معلم أسطوري تاريخي في إيطاليا

المكتبة اللورنسية..خزانة معارف عصر النهضة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

المكتبة اللورنسية، جزء من تاريخ وحضارة مدينة فلورنسا الإيطالية، فهي تتجاوز كونها مكاناً لحفظ الكتب لتتحول إلى منارة عملت على نشر ضوء المعرفة بين الناس، منذ عهد النهضة وحتى يومنا الجاري.

وتصنف المكتبة اللورنسيّة، تحفة معمارية لأسطورة الفن مايكل أنجلو أبرز فنّاني عصر النهضة حيث كلف بتصميمها وتنفيذها من قبل كليمنت السابع، وعمل أنجلو في هذا المشروع نحو عشر سنوات، ومن ثم توقَّف عمله، بموت البابا الذي كلّفه به، وبفعل مغادرته هو نفسه مدينة فلورنسا..

ومن ثم عاد لإنهاء العمل بها مجدداً عقب عدة سنوات وجرى الانتهاء من عمليات البناء سنة 1571، وفي العام نفسه، أصدر كوزيمو الأول دي ميتشي، أوّل حاكم لمقاطعة توسكانا، قراراً بفتح أبواب المكتبة للجمهور، وتحويلها مكتبة عامة.

تنوع

المكتبة مكونة من عدة أقسام، أشهرها المدخل الذي يتميز بوجود جدران عامودية مقسّمة إلى ثلاث طبقات، ونوافذ لتسليم الكتب، وهو يقود إلى قاعة المطالعة القديمة وظلّ المدخل غير مكتمل البناء حتى القرن العشرين، عندما جرى تركيب الواجهة الخارجية له، ووُضعت نوافذ مصطنعة، كما زود السقف بلوحات بريشة فنان من بولونيا هو جاكومو لوليي.

أما قاعة المطالعة فهي مصممة على نحو أفقي، ومقسّمة إلى صفّين من طاولات المكتبات، وهي من تصميم مايكل أنجلو ونفذها جوفاني باتيستا ديل تشنكوي وتشابينو.

ووضعت الكتب القديمة والمخطوطات الثمينة أفقياً، على هذه المناضد، بعد ترتيبها حسب مواضيعها، ولكن هذا الترتيب لم يعد موجوداً حالياً، بعد أن وضعت المخطوطات في المخازن في القرن العشرين، ونُقِلت الكتب العتيقة إلى المكتبة الوطنية في فلورنسا منذ 1783.

والسقف الخشبي للمكتبة هو من تصميم مايكل أنجلو ومن تنفيذ جوفاني باتيستا، وأنطونيو دي ماركو دي جان، أما الأرضية فمن الخزف الأحمر والأبيض، وهي من تصميم تريبولو، وكلاهما جرى تنفيذه في القرن السادس عشر.

مخطوطات شرقية

يصل عدد المخطوطات التي تحتفظ بها المكتبة، إلى ما يزيد على 11 ألف مخطوط نادر و 4500 كتاب قديم، وغالبية هذه المخطوطات تعود إلى الحضارتين اليونانية واللاتينية، كأعمال: إيسخيليوس، أفلاطون، سوفوكليس، ديوان شعر بتراركا الذي كتبه بخط يده، مجموعة قوانين غوستنيانو، بالإضافة إلى عدد هائل من البرديات الثمينة.. ومخطوطات شرقية فريدة.

يعود السبب في احتواء المكتبة على عدد كبير من المخطوطات الشرقية، إلى إنشاء الكاردينال فيرديناندو دي ميديتيشي، أمير فلورنسا وحاكم مقاطعة توسكانا، مطبعةً للغات الشرقية في العام 1584 من أجل طباعة كتبٍ باللغات السامية للدفاع عن المذهب الكاثوليكي ضّد المذاهب المسيحية الشرقية..

