تحول نوعي جديـــر بالاهتمــام من المتــوقـــع أن يـزداد شعبيـة فــي المستقبــل

العالم يشهــد ظاهـــــــــرة رواج الأدب المترجم

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد العالم منذ أوائل هذا القرن ظاهرة أدبية تتمثل في الإقبال الواسع على الروايات التي تنقل إلى الساحة العالمية عبر الترجمة. وتظهر في الأسواق والمكتبات ترجمات رائعة لروائع القصص العالمية من إسكندنافيا وإيطاليا وإسبانيا وكوريا والمجر وغيرها، في تحول نوعي جدير بالاهتمام، من المتوقع أن يزداد شعبية في المستقبل.

وتشير صحيفة «أوبزرفر» البريطانية، في ملحقها الأدبي أخيراً، إلى كثرة الكتب المترجمة التي تتسم بالأغلفة الجذابة، والمقدمات الغنية بالمعلومات، وأساليب الترجمة التي تشكل تحفاً فنية بحد ذاتها، في الأسواق والمكتبات.

وكانت دور النشر، في حرصها على الاستفادة تماماً من هذه الموجة، ترسل الروايات الجديدة، كما القديمة التي كان يجري تجاهلها فيما مضى للترجمة. ومن الروايات التي شهدت رواجاً العام الحالي، وفقاً للـ«اوبزرفر»، الرواية التركية «مادونا صاحبة معطف الفرو» للكاتب صباح الدين علي، التي ألفها عام 1943..

والرواية الإيطالية «اليوم ما قبل السعادة» لايري دي لوكا، التي تدور أحداثها في نابولي عام 2009، ورواية «ماري» للكاتبة الفرنسية مادلين بوردو، التي تدور أحداثها في باريس في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي تمت مقارنة أسلوبها ببروست وفيرجينيا وولف.

«أفضل القصص تنتقل خارج مجالها المحلي دوماً»، يقول القائمون على دور النشر، لكن تركيزهم ينصب على إصدار كتاب جيد، أما أن يكون الكتاب مترجماً، فهذا ليس بـ«الأمر الحاسم»، حسبما يقول صاحب دار نشر «بوشكين برس»، أدم فرودنهايم.

لكن الترجمة في غاية الأهمية، يؤكد نقاد الأدب، بمن في ذلك الناقدة الأدبية في «اوبزرفر» رايتشل كوك، التي تشير إلى مشاعر الصدمة التي انتابتها عند قراءة الترجمة الجديدة للرواية الفرنسية «صباح الخير أيها الحزن» لمؤلفتها فرنسواز ساغان، والتي كانت قد قرأتها أيام المراهقة وأغرمت بها، وما زالت تذكر الجملة الاستهلالية الحالمة المترجمة من لغتها الأصلية الفرنسية من قبل أيرين آش:

«يتملكني حزن غريب أتردد في منحه تسمية الحزن الجميلة الجليلة»، وتقول رايتشل إنها لما قرأت هذه الجملة بطبعة جديدة في سلسلة «بنغوين مودرن كلاسيكس» بدت كما لو أن آلة ميكانيكية قد صاغتها،.

وبرغم محاولتها إقناع نفسها بحماقة التعلق بصيغة واحدة مترجمة من الكتاب، في ظل وجود ترجمة جديدة على درجة كبيرة من الذكاء والدقة، إلا أنها تقول: «مهما كانت صحيحة الترجمة نحوياً، فإن النثر كان قد فقد سحره بالنسبة لي».

ونظراً لأهمية الترجمة باعتبارها أمراً حاسماً على عكس ما يعتقد البعض، فقد أجرت «أوبزرفر» مقابلات مع أفضل مترجمي روائع القصص العالمية، تحدثوا خلالها عن وجهات نظـــرهم في النصوص التي ترجموها، وخصوصية اللغات المختلفة، وأسلوب عملهم، وما يطمحون لتحــــــقيقه من خلال ترجماتهم، وهذا بعض مما أدلوا به.

ميلاني مانثر: مهمتي إعادة إبداع النص ليسمعه القارئ

تترجم ميلاني مانثر من الفرنسية إلى الإنجليزية، وقد اشتهرت بترجماتها لأعمال الروائي الراوندي سكولاستيك موكاسونغا، حيث فازت في عام 2014 بجائزة «أصوات فرنسية» لترجمتها روايته الأولى بعنوان «سيدة النيل».

