مكتبة بلدية باريس.. ذاكرة 4 قرون ثقافة وفناً

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أعادت مكتبة بلدية باريس فتح أبوابها منتصف شهر مارس الماضي، بعدما أغلقتها لنحو شهرين لأسباب أمنية، غداة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس شهر يناير الماضي. وتعد مكتبة بلدية باريس واحدة من أجمل المكتبات في العاصمة الفرنسية باريس، بتحفتها المعمارية المميزة التي تعود للقرن السابع عشر ومخزونها الثقافي القديم الذي يبقى يحفظ جزء من إرث الإدارات والحكومات التي تعاقبت على بلدية باريس طيلة قرون، تسكن قلب العاصمة وتفوح برائحة الماضي من كل رفوفها وطوابقها. وتستمر المكتبة بعد قرون على إنشائها، تحفظ «ذاكرة» الإدارة الباريسية كشاهد تاريخي مهم معطر بروح الثقافة والفن.

المكتبة الواقعة بفندق المدينة أو «أوتيل دو فيل» مقر بلدية باريس، الذي يعد أحد أجمل البنايات التي تملكها الإدارة الفرنسية، يسكن قلب الدائرة الرابعة. وليس بعيدا عن جزيرة «سانت لوي»، ويقابل من بعيد كنيسة نوتردام دو باري التي كانت العام الماضي من أكثر المعالم السياحية زيارة في باريس، حيث قصدها أكثر من عشرة ملايين شخص.

عمومية وتراثية

مكتبة بلدية باريس التي كانت تسمى سابقا «المكتبة الإدارية لمدينة باريس»، هي مكتبة عمومية تراثية لمواقع المكتبات العمومية لبلدية باريس، متخصصة في العلوم الاجتماعية والقانون والتاريخ الإداري والوثائق الباريسية، وكذا المطبوعات الحكومية، المحلية منها والدولية، ما جعل منها مكانا هاما للبحث في شؤون الإدارة الباريسية، خصوصا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.

النشأة

أنشئت مكتبة بلدية باريس في عام 1872 على أنقاض مكتبة البلدية القديمة التي دمرت على آخرها، بسبب حريق ألم بها في شهر مايو عام 1871. وجاءت المكتبة الجديدة في البداية لتجميع الوثائق الإدارية الباريسية ولتلبية احتياجات المسؤولين والعاملين في الإدارة، ومن ثم لتفتح أبوابها شيئا فشيئا، أمام الجمهور والباحثين.

وتأسست المكتبة القديمة التي أحرقت عام 1763، ولكن، ولإهمالها أثناء الثورة الفرنسية، صادرتها الحكومة عام 1797 لصالح معهد فرنسا. وفي عام 1801، قرر أول محافظ لنهر السين، نيكولا فروشو إنشاء مكتبة جديدة بعد مصادرة المكتبة التي كانت موجودة في السابق ضمن فندق المدينة، ليستكمل إنجازها فعليا سنة 1817، إذ بلغت وقتها مجلداتها، أكثر من مئة ألف مجلد.

وبعد الحريق المدمر الذي نشب في فندق المدينة، أحرقت مكتبة فروشو، ليجري عقبها، تأسيس المكتبة الحالية.

رؤية أساس

كان هدف محافظ نهر السين نيكولا فروشو في بداية القرن الثامن عشر إنشاء مكتبة موسوعية، تختلف عن المكتبات الإدارية التي كانت موجودة في تلك الفترة، وتهتم باقتناء الكتب والوثائق والمخطوطات المتعلقة بمدينة باريس بالدرجة الأولى. فطيلة مئة وثلاثين عاما كانت مهمة المكتبة تجميع كل ما له علاقة ببلدية باريس من مجموعات إدارية ودراسات رسمية...، الحديثة منها والقديمة، وتسليط الضوء على السياق السياسي والاجتماعي والثقافي الذي جاءت فيه.

غرفة القراءة

تتميز مكتبة بلدية باريس الواقعة في الطابق الثالث والأخير من بلدية باريس، بهندستها المعمارية التي تعود للقرن السابع عشر، وأجمل ما فيها هو غرفة القراءة، التي صممها المهندس المعماري إدوارد ديبارتاز، والتي تعد واحدة من أجمل فنون عمارة المكتبات في أواخر القرن التاسع عشر، ويعرف كذلك بأن المهندس المعماري الشهير غوستاف إيفل ساهم في وضع تصاميمها كذلك.

وتغطي غرفة القراءة مساحة قدرها 600 متر مربع، بتصميمها المعماري المميز، حيث يدخل الضوء الطبيعي إليها من خلال ألواح زجاجية مذهبة يبلغ ارتفاعها 9.60 أمتار.

وتشتمل المكتبة على 100 مكان للقراءة، مزينة بمصابيح تحمل لمسة وأناقة باريسية، مصنوع بعضها من الحرير الخالص.

الوثائق الأجنبية

تعد الوثائق الأجنبية واحدة من مخزونات مكتبة بلدية باريس الأكثر تميزا، وجاءت في البداية نتيجة مبادلات دولية نظمتها بلدية باريس بمبادرة من الكسندر فيتمار في منتصف القرن التاسع عشر إلى سنوات الـ1900.

