معارض الكتب العربية.. مهرجانات ثقافية شعبية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

باتت معارض الكتاب في الدول العربية، تلعب دوراً ثقافياً ومجتمعياً مهماً، أصبحت وبفضله بمثابة مهرجانات ثقافية ينتظرها الجمهور بشغف، إذ إنها تحتفي بالفكر ورواده، وكذا تبرز كفرصة حقيقية لتلاقي الأفكار وتبادلها. ويحفل العالم العربي بالمعارض التي يشارك فيها أهم الكتاب والمثقفين العرب، بالإضافة إلى أهم دور النشر ومؤسسات الإنتاج الثقافي..

ولا شك أن الجميع يستشعر من خلالها أهمية الثقافة والاطلاع على مستجدات الثقافة، وأهمية الكتاب والقراءة، إذ إن إقامة المعارض تحفظ للكتاب قيمته وأهميته ودوره البارز في تطور الإنسان وتعلمه..

وإعادة وهجه القديم من خلال الاقتناء والقراءة، خاصة وأنه تأثر الكتاب كثيراً بعد التطور التكنولوجي وظهور الإنترنت والكتاب الإلكتروني، الأمر الذي أجبر كثيراً من القراء على هجر الكتب والتوجه إلى تلك التقنية الإلكترونية. وهكذا فإن معارض الكتب باتت مهمة بشكل كبير لانتشار القراءة والنشر والتوزيع، حيث إن الكثير ينتظر معرض الكتاب لشراء بعض الكتب التي ربما لا توفرها المكتبات..

وهي الكتب النادرة جداً.. إلى جانب الأسعار التنافسية. كما أن معارض الكتب العربية، وبشكل عام، أصبحت تختصر على القارئ الوقت والجهد في البحث والتنقل من مكان لآخر بهدف الحصول على كتاب أو دراسة أو رواية ما.

ولا تفوتنا الإشارة في هذا الصدد، إلى طبيعة التطور التقدم الكبيرين، اللذين يعنونان معرضي أبوظبي الدولي للكتاب والشارقة الدولي للكتاب. إذ إنهما، يمثلان نموذجاً عربياً جديراً بالاقتداء إقليمياً وعربياً، لما يحققانه من نتائج نوعية، ولمواكبتهما أرقى مساقات التقدم في مجالات معارض الكتب وأساليب النشر والمنتديات والمحاضرات والبرامج الثقافية المصاحبة.

مشاركات وفعاليات

تكمن أهمية معارض الكتب العربية في صون قيمة وجدوى القراءة، وخاصة في ظل الظروف التي تمر بها بعض الدول العربية، والتي أثرت كثيراً في مستوى الثقافة والقراءة فيها. وفي وجه عام، فإن معارض الكتب العربية تمثل نافذة الكتاب..

في وقتنا الحالي، إلى الجمهور ومساقاً لانتشار وتنشيط القراءة بين أفراد المجتمع كافة، بجانب دورها الكبير في تبادل المعرفة والحوار، من خلال المشاركات والمتابعات للندوات والفعاليات التي تقام على هامش تلك المعارض، وتشارك فيها نخبة من المثقفين والأدباء بمختلف الوطن العربي. ويضاف إلى ذلك طبعاً، دورها في توفير الربح المادي للمعنيين في المجال: دور النشر.

ولا شك في أنه من بين أبرز المعارض التي تتولى هذه الوظيفة، معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، بجانب معرض الكتاب في بيروت ومعرض القاهرة للكتاب.

إذ إن هذه المعارض العربية أصبحت بحق، موئلاً ومقصداً، بل موعد سنوي للقراء والمثقفين والناشرين. وهذا علاوة على ما تتضمنه من برامج تثري الثقافة العربية، كالجوائز التي يتضمنها في إطاره معرض أبوظبي الدولي للكتاب (جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة البوكر).