تتحدث عن أسلوبها في الترجمة، فتقول: «أقرأ الكتاب كله في البداية، إضافة إلى كتب أخرى للمؤلف نفسه، كي أمتلك في ذهني صوت نثره وإحساسه، ثم يكمن التحدي في إيجاد صوت مماثل له باللغة الإنجليزية».

في ترجمتها لرواية «سيدة النيل»، مرت على عدة مصطلحات غير مألوفة، وكان عليها، وهي أستاذة العلوم الاجتماعية، أن تبحث عما تعنيه هذه المصطلحات، وقد وجدت معنى مصطلح «الشمع الإفريقي» في أحياء بركستون عند بائعي الأقمشة، حيث تبين أنها عملية صباغة بربط القماش مع الشمع، وهو القماش الذي يستخدم لاحقاً لتزيين فساتين النساء وجلابيب الرجال.

تقول إنه في جنوب لندن يمكن للمرء سماع تنوع واسع من اللهجات «الإنجليزية» المحلية: الأفريقية والأفريقية الكاريبية واللاتينية الأميركية. لكن موكاسونغا يكتب بفرنسية أدبية كلاسيكية، وكان عليها العثور على إنجليزية دافئة رقيقة حيوية وناعمة ومحايدة. وكانت تدرك من البداية أنها سوف تحتفظ بكل الكلمات «الكينية الراوندية» التي تصف النبات والقماش والأطعمة والطقوس الروحية.

تتطلب الترجمة برأيها الكثير من القراءة والإصغاء للتنوع الغني من اللهجات الإنجليزية المحكية اليوم. وتكمن مهمتها في سماع النص بتدفقه، وإيقاعه، وبناء جمله، وألفاظه، وإلقائه، وأن تسمعه من جديد في ذهنها، وأن تعمل على إعادة إبداع النص؛ فهي تريد أن يسمع القارئ النص بالطريقة التي تسمعها عندما تقرؤه بالفرنسية، بملمسه ولونه.

وكما مع أي نص كتابي، فإن الجزء الأصعب برأيها يكمن في تحرير المسودات المترجمة، لما يمثله من عمل متأن متمهل، للتأكد من أن القارئ لن يتعثر بكلمة نافرة أو عبارة في غير مكانها، حيث تقول إنها تعمل بشكل متواصل لإنتاج المسودة الأولى، ثم تعيد كتابتها إلى أن تشعر بأنها تبدو مكتوبة بالإنجليزية.

لم تلتق بالمؤلف الراوندي، لكنها أرسلت له عدداً من الأسئلة وكانا يتراسلان بالبريد الإلكتروني. وهي تعتبر نفسها محظوظة لأن العديد من المترجمين المحترفين يقدمون نصائحهم بسخاء لا يصدق..

ولأن مجتمع المترجمين حيوي، تدعمه ورش العمل والمدارس الصيفية والمؤتمرات التي تمكن القادمين الجدد من التعلم من الخبراء. وهي ممتنة كثيرا للمترجمين الذين يعيدون تكوين عوالم الأدباء، مثل ايري دي لوكا وجوزيف روث، وغيرهما.

آن غولدشتاين: ليس من واجبي إبداع شيء جديد

اشــــتـــــهرت آن غـــولــــدشتـــاين بـــترجمـــتها لرباعية روايات نابولي للروائية الإيطالية إلينا فيرانت، التي بيع منها أكثر من مليون نسخة، وبتحريرها لعمل بريمو ليفي الذي حصلت عنه على «زمالة ترجمة جيجنهايم». وستنشر لها قريباً ترجمة «أولاد الـــشوارع» لبيير باولو بازوليني.

تقول إنها لم تتعلم الإيطالية إلى أن بلغت سن الـ30، عندما بدأت بأخذ دروس أسبوعية إلى جانب بعض زملائها في المكتب. وكان الإلهام وراء ذلك أنها أرادت أن تقرأ «الكوميديا الإلهية» بلغتها الإيطالية، فسحبت معها الجميع في المكتب. وتقول: «يبدو غريباً أنني أصبحت مترجمة مـــعروفة الآن، فالأمر لم يكن متوقعاً».

