«البلد الثقافي».. ملتقى الفكر في وسط القاهرة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 في وسط البلد يقع مركز «البلد الثقافي» تلك المكتبة التي اتخذت من الكتب والموسيقى والمشروبات الدافئة أو الباردة، غذاء روحياً متكاملاً، يُمكن من خلاله أن تجذب الرواد في ديكور عربي، يلمس روح كل من اكتنف به ومكث في جواره، ليقترب إلى جذور الزائرين، ليتبين مدى كونه قريبا من هوية رواد المكان...

حيث لا يعرف المكان تكلفًا. إذ يبدو المكان وكانه يخاطب رواده ويستهل الترحيب بهم: «أنت هُنا بين كتبك المفضلة وتشرب مشروباً دافئاً». وتتجسد المكتبة، بحكم طبيعتها وأجوائها كلمّة ثقافية تنتظم على وقع النغم والموسيقى والترفيه.

يوضح مؤسس مركز البلد الثقافي ماجد عاطف، أن تلك التسمية على وجه الخصوص جاءت بسبب مفارقة تلك الكلمة التــــي تطلق على شيــــئين، الأول: البلد، مسقـــط رأس الذين هجروا أحضان قراهم الـــدافئة إلى المدن الكبيرة الصاخبة، وأيضا: البلد، وهي وسط المدينة الزاخر بالأحداث، إذ يأتيه شباب الأقاليم والضواحي..

وذلك فقط وأكثر من أجل البحث عن الحقيقة، وعن أنفسهم في عوالم الثقافة، وكذا بحثاً عن مكان في البلد، ليصبح هــؤلاء هم الذين يتطلع إليهم مؤســـسو مركز البلد، وهؤلاء هم من تلك الفئة الشبابية التي اعتبرت القراءة وسيلة للمعرفة والارتقاء وفي الوصول إلى الذات، والذين وصلوا بمبيعات بعض الكتب إلى الخمسين ألف نسخة، وهذا للمرة الأولى في تاريخ مكتبة البلد.

طابع علمي

صممت المكتبة، التي تأسست منذ عام 2007 على الطراز العربي الإسلامي، حيث تنتشر فيها، الرسومات الإسلامية القديمة، خاصة على جدرانها، بينما صمم المجلس على طراز ونمط التصميم العربي..

حيث الجلسات العربية التي تجعل الاقتراب من الأرض متسعا للراحة بشكل أكبر، بينما يجاور ذلك المكان المعد للقراءة واللقاءات، المكتبة، التي تبتعد عن الطراز العربي لتقترب بشكل أكبر من الطابع العالمي في تنظيم الأرفف وشكلها وطابعها الحداثي المعاصر، وفي تلك الحجرة، تعقد الندوات والمناقشات وحفلات التوقيع جميعها.

وفي العموم، يبقى اللافت لدى المسؤولين عن المكتبة، التركيز على توفير مساق ثقافي غني يتصدى لتسيد الثقافة الاستهلاكية السائدة في عصرنا الحالي، دون أن يكون بعدياً عن روحية وجنس الوقت الحالي بتفاصيله وطقوسه وأجوائه.

أرض الواقع

على أرض الواقع، استطاعت المكتبة بالفعل، أن تقيم العديد من الفعاليات والأنشطة التي تقيمها بين جدرانها، وذلك عبر توفير مكان لائق يحمس رواد المكتبة لقضاء وقتهم في مطالعة كتاب، أو حضور إحدى الندوات أو الأمسيات، أو حتى الالتقاء بصديق ما في مكان يحترم عقل زائره.

ويبدو أن عامل تحفيز وتسهيل إضافي يعزز قدرة المكتبة على احتضان الزوار ومضاعفة الإقبال عليها، ويتمثل في توفير ما يحتاجه هؤلاء من متطلبات، ومن المشروبات والمأكولات، بأسعار معقولة.

وهذا طبعا بموازاة توفير أجواء مثالية، سمتها الهدوء والراحة، ليقضي الرواد أمتع الاوقات. كما تقدم المكتبة في لوحة الإعلانات الموجودة بداخلها، إعلانا متجددا عن الفعاليات الثقافية التي تنظم في العاصمة القاهرة، كما أنها تحرص على توفير مكان، ضمنها، لتصوير الأفلام التسجيلية وتقديم البرامج الثقافية، في حال احتاج الأمر أو طلب منها هذا.

«المضمون» أساس

تواكب المكتبة طبيعة العصر، وتتبنى في أجندتها أساليب عمل حديثة متجددة ومحسنة، بمقدورها أن تكفل تأمين راحة واحتياجات الرواد. وعلى هذا الاساس، فإنها تعمد في كل فترة، منذ بروزها ونشوئها، الى اجراء تغييرات محددة في منوال عملها. وكانت البدايات في خصوص هذا التوجه، منذ الستينيات والسبعينيات في القرن الـ20، إذ تغيرت الفكرة المحبذة للهدوء.

وأصبح التمرد هو سيد الموقف على كل جوانب الحياة، وحينها رفع المثقفون شعار «المهم هو المضمون»؛ متمردين على القوالب الثابتة التي وضعها الأقدمون.

