اقتباسات مواقع التواصل

بين ترويج الإبداع وهضم حقوق الكاتب

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يُعرّف الاقتباس بأنه تكرار قول شخص آخر، سواء بالقول أو الكتابة، من خلال الاقتطاع المباشر والحرفي من النص، بقصد الاستشهاد به ونسبه إلى صاحبه، وهو ما تفتقده كثير من الاقتباسات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ تأتي في إطارات أنيقة لكنها تكتفي بذكر العبارة أو المقولة المأثورة دون الإشارة إلى اسم كاتبها أو اسم العمل الأدبي الذي وقع الاقتباس منه، وهذا ما يتسبب في أزمة الاقتباسات حاليا.

»بيان الكتب« يناقش الظاهرة بأبعادها وما تخلفه من إفرازات، إيجابية أو سلبية، بشأن المبدع ومنجزه.. وكذا في ما يخص الحالة الإبداعية المجتمعية العامة.

ومن بين بعض النماذج: »أنا أنثى، لكن في وقت الشدة تجد في رجولة أقوى من تلك التي توارت خلف لقب (رجل) الذي حملك إياه القدر«، »كنتُ أقول في نفسي إن جمالها ظالمٌ لمن يعرفه، ظالمٌ لأنه أعمق من أن يُحتمل وأبعدُ من أن ينال«، »الناس لا تبوح بأسرارها للأصدقاء، إنما للغرباء في القطارات أو المقاهي العابرة«.

فتلك العبارات التي تروج في عوالم الشبكة العنكبوتية حاليا، هي لمبدعين متنوعين، من أمثال:

أحلام مستغانمي ويوسف زيدان وبهاء طاهر، وتبدو بجلاء جوانب وملامح هذه الظاهرة الجديدة التي نمت مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ولجوء كثير من مستخدميها إلى اقتباس ما يروق لهم من عبارات أعجبتهم في ما يطالعونه من أعمال أدبية وفكرية،من بينها دراسات يوسف القعيد ومؤلفات يوسف زيدان، وهو ما انعكس بدوره على هذه الأعمال وغيرها التي تعرضت للأمر نفسه، بصورة إيجابية أحيانا، وسلبية أحيانا أخرى.

فوائد وأضرار

يؤكد الكاتب طارق إمام، أن الاقتباسات التي تُجتزأ من الأعمال الأدبية مهمة ومؤثرة تأثيرا إيجابيا على العمل الأدبي، حيث إنها تروج له ولصاحبه، وتكون بمثابة دعاية مجانية له دون شك إذا ما تمت الإشارة إلى اسم الكاتب واسم العمل الذي اقتبس منه.

ولكنه يشير أيضا، إلى أن أغلب الاقتباسات التي تحدث لا يشار فيها إلى صاحبها، وكأن المجهول هو من كتبها، فيبقى كثير من هذه الاقتباسات من دون مرجعية الكاتب، وفي هذه الحالة فإن الاقتباسات تشكل خطرا كبيرا على العمل الأدبي والكاتب، إذ يفقد العمل وكاتبه حقوقهما الفكرية على المواد المقتبسة..

وهذا ما يجب تداركه من قبل ناشري هذه الاقتباسات وإعادة نسبتها إلى كتابها الحقيقيين، وإلا فإنه من حق الكاتب المتضرر أن يلاحقهم قانونيا. وحول إمكانية تعمد الكاتب صياغة بعض العبارات داخل عمله الأدبي بغرض اقتباسها لاحقا من جانب القراء، يتابع إمام:

فكرة الاقتباس لا يمكن التكهن بها أثناء فترة الكتابة. ومن ثم، لا أعتقد بإمكانية التركيز عليها بصورة خاصة، حيث إنها جمل تنمو في سياق العمل والموقف الأدبي، ولا يجري التعامل معها بصورة خاصة، كما أن التركيز عليها أثناء الكتابة لا ينتج عملا أدبيا قيما، بل ربما تصبح جملا مقتطعة يمكن أن تهدم العمل الأدبي ذاته.

ويستدل إمام بتجربته الخاصة في هذا الشأن، موضحا أنه كان يتوجه إلى الـ»فيسبوك« ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لعرض بعض الفقرات من أعماله، لكنه عزف عن ذلك بعد أن لجأ كثيرون إلى نشرها من دون الإشارة إلى مصدرها..