لا تتحدث الإيطالية جيدا كما تقرؤها، لكنها تحب اللغة الإيطالية، وتصفها بأنها: «جميلة، موسيقية ومعبرة إلى حد بعيد. تقوم بالكثير من الأشياء الصغيرة التي لا تقوم بها الإنجليزية، مثل إمكانية إضافة لواحق على الكلمات لإعطائها كل أنواع الفروقات الدقيقة».

عن أسلوبها في الترجمة تقول إنها تفضل البقاء قريبة من النص الأصلي، على أن تبقى قراءة النص جيدة بالإنجليزية طبعاً. وتشرح ذلك بالقول: «أنا لست روائية. ولا أشعر بأنني يجب أن أعيد الكتابة، أو أوجد شيئاً جيداً. ولا أشعر بأنه من واجبي القيام بذلك». عندما تصل إلى المسودة الثالثة أو الرابعة، تأذن لنفسها بالعمل من دون النص، لكنها، تعود إليه في النهاية لتتأكد من أنها لم تبتعد كثيراًَ عنه.

لم تعمل عن كثب مع الكتاب لأن العديد منــــهم قد وافته المنية، لكن هناك الكاتبة اليـــنا فيرانت، التي تقول إنها لا تتــــدخل أبداً بترجــماتها، وتثق بها.

كان نجاح رواية فيرانت ظاهرة مذهلة، وتوضح بالقول: «هناك شيء عالمي آسر فيها، عدا عن كونها تستثير القراءة». وفيما تقر غولدشتاين بأنها ليست ناقدة أدبية، ولم تقرأ الكثير من الروايات المعاصرة، تقول إن الناس يعتقدون أنه لا يوجد مثيل لفيرانت. وهي تصف رواياتها، بالقول: «هناك شيء في الطريقة التي تنظر بها إلى العلاقات العاطفية، فهي تتفحص الأشياء بطريقة قد لا نتفحصها مثلها بالضرورة».

قامت لتــــوها بترجمة مجموعة من رسائلهــــا ومــقالاتها الشخصية التي سوف تنشــــر في نوفــمبر المقبل. وتقول إنها كـــونت انطباعاً قوياً عنها بعد قراءة كتبها مرات ومرات. وإنها على علاقة وثيقة معها، على الرغم من أنه لا توجد علاقة بينهما.

جورج سيرتز: إحراز تأثير في الترجمة مهم لعدم تطابقها مع النص الأصلي

جورج سيرتز المولود في بودابست عام 1948 هو شاعر ومترجم من المجرية إلى الإنجليزية. وصل إنجلترا كلاجئ بعــمر الثــامنة، وتعلم المجرية مجدداً عندما أصبح راشداً. وقام بترجمة لكتاب مجريين كثر، بمن في ذلك امره ماداتش، ساندور ماراي، ولازلو كراسناهوركاي، الفائز بجائرة مان بوكـــر العالمية عام 2015.

يقول إن والديه أصرا على تحدث أولادهما باللغة الإنجليزية منذ لحظة وصولهم بريطانيا، فنسي اللغة المجرية. لذلك عندما بدأ في كتابة الشعر بعمر 18 كان طبيعياً أن يكتب بالإنجليزية، وكان قد نشر ثلاثة كتب عند عودته الأولى إلى المجر عام 1984 بعمر 35 عاماً.

عندما طلب منه ترجمة الشعر من المجرية إلى الإنجليزية، كان بحاجة إلى مساعدة، لكن في غضون سنوات أصبح يعمل وحده. الشعر الذي ترجمه علمه الكثير وغذى شعره بأصوات جــــديدة وطـــرق في صياغة الأبيات. ثم جاءت ترجمة القصص.

يتحدث عن طريقته في الترجمة، فيقول إنه يقرأ الفصل الأول ثم يبدأ بالعمل، وبذلك يصف طريقته بأنها أبعد ما تكون عن طريقة الباحث، بمعنى أنها ليست متحذلقة. وهو يستمع باهتمام لجرس الصوت، ويسعى وراء صوت مشابه له في الإنجليزية.