كما لجأ الكاردينال إلى شراء المخطوطات الشرقية (عربية، عبرية، فارسية، تركية، قبطية، سريانية، وكلدانية)،. وكانت موضوعات هذه المخطوطات تتنوع بين: العلوم، الفلسفة، الفلك، الطب، الصيدلة، الهندسة والميكانيكا، الرياضيات، العلوم الطبيعية.

شروح لدوميتسيو كالديريني

من بين أهم المخطوطات المحفوظة في المكتبة، مخطوطة شروح لدوميتسيو كالديريني، حول أعمال لجوفينال وستاتيوس وأوفيد وبروبرتيوس..

وهي التي كانت في الأصل ضمن مقتنيات مكتبة كورفينوس، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الخامس عشر، وتضم مجموعة من الأعمال التي كتبها دوميتسيو كالديريني (1447-1478)، في أواسط القرن الخامس عشر، إذ كان باحثاً وواحداً من أفراد حاشية الملك وكان ينتمي للمذهب الإنساني فضلاً عن كونه من بين كُتَّاب الشروح الأدبية المثيرين للجدل.(الفلورنسية)

مخطوطة التاريخ العام لأشياء إسبانيا الجديدة للقس برناردينو دي ساهاغون (المخطوطة الفلورنسية)، الموجودة في المكتبة، تعتبر من المقتنيات النادرة ضمنها، وهي عبارة عن عمل موسوعي يتناول حياة وسير شعوب وسط المكسيك وثقافتهم..

ومن تأليف القس برناردينو دي ساهاغون (1499-1590)، وهو مُبشِّر فرنسيسكاني وصل إلى المكسيك في عام 1529، أي بعد مرور ثمانية أعوام على اكتمال الغزو الإسباني على يد هرنان كورتيس.

آلتْ مِلكيّة المخطوطة إلى عائلة ميديتشي، قبل عام 1588، وهي موجودة حالياً في المكتبة اللورانسية الميديتشية بفلورنسا وتتكون من اثنيّ عشر كتاباً، كل منها مخصّص لموضوع مختلف، مثل: الآلهة، النذور، الخرافات، علم التنبؤ، البلاغة والفلسفة الأخلاقية، الملوك والنبلاء، التجار، الشعب فضائله ونقائصه، المخلوقات الطبيعية، غزو المكسيك.. وغيرها.

بدأ ساهاغون في إجراء أبحاث عن ثقافات الشعوب الأصلية في القرن السادس عشر، متبعاً نهجاً اعتبره العلماء مُقدمة لطريقة حديثة في مجال الأنثروبولوجيا، واستغرقت عملية كتابة المخطوطة بأكملها حوالي 30 عاماً واكتملت في الفترة ما بين 1575 و1577، بعد ذلك نقل القس رودريغو دي سيكويرا، المندوب العام للفرنسيسكان وأحد المعجبين بأعمال ساهاغون، العمل إلى إسبانيا. كانت الكُتب ال12 للمخطوطة مغلَّفة في أربعة مُجلدات، وأعيد فيما بعد تغليفها في ثلاثة فقط.

مدينة الآلهة

يوجد مجلد المخطوطات الذي كتبه القديس أوغسطين ويحمل عنوان دي سيفيتاتي دَي، ضمن مجموعة بلوتي في المكتبة اللورانسية. وهو مُغلف بالجلد المغربي الأحمر، ويَظهر عليه شعار النبالة الخاص بعائلة ميديتشي في منتصف الغلاف الأمامي.. وعند كلٍ من أركانه، كما توجد به صفحة مزخرفة وعدد من الحروف الأولى الكبيرة المزخرفة.