الإبداعات الأدبية

وتحقق معارض الكتب العربية، الأهداف والرؤى التي تنبني وتقوم عليها معارض الكتب في الأساس، والتي ولدت فكرة إقامتها من خلال رؤيتين، الأولى اقتصادية، وترتكز إلى العمل على تضييق المساحة الجغرافية أمام طالب الكتاب والباحث عن الجديد في عالم الثقافة، وبالتالي إتاحة الفرصة أمام الناشر لعرض جديده أمام أكبر شريحة ممكنة من الناس.

أما الرؤية الثانية فهي ثقافية، إذ إنها تخلق جواً من التفاعل الفكري، بين رواد المعرض والناشرين والكتاب. ويبدو هذا لامعاً في الوقت الحالي كون معارض الكتب العربية، في مجملها، غدت منبراً مفتوحاً على كل الثقافات تُظهر الإبداعات الأدبية بكل مجالاتها الشعرية والروائية والنقدية والفكرية والسياسية والعلمية، عارضة نتاجات النخب المخضرمة للأجيال الصاعدة.

الربح والثقافة

تؤكد آراء مجموعة من النقاد والمتخصصين، رصد (بيان الكتب) آراءهم، أن معارض الكتب العربية، أصبحت تشكل تظاهرة جماهيرية ثقافية واقتصادية، وتستقطب كل المستويات الذهنية والطبقات الاجتماعية، وبالتالي تخلق فيما بينها، عقلاً جماعياً ينمي حركة الفكر في المجتمع.

إلا أن اللافت في هذا الخصوص، أن معارض الكتب العربية، لم تعد لتقتصر في قيمتها على تنشيط القراءة ودعم سوق الكتاب، وإنما شرعت تمتد إلى تبادل المعرفة واستفادة دور النشر من ناحية التنسق وتوسيع شبكة علاقاتها وتحصيلها علوماً وتأهيلاً متنوعاً في المجال من خلال دورات وبرامج تدريب تقام على هامش مجموعة معارض عربية، بينها: معرض الشارقة الدولي للكتاب.

ولا يخفي ناشرون كثر التأكيد على هدفهم الأساس الذي تكفله حالياً معارض الكتب: الربح المادي. ولكنهم يبينون أن الربح الثقافي الآن هو قرين لذلك.

عقبات

ليست الصورة جميلة وأخاذة تماماً. ففي الحقائق الكامنة، هناك خفايا وعقبات تواجه معارض الكتب العربية، يبدو أنها تكبلها. ومن بين هذا أنه لا يزال المجتمع العربي يضع تصوراً تقليدياً لفكرة تنظيم المعارض، من خلال التركيز على هدف استقدام القراء وبيع الكتب، في حين أن معارض الكتب في الغرب تجاوزت ذلك وأوكلت هذه المهمة للمكتبات.

وفي جميع الأحوال فإن ظاهرة معارض الكتب وتطورها في العواصم العربية، طبقاً لما يوضحه المتخصصون، باتت تلفت الانتباه وتثير الأمل في ردم الفجوات الثقافية بين شرائح المجتمع وأفراده، والتشجيع على القراءة، وهو ما يقتضي التشجيع على التفكير المستقل، والتعبير الحر عن الأفكار. فهذه هي غاية الثقافة والمعرفة.

الكتاب الورقي

صحيح أن معارض الكتب العربية تسابق وتلهث لمواكبة التطور في عوالم الكتاب والنشر، موسعة حجم اهتمامها بالكتاب والنشر الإلكترونيين. إلا أن هذا لم يكن، ولا يمكن أن يكون، وفي أي منها، على حساب الكتاب الورقي. فالأخير لا يزال سيد الإقبال والحائز على نسبه. وهذا حتى مع ظهور الكتابة الإلكترونية والتكنولوجيا الحديثة.