وبسبب طغيان ذلك المضمون والاساس الموجه للحراك الثقافي، تحولت معايير الجمال الفني إلى عدة ركائز صارمة، ذلك الأمر الذي تحول وأفرز، برغم إيجابيته، ابتعاد الكثير من المبدعين عن نسيج المجتمع؛ نظرا لافتقادهم الرؤية وبفعل تركيزهم على المضمون.

مشروع فكري

تلك المشكلة أوضحت للقائمين على (مركز البلد)، ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين الشكل والمضمون، وبين خبرة جيل السبعينيات من القرن ال20، التي تنبع من رؤية عميقة، وبين انطلاقة جيل الشباب الذي يتميز باختلاف تفكيره، وبالجرأة والتجديد والبعد عن القولبة.

ولهذا أقامت المكتبة جسور التواصل بين الشباب، الذين هم أصلا بحاجة إلى الخبرات والمعارف، وبين المثقفين المبدعين الشبان والكبار، سعيا منها الى إعادة صياغة فكرة جديدة عن الإبداع الفني..

وذلك من خلال مزج خبرة السنوات بروح الحماسة الشبابية التي رغم حماسها يبدو أنها تصبح قادرة على بناء الخطط وتحديد الطريق، ليصبح كل ذلك في النهاية، مرآة للواقع يمكن من خلالها أن نتبين المستقبل، بعدما أصبح الإبداع شهادة واستشرافاً معاً.

والثابت في خطط وبرامج المؤسسة، كما يوضح القائمون عليها، أنها تتسلح بآليات تفكير وعمل يقودها ويحركها هاجس سعيها الى ان تصبح صرحا مرموقا وبارزا في ساحة الثقافة وفضاءات الابداع، عبر منتجها النوعي وبفضل ما توفره وتوجده من مساحات وفعاليات للالتقاء بين المجالات الابداعية المختلفة، خصوصا وأنها عمدت الى الجمع بين الإبداع والثقافة، وهو ما يسمح بتفاعل بناء بين اهتمامات المجموعات المتنوعة.

حلم ومنجزات

«لا تسير فكرة بغير طريق يحتضنها ويقود الى الاهداف والتطلعات، فالسير بغير هدى لا يخلق لأي مشروع تميزه وسبب استمراره». هذه هي الرؤية الاساسية التي التزم وعمل بها القائمون على مكتبة (مركز البلد). إذ قرَّروا من البدايات، أن يمتلكوا حلما وسببا للاستمرار من أجل تقديم خدمتهم...

حيث تهدف المكتبة إلى تقديم ثقافة بديلة، رغبة في أن يسترد المجتمع ثقافته مرة أخرى، وذلك عبر مسار ثقافي يعرف المضمون بجانب شكله المنمق والجميل، ويقدم الخبرة إلى الشباب الصغير الذي لا يحمل في البداية، إلا أحلامه وطموحاته وأفكاره.

برامج تعنى بارتقاء المستوى الثقافي للأطفال

المكتبة لا تهدف فقط إلى تشجيع القراءة، بل تحاول أن تتيح آفاقاً جديدة لكل الأجيال؛ وذلك بدءاً من الأطفال؛ إذ إنها تضع في اعتبارها خطة عمل دقيقة ومحكمة، تتولى معها تطبيق رؤية عمل ثقافية تفي بغرض إشباع الحاجات الفكرية والثقافية لشتى الشرائح المجتمعية.

ومن بين هؤلاء، نجد فعاليات تولي الأطفال اهتماماً خاصاً، مركزة على إمدادهم بباقة منوعة وغنية، عمادها الورش الفنية والقرائية والدورات التأهيلية والتدريبات المتواصلة في حقول الأدب والثقافة، ومؤكد أن جدول العمل في هذا الخصوص، يسير وفق مقتضيات وركائز أساس محورها العمل على تنمية مواهب هذه الفئة المجتمعية. وفي الوقت نفسه، تقام العديد من الفعاليات الخاصة بألمع الكتاب والأدباء..

 حيث تنظَّم عروض للأفلام التسجيلية والوثائقية من جميع أنحاء العالم، وهناك أيضا مجموعة من الورش التي يقيمها المركز، مثل: أساسيات الصحافة، الكتابة الروائية، البورتريه. وذلك طبعا، إضافة إلى احتضان المعارض الفنية، ومن أمثلتها: معرض مجمع الأديان، ومعرض التنورة للتصوير الفوتوغرافي.

توقيعات الكتب ولقاء الكتّاب

يستضيف مركز متخصص في المكتبة، حفلات توقيع العديد من الكتب الحديثة بأنواعها، ومن بين أبرز الأمثلة في هذا الخصوص: توقيع رواية «الحريم» لحمدي الجزار، كتاب «الكنانة» لسامي حرك، رواية «ليل مدريد» لسيد البحراوي، ديوان «فلاح هذا الزمان» للشاعر محمود عاطف، مجموعة القاص وسام جنيدي «منزل مليء بالقطط». كما تتيح للجمهور لقاء الكتاب، بشكل مباشر، دون أي حواجز أو وسائط.

Email