يقول إن الناس تميل إلى التفكير بالترجمة بمصطلحات القواميس، لكن هذه ليست إلا البداية. فالدقة الأدبية تتضمن فكرة التأثير، والوتيرة، والصوت، والتكثيف، وأمور كثيرة غيرها. ولا يوجد دوماً كلمة أو عبارة موازية، لذا تأثير الترجمة هو ما يهم. وهو يرى التأثير في جانب منه حكماً ذاتياً من جانب المترجم. يقول إنه لا شيء في الإنجليزية يلتقط نغمة اللهجة العامية لبودابست.

معظم الذين يترجم لهم توفوا منذ مدة طويلة، أما الأحياء بينهم مثل لازلو كراسناهوركاي، فإنه «يستمع» للترجمة ورأي المحرر، ويثق بترجمته التي يقول إنها لا يمكن أن تكون مطابقة بالكامل.

وهو يعبر عن إعجابه بالمترجمين الذين يصفهم بمجموعة أشخاص بتركيز شديد، ويقول: «لا أحد يقرأ لك عن كثب بقدر مترجم أعمالك». ويتحدث عن تأثير الترجمة على اللغة الإنجليزية فيقول: «في لغة مرتاحة لوضعها كالإنجليزية، فإن صدمة دخول تأثير غريب إلى الإنجليزية يمكن أن يشكل متعة.

وهو يرى جائزة مان بوكر العالمية طريقة لهزها من مقعدها المريح. وكان قد فاز بجائزة ديـــري لترجمته «مآساة رجل» لماداتش، وجائزة الشعر الأوروبية لترجمة راكوفسكي «حياة جديدة».

ديبورا سميث: كان عليّ شد وتر التشبيهات البلاغية ليستسيغها القارئ

فازت ديبورا سميث بجائزة مان بوكر الدولية عام 2016 إلى جانب الروائية هان كانغ عن ترجمة روايتها «النباتي» من الكورية إلى الإنجليزية.

كانت تعلم أن قلة يدرسونها في بريطانيا عندما شرعت في تعلمها عام 2010، بالتزامن مع دراسة الماجستير في الدراسات الكورية، لكنها لم تكن تعلم أنها على هذه الدرجـــة من الصعوبة، وتقول إنه لم يكن بين يديها أي شيء تقارنه بها، وهي ما زالت تجد صعوبة في التحدث بها.

وجدت في اللغة الكورية بعض الجوانب الجميلة جدا، غير أنها تقول: «ليس لديها الرنين نفسه كالإنجليزية بالنسبة لها». كان الأمر عبارة عن وقوعها في حب كتاب معين. فما يميز اللغة الكورية أنها تسير وفق بنية «الفاعل - المفعول به - الفعل»، بالتالي تتأخر المعلومات في الظهور حتى نهاية الجملة، ويستخدم الكتاب الكوريون هذا الأمر في الغالب لرفع منسوب التوتر تدريجياً.

وتقول عن اللغة الكورية، إنها تعطي أهمية كبيرة للشكليات، وتستخدم التشريفات، إذ إن المجتمع الكوري تقليدي ويتسم بالتراتبية، لكن الأمر الأصعب الذي واجهته هو اعتماد اللغة الكورية على الغموض والتكرار.

فيما تكرار الكلمات في الإنجليزية لا يعطي التأثير الشاعري نفسه، ثم هناك التشبيهات البلاغية الفضفاضة التي لا تحدد أوجه الشبه بين الأشياء، وهو الأمر الذي قد لا يستسيغه القارئ الإنجليزي. وكان يتعين عليها، بصفتها مترجمة إلى الإنجليزية، جعل هذه التشبيهات البلاغية أكثر تماسكاً، بأمل ألا تثير ضجر القارئ.

وخلال عملها، ترجمت ديبورا لكاتبتين كوريتين، هما هان كانغ التي تتقن الإنجليزية وتقرأ الترجمات وتحدثها عنها، وهي تصفها بأنها كانت شديدة الكرم في التعاون معها، لاعتقادها بأن الترجمة فن وإبداع بحد ذاته. والكاتبة باي سواه، التي لديها فكرة جيدة عن الترجمة والكتابة الإبداعية، والتي قالت لها إنها أفضل حكم على كيفية جعل الكتاب حياً باللغة الإنجليزية.