وتمكنت بفضلها من تجميع 40 ألف مجلد تخص مجالات متنوعة، ومجموعة فريدة من مطبوعات حكومات وطنية ومحلية للبلدان التالية: الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا (والإمبراطورية البريطانية سابقا)، ألمانيا، النمسا، المجر، إيطاليا، روسيا، بلجيكا، هولندا، اسبانيا، أميركا اللاتينية. كما تملك المكتبة مخزونا أجنبيا هاما جدا من الوثائق والمراسيم الموقعة، خاصة الأميركية والروسية والبريطانية.

مخطوطات ثمينة

مخطوطات مكتبة «أوتيل دو فيل» تتألف أساسا من وثائق تعود الى القرنين التاسع عشر والعشرين في تاريخ الإدارة الباريسية، ونصوص ومقالات لسياسيين وإداريين، وكذا مخطوطات قانونية. بالإضافة إلى أرشيف المؤرخ باريس الشهير، لويس شوفالييه، الذي تبرع به للمكتبة. فجاء ليثري هو الآخر مخزونها الكبير قبل بضع سنوات.

وتضم مكتبة بلدية باريس 600 ألف مجلد من المطبوعات وسبعة آلاف من الدوريات (بما في ذلك 750 عن فن العيش)، أما المخطوطات، فتحتوي على 2270 مخطوطة، وعشرة آلاف صورة، و10 آلاف من الرسوم المعمارية. كما تزخر بلدية باريس برسومات يعود معظمها للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي لمعماريين وإداريين باريسيين، إلى جانب صور فوتوغرافية، بعضها يحفظ مراحل بناء بعض المعالم والبنايات والبلديات في باريس.

قيمة

الغنى والثراء والتميز الرئيسي للمكتبة يكمن أكثر في المنشورات والمطبوعات الرسمية، الوطنية منها والمحلية، الفرنسية منها وحتى الأجنبية، فهي تمثل مصادر كانت لغاية وقت ليس بالبعيد، صعبة المنال والتصفح فيها، وهي اليوم في متناول جميع زوار المكتبة والباحثين، تتضمن مختلف الانواع، من وثائق تشريعية وقانونية وبرلمانية.. ويعود كثير منها إلى أوائل القرن التاسع عشر.

وضمن هذه المجموعة توجد منشورات جد مهمة، وهي حول المستعمرات الفرنسية السابقة. كما تضم مكتبة بلدية باريس ملاحق تابعة لها، ستة منها ليست بعيدة عن مقرها الرئيسي، واثنان آخران يوجدان في الدائرة الباريسية الـ11.. والأخير في ضاحية سان دوني.

معلم من عصر النهضة الفرنسية

يعود تاريخ تأسيس مبنى بلدية باريس أو «أوتيل دو فيل »، والذي يحتضن المكتبة، إلى القرن الثالث عشر، ويضم المؤسسات البلدية في باريس منذ سنة 1357، ويقع في الدائرة الباريسية الرابعة، وصمم وفق فن العمارة الذي كان يميز عصر النهضة الفرنسية. وهو اليوم محور الحياة الباريسية، وواحد من أجمل وأقدم المعالم التراثية للعاصمة باريس، ويعيش على وتيرة الحداثة وتعايش مختلف الثقافات والفنون، حيث يزوره سنويا أكثر من 35 ألف زائر. وترأسه منذ شهر أبريل 2014، الاشتراكية آن هيدالغو، ذات الأصول الإسبانية والتي كانت أول امرأة اعتلت منصب عمدة باريس في فرنسا.

كتاب وحكاية كنز ثمين من المخطوطات النائمة بين الرفوف

أثريت المكتبة الفرنسية، أخيراً، بكتاب مهم وفريد، أخذ من بلدية باريس.. وتاريخها موضوعه الرئيسي ذلك بموازاة خط ومراحل بنائها، وجاءت فيه دعوة مباشرة لاكتشاف التراث التاريخي والمعماري والفني لبلدية باريس. والكتاب الذي صدر عن دار «شان» الباريسية، لمؤلفته ساندرا رود، وخصصت جزءا كبيرا منه لمكتبة بلدية باريس بمركزها المرموق وسط البلدية، حيث تقول صاحبته «مكتبة باريس حقا مكان رائع، بثراء وغنى لا يقدر، كل شيء فيها يفوح برائحة التاريخ والفن، إنها فعلا خير رمز للنهضة والفن المعماري المميز الذي تتمتع به فرنسا، ومن أجلها يجيء الملايين إلى بلدنا كل عام..خلال فترة إنجازي لهذا الكتاب اكتشفت كنزا ثمينا بين رفوف المكتبة، سواء من ناحية المخطوطات أو الوثائق الرسمية أو الكتب والمبادلات الدولية».

مشروعات تطوير وتحديث تواكب احدث تقنيات المكتبات

لم تغب عن إدارة المكتبة ضرورة ايلاء جانب الاعتناء بالتقنيات الحديثة في مجال العمل المكتبي، وتظيفها بشكل خلاق. وهكذا يجد الزائر أنها تعتمد احدث النظم في الحقل. وتركز على استقدام مختلف تقنيات النشر ورفد القراء والباحثين بما يحتاجونها عن طريق وسائك التكنولوجيا العصرية. كما انها تولي، بموازاة الاهتمام بالكتب والمخطوطات والوثائق القديمة، اهتماما نوعيا لجانب الكتب الحديثة، وخاصة التي تهم شرائح الشباب وفئات المثقفين بتنوعاتها. وعلى هذا الاساس فإن خطط عملها حافلة بمشروعات تطوير وتجديد توجه اليات التزود بالكتب واساليب تقديم القديم المتوفار منها بالاصل.

Email