ويشار هنا إلى أنه ألَّف القديس أوغسطين الهيبوني (354–430) أكثر من 100 عملٍ. وكان الأشهر من بينها كتاباه (كونفيسيونيس): (اعترافات) و(دي سيفيتاتي دَي). وشرع أوغسطين بكتابه (دي سيفيتاتي دَي) في دحض ادعاء الوثنيين بأن نهب روما على كان أيدي القوطيين الغربيين عام 410، وهو أحد الأحداث التي هزت العالم الروماني بعمق، وكان نتيجةً لِظهور المسيحية. (بلوتي)

يوجد مجلد المخطوطات هذا الذي يحمل عنوان (دي فيرجينيبوس سو بوتيوس أوبِرا فاريا): (في العذراوات وأعمال أخرى)، للقديس أمبروز (حوالي 340−397) - ضمن مجموعة بلوتي في المكتبة اللورانسية.

وغُلِف الكتاب بالجلد الأحمر المُميز لعائلة ميديتشي، كما يتميز بصفحته الأولى ذات الزخارف الجميلة التي نفَّذها ماتّيو دا ميلانو، وتُعطي بيانات النسخ في الصفحة الأخيرة اسم الناسخ «مارتينوس أنطونيوس» وتاريخ استكمال الكتاب حوالي منتصف أكتوبر 1489.

وتناقش المخطوطة بشكل خاص، جمهور المجتمع المسيحي في ميلان وشمال إيطاليا: العذراوات والأرامل والرهبان والقساوسة المكرسون. وكانت تحث البالغين على ترك الوثنية الرومانية واعتناق المسيحية.

المجلد الأول

يمثل هذا المجلد جزءا من الكتاب المقدس، مُكوَّن من ثلاثة مجلدات، أمر ملك المجر ماثياس كورفينوس (1443–1490)، بإعداده في إيطاليا لمكتبته. ونسخ أنطونيو سينيبالدي أو تلميذه أليساندرو فيرازانو، المخطوطات على الأرجح في الفترة بين 1489–1490، ونُسِبت الزخارف لأتافانتِ أتافانتي.

ولم تُستكمل المجلدات الثلاثة، على الأقل فيما يتعلق بالزخارف. وعند وفاة ماثياس كورفينوس، أدرج لورينزو دي ميديتشي، المعروف باسم لورينزو مانيفيكو، الكتب في مجموعة ميديتشي. ويحتوي هذا المجلد على العهد القديم في ترجمته اللاتينية للقديس جيروم (الفولغاتا).

3 مجلدات

وتتضمن المكتبة مجلد «مزامير داوود» وهو المجلد الثالث من الكتاب المقدس المُكوَّن من ثلاثة مجلدات، ويحتوي على العهد الجديد كاملاً، مسبوقاً بمزامير داوود ومقدمتين لسفر الأمثال لسليمان، بالترجمة اللاتينية للقديس جيروم (الفولغاتا).

خمسة كتب للأحكام

توجد هذه المخطوطات أيضاً ضمن مجموعة بلوتي، وهي عبارة عن مجموعة من النصوص المتعلقة بالكنيسة المسيحية في إسبانيا القوطية الغربية، ووفقاً لما يُشار إليه في بيانات النسخ، نُفِّذ المجلد في الأصل من أجل ملك المجر ماثياس كورفينوس (1443–1490).

وهو يحتوي على سنتنتياروم ليبري كْوِنْكي (خمسة كتب للأحكام) لتايو صامويل، متبوعةً بمجموعة من كتابات آباء الكنيسة اختارها أيسيدور الإشبيلي، بالإضافة إلى رسالة من كيريكوس، أسقف برشلونة ثم توليدو، موجهة إلى تايو صامويل.

ولا يُعرف إلا القليل عن تايو صامويل، سوى أنه كان أسقفاً لسرقسطة من 651 إلى 683. ويتناول في هذا المجلد، وهو العمل الوحيد المعروف له، تعاليم القديس أوغسطين والقديس غريغوري العظيم. وكان القديس أيسيدور الإشبيلي (حوالي 560–636) فقيهاً وعالم لاهوت، واعتُبِر آخر آباء الكنيسة اللاتينية العظام.