وهناك برأيها مترجمون آخرون للأدب الكـــوري، ولا يعني عدم فوزهم بجائزة أن عملهم لم يكن مهماً. فالأدب الكــــوري برأيها يتمتع بدينامية وتنوع، والعالم في وسط تغــــيير كبير، وقد جعل كتاب «النباتي»، الذي أشاد به النقاد، دور النشر والقراء أكثر اهتماماً بالترجمة عموماً.

دون بارتلت: أُفضّل البقاء في بريطانيا ليحيطني المتحدثون بالإنجليزية

دون بارتلت، الحاصل على ماجستير في الترجمة الأدبية، يترجم من اللغات النرويجية والدنماركية والسويدية والألمانية والإسبانية إلى الإنجليزية، وقد ترجم لمؤلفين من الدنمارك والنرويج بمن في ذلك يو نسبو، ولارس ساباي كريستنسن وروي جايكوبسون.

وترجم أيضا لكارل أوف كناوسغارد سيرته الذاتية من ست مجلدات بعنوان «كفاحي»، التي جرت الإشادة بها باعتبارها ظاهرة أدبية، ونشرت ترجمته لـ«القسط الخامس» و«لا بد أن يهطل بعض المطر» هذا العام.

يذكر أن الناشرين قالوا له عندما بدأ الترجمة بالقطعة، إن الترجمة لا تبيع، إلى أن انقلبت الأوضاع في التسعينيات مع بيتر هوغ، ثم ستيغ لارسون، حيث أصبح الناشرون أكثر ميلاً للمغامرة.

درس الألمانية في الجامعة، وعمل في النمسا وألمانيا، وانتقل إلى الدنمارك ثم عاد إلى إنجلترا، وتزوج من إسبانية، لكنه لا يمكنه التركيز على كل تلك اللغات، بالتالي عندما تزدهر لغة لديه، فإن غيرها يضمر، وعندما يترجم فمن الأفضل أن يكون في بريطانيا، لأن المتحدثين بالإنجليزية يحيطون به.

يقول إنه كانت هناك أوقات اضطر فيها للذهاب إلى النرويج للقيام بأبحاثه، وقد أمضى وقتاً وهو يسير في شوارع أوسلو، عندما بدأ بروايات يو نسبو، ليعثر على الأشياء في الرواية، عن مكان المقبرة، وموقع الجريمة. ففي العادة الكلمات يمكن ترجمتها، لكنها قد لا تكون بالحدة نفسها كما في الأصل. ثم هناك الثقافة، فالنرويجيون وفق قوله لا يتصرفون دائماً بالطريقة نفسها كما يفعل الإنجليز، فهم دائماً «يرفعون أيديهــــم في الهواء» وهذا تصرف غير إنجلــــيزي، وهو ينتـــابه دوماً هذا التوتر بين أن يكــــون صادقاً للنص الأصلي وبين أن يكون كتابه مقروءاً.

يتحدث عن ترجمته للكاتب النرويجي كناوسغارد، فيقول: «يستخدم جملاً طويلة جداً بفواصل، وما تريد القيام به هو إعادة تشكيل هذا التكثيف بدلاً من كسره بالفواصل والفواصل المنقوطة، على الرغم من أن هذا قد يكون مستساغاً أكثر وفقاً للأسلوب الأدبي الإنجليزي».

ويقول إن إيجاد الصوت المناسب في حالة يو نسبو كان في تخيل هاري، الشخصية الرئيسية في الرواية، وهي تفكر بطينة الشخص الذي هو عليه، أما مع كناوسغارد، الذي يستخدم أسلوب المخاطب.

فقد كان الأمر أكثر صعوبة، إذ كان يعني محاولة الدخول إلى عالمه واللقاء به والعثور على ماهية الشخص الذي يصفه، إذ إن كل شخصياته هي بمعنى من المعاني، حقيقية، فكارل أوف كناوسغارد موجود، كما زوجته وأصدقاؤه، بالتالي لم يكن يريد أن يخطئ كثيراً في إصابة الهدف.

