة وهوية المؤسسة التي تستضيف الشعراء بدون تدقيق.

تناغم

من الأمور التي تحسب للشاعر وتميزه، حسب الشاعرة حمدة المر المهيري عدم تناقضه، فالشاعر قدوة وجذوة يستنار بها، فلا يصح أن ينصح الناس أو يؤيد فكراً معيناً ثم يناقض رؤيته بأفعاله، مما يزعزع ثقة الناس فيه.

وكذلك حسن اختياره لمفردات قصيدته وموضوعها وسياقها، فكلما انسابت الألفاظ وترابطت الأفكار من غير تنافر ولا نشاز في إيقاعها سهل حفظها من المتلقي. وهذا الأمر مهم للغاية، فالقصيدة حينما تتناغم ألفاظها وتترابط وتكون كالمعزوفة المتناغمة الملهمة.

الشاعر الحقيقي هو الذي يستشعر حس المسؤولية عند كتابة نصوصه

مواهب

نوهت الشاعرة هنادي المنصوري بتجارب المواهب، وأشارت إلى أن هناك الكثير من الجهات الأدبية التي تدعم الشعراء المبتدئين والمخضرمين والواعدين؛ مثل بيوت الشعر في كل من دبي والشارقة، وكذلك أكاديمية الشعر في أبوظبي ومركز الشارقة للشعر الشعبي، ولدينا الكثير من المؤسسات الثقافية الأخرى الداعمة لمسيرة الشاعر في تحفيزه وإرشاده للارتقاء بمستواه الشعري.

زينب البلوشي: الإبداع لا يلغي الحدود والضوابط

الشاعرة زينب البلوشي قالت إن الشاعر يحتاج لمساحة من الحرية لكي يبدع، ولكن وفق حدود وضوابط، فالشاعرة كما تقول البلوشي يجب أن تكتب ما لا تخجل من أن يقرأه إخوانها وأبناؤها.

وكذلك الشاعر يجب أن يكتب ما لا يخجل من أن تقرأه أخواته وبناته. وتضيف بأن التعدي على الدين والأدب تجاوز غير مقبول لكلا الجنسين من الشعراء، بينما قد تكون هناك قصائد لا رقابة عليها وتكون غير قابلة للنشر، وتصل للشخص المعني فقط. وهناك حدود إجبارية يقف الشاعر عندها من ناحية موضوع القصيدة.

لكل موضوع يتطرّق له الشاعر ضوابط، فقصائد الهجاء لها حدود وللغزل حدود وللمدح حدود أيضاً وفي حال رغب الشاعر في نشر هذه القصائد بينه وبين نفسه والمقربين منه فهو حر في ما يكتب، ومن ناحية ضبط الشاعر أو القصيدة في رأيي الرقيب الذاتي يكفي لوضع الحدود والضوابط للكتابة.

خميس الكتبي: الفكرة والقافية ضابطا القصيدة وحدودها عدم التجريح

خميس الكتبي قال إن الفكرة والوزن والقافية هي أبرز الضوابط لكتابة القصيدة، وحدودها عدم التجريح، وتتجاوز الخطوط الحمراء عندما يعمد الشاعر إلى إثارة الفتنة واستخدام مفردات بذيئة ومعيبة.

ومن وجهة نظره قال الكتبي بأن الشاعر هو رقيب نفسه وكل إناء بما فيه ينضح، وكل قصيدة تعكس شاعرها، ويجب أن يكون لها دور فعال في عدم تشجيع أو نشر القصائد التي تتجاوز الخطوط الحمراء التي لا ترتقي للأهداف المنشودة، لأن الشاعر يعتبر لسان المجتمع، ولا بد أن يكون صاحب رسالة سامية.

Email