سلسلة حوارات

تحتوي مخطوطات «سبعة كتب عن عيد الإله ساتورن» في المكتبة، على النص الكامل لـعيد الإله ساتورن، للكاتب اللاتيني ماكروبيوس، الذي عاش في القرن الرابع، ويتخذ العمل صورة سلسلة من الحوارات بين رجال متعلمين أثناء وليمة خيالية يتناقشون أثناءها في الآثار والتاريخ والأدب والأساطير وغيرها من الموضوعات. ونسخ على الأرجح أحد الناسخين المنتمين لدائرة ناسخي برناردو نوتسي في فلورنسا هذه المخطوطة. وهي تنظم كتب ماكروبيوس السبعة الأصلية في خمسة كتب.

تاريخ روما

يُعد هيستوريا لأبيانوس الإسكندري (حوالي 90−160)، سرداً لتاريخ روما في الفترة بين القرن السادس قبل الميلاد، وحتى القرن الثاني الميلادي، وهو ترجمة من النص اليوناني الأصلي إلى اللاتينية، أنجزها بير كانديدو ديتشيمبريو (1399−1477)، بأمر من البابا نيكولاس الخامس (1397−1455).

ويشير الناسخ كارولوس هيلاري فاتاريوس في بيانات النسخ، إلى أن المخطوطة كانت مُعدة في الأصل لمكتبة الملك ماثياس كورفينوس (1443–1490)، وبعد وفاته، جرى استكمال المجلد بأمر من البابا ليو العاشر (1475−1521)، مع إضافة الزخارف التي نفَّذها ستوديو أتافانتِ أتافانتي.

غنى ثلاثة كتب عن الحياة وأحوال الناس وأسرار الطبيعة

كان مارسيليو فيتشينو (1433−1499)، فيلسوفاً إيطالياً من عصر النهضة وعالم لاهوت وقسيساً وطبيباً، اشتُهِر بترجماته وتفسيراته لأعمال أفلاطون. تتضمن قائمة أهم كتاباته الأصلية، والتي تحتويها المكتبة: تيولوجيا بلاتونيكا- وهو علم اللاهوت الأفلاطوني، ليبير دي كريستيانا ريليجيون - وهو كتاب عن الديانة المسيحية.

الكتب الثلاثة هي:كتاب (عن الحياة الصحية) -ويهدف إلى مساعدة الباحثين من أجل الحصول على حياة صحية من خلال النظام الغذائي والعادات السليمة، وآخر عن( الحياة المديدة)- يركز على توفير نصائح مماثلة لكبار السن، بينما عنوان الثالث (الحصول على الحياة من السماوات).

كما يتضمن مجلد المخطوطات عملين فلسفيين: (دفاع عن الطب والفلك وحياة الدنيا وحتى المجوس الذين حيوا المسيح عند ولادته) و(خطاب على سلامة وسكينة الروح اللازمة للحياة).

«في الطب»..رحلة مخطوط يصنف الأعرق عالمياً

كان كورنيليوس أولوس سيلسيوس كاتباً رومانياً في العلوم الطبية في القرن الأول وهو مؤلف دي ميديسينا (في الطب) الذي تتضمنه المكتبة، ويُعد أحد أهم الأبحاث الطبية في أواخر العصور القديمة.

الترتيب الموسوعي للعمل يتبع التقسيم الثلاثي للطب في ذلك الوقت، وفقاً لما أقره أبقراط وألسيبيادس، وهي التغذية وعلم الصيدلة والجراحة، كما يُظهِر مستوى مميزاً في المعرفة الطبية بالنسبة لوقته.

تنقَّلَ مجلد المخطوطات هذا، الموجود ضمن مجموعة بلوتي بالمكتبة اللورانسية الميديتشية في فلورنسا بين العديد من المالكين، فربما كان في البداية ضمن مكتبة فرانسيسكو ساسِّتي (1412−1490)، الذي كان أحد أعضاء عائلة ثرية من تجار فلورنسا ووكيلاً لعائلة ميديتشي. ثم أصبح جزءاً من مكتبة ملك المجر ماثياس كورفينوس (1443–1490).

Email