وليس من قبيل المبالغة القول إن هذه الحال منطبقة على معارض الكتب الأوروبية، والتي لم تنقص الكتاب الورقي حقه. إذ إنه يبقى مطلوباً بشكل أساس لدى القراء. فمثلاً معرض فرانكفورت للكتاب، نجد فيه أن الكتاب الورقي هو المطلوب.

جوائز وتميز

سمات عدة يتفرد بها معرض أبوظبي الدولي للكتاب. ومن بين أبرزها، قرنه موسم معرض الكتاب مع الاحتفاء بالمبدعين العرب في حقل الدراسات والأدب والبحث والرواية، في كل عام، من خلال برنامج ثقافي متنوع على مدار أيام المعرض، وعبر جائزتي: الشيخ زايد للكتاب، البوكر.

كذلك يشهد المعرض فعاليات عدة تعكس ملامح التجربة الثقافية ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب إتاحة مجال للفنون التقليدية بالمنطقة، عبر عروض جرى استحداثها وتقام يومياً.

وهذا طبعاً بينما يتضمن البرنامج المهني للمعرض، سلسلة غنية من الندوات والعروض والحوارات والنقاشات، التي تهدف إلى إتاحة منصة للعارضين، تساعدهم على إقامة الصلات مع الناشرين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما بعدها، ليفتح لهم المجال للاطلاع على الاتجاهات الأحدث في صناعة النشر وكتب الأطفال ..

والكتب المصورة وحقوق الترجمة، وغيرها من الموضوعات المهمة للناشرين والعارضين، إضافة إلى فتح المجال أمام العارضين، للتواصل مع اللاعبين الرئيسين والرواد في هذا المجال والالتقاء معهم من خلال ‬30 جلسة، يجري انتقاؤها بعناية.

ولا يبتعد معرض الشارقة الدولي للكتاب عن هذه الروحية. لكنه، أيضاً يتفرد بجملة قضايا، يمزج فيها بين الكتاب والثقافة، ونمط وثقافة الحياة. فيقدم لرواده جرعات فكرية وترفيهية تعزز رغبتهم وإقبالهم باتجاه الكتاب. وتجعلهم يعشقون الانخراط في الأجواء الثقافية. وكان لافتاً في دورته للعام الفائت، أنه شارك فيه 8 طهاة وخبراء تغذية عالميون، ضمن فعالية ركن الطهي.

ومن أبرزهم: الطاهية البريطانية الشهيرة ليلي فانيلي التي تعرض منتجاتها في متاجر هارودز بلندن. كما قدم المعرض فاعلية «مقهى الطفل» التي أقيمت للمرة الأولى، إضافة إلى قراءات شعرية وقصصية وبرامج أخرى متنوعة.

لحظات ومحطات

اللافت، على سبيل المثال لا الحصر، غنى وتنوع لحظات ومحطات معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب في المغرب، خاصة خلال دورته لهذا العام، إذ اشتمل على لقاءات حول ثقافة دول غرب إفريقيا، وندوة حول الكتابة النسائية في غرب إفريقيا..

ولقاء حول المكونات الإفريقية في الثقافة المغربية، وندوة «الآداب الوطنية: لغات وحدود»، وندوة «من الأدب الشفاهي إلى الأدب الحديث في غرب إفريقيا»، وندوة «آداب وثقافات ما جنوب الصحراء في الجامعة المغربية»، إلى جانب الاحتفاء بالأدب الزنجي، وبالشاعر السينغالي ورئيس السينغال ليوبولد سيدار سنغور.

ولا تقل أهمية معرض تونس الدولي للكتاب، عن نظرائه، إلا أنه شهد في السنوات الأخيرة تراجعاً بفعل تأثيرات الوضع السياسي في البلاد. وينتظر المعنيون الآن، تنظيم الدورة الجديدة للمعرض في الفترة من 27 مارس إلى 5 أبريل 2015 بقصر المعارض بالكرم.