ويلفت إلى أنه بمجرد نشر الاقتباس وإعجاب الآخرين به يحدث إشباع لحظي لدى الكاتب تجاه العمل واكتماله، وهو يتحول إلى نقطة إيجابية في حال ذكر مصدر الاقتباس، أو نقطة سلبية إذا لم يذكر المصدر. ويختم: رغم كل شيء، لا أحد ينكر أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة قاعدة القراء واهتمامهم بالعمل الأدبي والتواصل مع كاتبه، وهذا بالتأكيد يزيد من شهرة الكاتب ويوفر زيادة مبيعات أعماله.

انطباعات خاطئة

يوضح القاص شريف عبدالمجيد، أن الاقتباس سلاح ذو حدين. إذ يروج العمل بصورة أوسع، لا سيما وأن جمهور وسائل التواصل الاجتماعي كبير ومتنوع، إلا أن الاقتباس يُخرج النص المقتبس عن سياقه من العمل، وهو ما يحتمل أن يؤثر سلبا على فهم العمل الأدبي ككل وما يرمي إليه. ويستطرد: قراءة العمل الأدبي تختلف من شخص إلى آخر..

ومن هنا قد يُعجب البعض بأجزاء عن غيرها من العمل، فالبعض ربما يقتبس نصا رومانسيا من رواية درامية، ومن ثم توصم الرواية بهذه الصفة على غير الحقيقة، ومن الممكن أن يؤثر هذا الانطباع الخاطئ على الرواية وقراءتها فيما بعد. ويضيف: إن الاقتباسات تأتي في إطار فكرة التأثير والتأثر..

وأستبعد أن يركز الكاتب في الاقتباس بصورة أكبر من العمل بصورة عامة أثناء فترة الكتابة، حيث إنه بهذه الطريقة يهدم العمل ككل. ومع هذا، فإن الاقتباسات تجعل الكاتب متنبهاً أكثر للكلمات التي ينتقيها للتعبير عن المواقف والأحداث في روايته أو قصته، كما يظل متابعاً للمتغيرات والأحداث من حوله، لذا فهي في الجانب المضيء مفيدة أيضاً للكاتب، ويبقى معيار الاستفادة والضرر لدى كل مبدع هو الذي يحدد موقفه.

ميزة!

يرى الروائي إبراهيم عبدالمجيد ظاهرة اقتباسات الأعمال الأدبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مهمة ومؤثرة على شعبية العمل الأدبي وكاتبه، ويعدها ميزة لم تكن متوافرة لكُتّاب الماضي. كما يشير إلى أنه من الصعب وجود آثار سلبية على الأعمال الأدبية من خلال الاقتباسات..

والتي تكاد تقتصر في العالم العربي على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يجري الترويج لها في أوروبا عن طريق مطبوعات النتائج للأيام أو الملابس، وفي هذه اللحظة يجري بيع الاقتباس، وهو أمر لا يتحقق في وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يخلو الاقتباس هنا من الجانب الربحي.

ويتابع: تعمد الكاتب أو المبدع صياغة بعض العبارات بغرض أن يحدث اقتباسها لاحقا لا يعد احترافا في الكتابة، فالأديب الحقيقي الموهوب، يكتب ما يشعر به وما يتوارد له من أحداث، ولا يلجأ لحياكة مجموعة من الجمل بغرض الاقتباس؛ فالعمل هنا سيصبح الثوب المرقع الذي لا هوية له ولا قيمة.

أسوأ ما فيها

يتفق الشاعر خليل عز الدين مع القائلين بأن الاقتباسات تفتح بابا جديدا للدعاية والترويج للأعمال الأدبية بأنواعها، مؤكدا أنها تهيئ ساحة جديدة غير الدعاية المدفوعة عن طريق العمل نفسه، الذي يقيس إعجاب المتلقين به. ويبين عز الدين أن الشعر من أكثر الأعمال الأدبية انتشارا عبر الاقتباسات المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي..

لأنه الأكثر تكثيفا وتعبيرا عما يشعر به رواد هذه المواقع، سواء على الجانب العاطفي أو الاجتماعي والسياسي أيضا.

وهو يعتب على المقتبسين قائلاً: »أسوأ ما تحمل الاقتباسات عدم ذكر اسم كاتبها، ومن الممكن أن تتطور الأمور إلى دمج الاقتباس بعمل أدبي آخر، وهو ما يعد سرقة واضحة. وحول الحل في الخصوص، يستبعد الشاعر أن يكون هناك حل لهذه الأزمة، مشيرا إلى أن الـ«سوشيال ميديا« فضاء مفتوح يصعب السيطرة عليه أو تدارك ما يحدث فيه، كما أنه لا يندرج تحت تصنيفات حقوق النشر.

اصطفاف ومواجهة

يعتقد الناقد الأدبي د. حسام عقل أن هناك معضلة في فهم حقوق الملكية الفكرية على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والعالم العربي..