أرسل لكارل أوف كناوسغارد 50 صفحة من روايته الأولى، وسأله عما إذا كان قد عثر على نغمته وصوته بشكل صحيح. فرد عليه: «نعم، هذا أنا». لكن المؤلف لم يكن يريد أن يتدخل برغم اطلاعه على الكتب. وطبعاً، حيثما يذهب يطلب منه قراءة مقاطع منها، بالتالي من المهم أن يكون بمقدوره أن يشعر بالإيقاع نفسه كالصياغة الأصلية.

إديث غروسمان: اللغات مختلفة تماماً ولا تحتل الفضاء نفسه

تشتهر إديث غروسمان بترجماتها من الإسبانية إلى الإنجليزية لأعمال ماريو فارغاس يوسا، الفارو موتيس، ميغيل دي سيرفانتس، وغابرييل غارثيا ماركيز، الذي علق في إحدى المرات بأنه يفضل أعماله المترجمة، وقد فازت بعدة جوائز، وأثنى الناقد الأميركي هارولد بلوم على ترجمتها لـ«دون كيخوته» عام 2003 مشيداً بـ«الجــــودة العالية الاستثنائية للنثر».

قررت في المدرسة أنها ستكون ناقدة أدبية، فتخصصت في الإسبانية وأدب أميركا اللاتينية. تقول إن أول ترجمة لها كانت في سن الثلاثين، ثم طلب منها صديق محرر في مجلة ترجمة قطعة لكاتب أرجنتيني يدعى ماسيدونيو فرنانديز، فأنجزتها بعد تردد، وتبين لها أن المؤلف من أغرب الكتاب الذين يمكن تخيلهم، والقطعة التي ترجمتها له بعنوان «جراحة الاستئصال النفسية»، كانت رائعة. ومن هنا فكرت في مزاولة الترجمة من المنزل.

وقد اتصل بها أحد العملاء يوماً وسألها: «هل تثير اهتمامك ترجمة غابرييل غارسيا ماركيز؟» وكانت الترجمة لكتابه العظيم «الحب في زمن الكوليرا». وتقول إنها ترجمت الكتاب في غضون 6 إلى 7 أشهر، وكانت تعمل سبعة أيام في الأسبوع.

تتحدث عن طريقتها في الترجمة، فتقول إنها تقرأ دوماً الكتاب أولاً قبل ترجمته، لكنها لا تقوم بكثير من البحث أو التحضيرات، لأنها تؤيد وجهة النظر القائلة: «إنه مهما كان ما أحتاج إلى معرفته، فإن الكاتب سيقوله لي».

تضيف عن الترجمة الأدبية: «لدى اللغات أنظمة مختلفة تماماً، ولا يمكنك أن تفرض الإسبانية على الإنجليزية، والعكس صحيح. فهما لا يحتلان الفضاء نفسه». وإذا وجدت نفسها عاجزة عن ترجمة مقطع ما لوجود كلمات جديدة عليها، ولا يمكنها إيجادها في موقع آخر، فإنها تسأل المؤلف، وإذا كان المؤلف ليس موجوداً، فتقول «إنها ترتجل».

الكتاب الذي تفتخر به هو ديوان بعنوان «العزلة» من قبل شاعر من القرن السابع عشر اسمه لويس دي غونغورا، وتقول إنه من أصعب الأشعار التي يمكن أن تقع عليها العين في أي لغة، فبنية الشعر معقدة، لكنها في غاية الجمال والروعة. وفكرت أنها إذا تمكنت من إنجاز هذه الترجمة، فإنه لا شيء سيستعصي عليها. وقد استمتعت بترجمة «دون كيخوته» أكثر من أي كتاب آخر، ووقعت في حب الرواية أكثر من مرة.

غالباً ما فكرت في الترجمة كتجربة سمعية /شفوية، وهي تقول: «ينبغي أن تكون قادراً على سماع النغم، في حالتي باللغة الإسبانية، ثم عليك أن تكون قادراً أن تتحدث بها بالإنجليزية».

وتضيف: إن أحدهم سأل غريغوري راباسا، أول مترجم لكتاب غارثيا ماركيز، «مئة عام من العزلة»، ما إذا كان يتقن الإسبانية بما يكفي للقيام بالترجمة، فرد قائلا: «سألتني السؤال الخطأ. السؤال الفعلي هو هل أتقن الإنجليزية بما يكفي؟».

Email