وذلك عقب أن كان قد أعلن العام الفائت 2014، عن إلغاء الدورة 30 من معرض تونس الدولي للكتاب لأسباب عدة، منها: تأخر الوقت، والخوف من تكرار أخطاء بعض الدورات السابقة. وآثار ذلك ردود أفعال متباينة بين رافض ومؤيد لهذا القرار.

تطوير واستضافات مميزة في معرض «القاهرة للكتاب» 2015

يحوز معرض القاهرة للكتاب، أهمية وخصوصية كبيرتين؛ إذ إنه من ألمع معارض الكتاب في العالم العربي. وكانت دورته لهذا العام ذات قيمة نوعية. إذ إنه شهد الكثير من التجديد والتطوير على صعيد العرض والمشاركات، وكذا تطور وتوسع حجم مشاركات النشر والكتاب الإلكتروني فيه. والمميز أنه شهد ندوات غاية في القيمة. علاوة على استضافته ألمع الكتاب العرب والأجانب، ومن بينهم الشاعر السوري أدونيس.

وأما معرض دمشق الدولي للكتاب، فهو في حال سبات مهول. وذلك منذ أن شهدت الدورة الـ27، عام 2011، تراجعاً في عدد دور النشر المشاركة إلى نحو 250 دار نشر، بعد أن كان عدد المشاركين العام الذي سبق، نحو 450 دار نشر، وقبلها: 400 دار نشر، ويرجع ذلك إلى تأثير الأحداث التي تمر بها سوريا، فدور النشر المحلية تعاني، ونظيرتها العربية لا تشارك. وهكذا ظلت الأجنحة فارغة حتى عشية افتتاح المعرض.

أحجام مبيعات متنامية وتضاعف في عدد الزوار والناشرين المشاركين

بلغ حجم مبيعات معرض الرياض الدولي للكتاب في عام 2012 نحو مليونين واثنين وخمسين ألف ريال، كما بلغت مبيعات المعرض في 2013 أكثر من 37 مليون ريال. وكانت النساء الأكثر شراء للكتب من الرجال. كما شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته لهذا العام إقبالاً جماهيرياً مكثفاً منذ يومه الأول، ووصل عدد الحضور في يوم واحد إلى 200 ألف زائر. كذلك بلغت مبيعاته 80 ألف جنيه.

وأيضاً حقق معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، رقماً جديداً في عدد الزائرين؛ إذ تجاوز الـ248 ألف زائر خلال الأيام الستة الأولى. وشهد ارتفاعاً ملحوظاً في المبيعات وصل إلى خمسة وثلاثين مليون درهم إماراتي.

«الشارقة للكتاب 2014».. الدورة الأكبر ..59 دولة وأكثر من مليون زائر

كانت الدورة الأكبر في تاريخ معرض الشارقة الدولي للكتاب هي الـ33، التي أقيمت في شهر نوفمبر 2014 في مركز إكسبو الشارقة، بمشاركة 1256 دار نشر من 59 دولة، من بينها 35 دولة أجنبية، 12 منها تشارك في المعرض للمرة الأولى، وهي: أيسلندا وفنلندا والمكسيك وكرواتيا ولاتفيا وليتوانيا وسلوفينيا وهنغاريا ومالطا ونيوزيلندا وماليزيا ونيجيريا.

كما استقبل معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة 2014، عدد زوار وصل إلى 1.47 مليون زائر من أنحاء العالم كافة، محققاً نمواً بمقدار 45 بالمائة، مقارنة مع دورة عام 2013 التي شهدت حضور مليون زائر تقريباً..

كما وصلت المبيعات فيه إلى نحو 178 مليون درهم إماراتي، وأما حجم المبيعات في معرض الشارقة الدولي للكتاب في عام 2012، فجاوز الـ 40 مليون دولار أميركي، وزار المعرض خلال مدة إقامته أكثر من 600 ألف زائر ذاك العام.

لمشاهدة الجراف بالحجم الطبيعي .. اضغط هنا

Email