حيث يصعب التحكم في الحفاظ على الأعمال الأدبية بعيدا عن السطو والسرقة. ويردف: لا بد من الالتفاف والاصطفاف لمواجهة هذا الأمر، فالاقتباس لا يعني السرقة؛ لكن عدم نسب النص المقتبس إلى صاحبه هو السرقة، لذا لا بد من غرس مفاهيم ومبادئ الحقوق لدى الجميع، وذلك عن طريق تفعيل القانون وتعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع ككل.

توجّه جديد

لم تعد عملية النشر قاصرة على إصدار الكتاب في الأسواق للجمهور فحسب، بل أصبح الترويج للعمل الأدبي يكتسب أهمية كبيرة، وتنوعت مصادر الترويج بتنوع منافذ وأشكال وسائل التواصل الاجتماعي، فلم تعد المكتبات والجرائد المصدر الوحيد للترويج؛ بل أصبحت هذه الوسائل تحتل جزءا كبيراً وهاماً من الدعاية..

لا سيما مع توافر صفحات خاصة للكتاب على المواقع الاجتماعية، التي سهلت الترويج للكاتب، والتي ينشر فيها اقتباسات جاذبة من العمل الأدبي تجتذب القارئ ويتوجه على أثرها لشراء العمل أو قراءته، فضلاً عن تسجيل بعض المقاطع وإصدارها على مواقع تداول المقاطع الصوتية والأغاني، وهو ما خلق سوقاً جديداً للنشر والتوزيع.

مصطفى محمود ومستغانمي يتربعان على عرش عوالم الاقتباسات

تعد الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ عام 1998، من أشهر الكتاب الذين اقتبست جُمَلٌ من أعمالهم وجرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويرجع البعض هذا إلى كتابتها عن الرومانسيات التي تمس القلوب والوجدان، ما يجعل رواياتها الأوفر حظاً بين مرتادي الـ»فيسبوك«.

كما يصنف الكاتب والعالم المصري مصطفى محمود أحد أكثر الكتاب الذين تقتبس جمل من كتاباتهم، لا سيما في الكتب الأدبية أو الاجتماعية والإنسانية، التي طرق أبوابها من خلال كتاباته.

بينما عاد الشعر من جديد إلى ساحة الانتشار على »السوشيال ميديا«، لا سيما مع وجود أشعار تتلاءم مع الأحداث السياسية والاجتماعية التي يمر بها العالم، كما أن هناك كتابا شبابا عبروا عن الأحداث بطريقة تتلاءم مع مرتادي الـ»سوشيال ميديا« من الشباب مثلهم.

ومن الكُتّاب الشباب أحمد مراد، وهو مصور سينمائي تحول إلى روائي ذائع الصيت وصلت روايته الفيل الأزرق إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية لعام 2014، ويعتبر من أشهر الكتاب الشباب، لا سيما مع اتباعه سبلاً ترويجية مختلفة -أو بالأحرى مبتكرة- لأعماله، فمن خلال الاقتباسات والمقطوعات الموسيقية للأعمال الأدبية استطاع أن يحقق له نجاحا إلكترونيا ملحوظا إلى جانب نجاحه في منافذ المبيعات.

الأمانة الأدبية حل يمنع تحول الظاهرة إلى سرقة بينة

يعاني عدد من الأدباء وكُتّاب الشعر والقصة القصيرة، من ظاهرة الاقتباسات المجهلة التي تقضي على صلة الانتماء بالعمل الأدبي، عن طريق التغاضي عن ذكر صاحبها، وهو ما يهدر حقه وينتقص من شهرته، خاصة إذا كان جديداً في عالم الأدب والنشر..

حيث إن أغلب الناشرين للاقتباسات لا يعتمدون على ذكر صاحبها ويكتفون بعلامات الإعجاب والتعليقات التي تأتي لهم، وهو ما يستنكره الكتاب والشعراء، معتبرين أن الاقتباس في هذه الحالة يتحول إلى سرقة بينة.

كذلك لا تخضع الاقتباسات لحقوق النشر التي تتوافر للكتب والمطبوعات المنشورة، لهذا يجري التعامل معها على أنها مشاع إبداعي يحق للجميع نشره وتداوله فور إطلاقها مباشرة، حتى إن مرتادي الـ»سوشيال ميديا« يتناسون أن لهذه الاقتباسات أصحاباً. ويعتبر البعض أن الحل يكمن في مفهوم الحقوق لدى المتلقين، مؤكدين أن عدم نسب الاقتباس إلى صاحبه سرقة من صاحب العمل.

Email