أسهمت في إثراء الحركة الثقافية والنهضة الفكرية

المطابع المصرية.. منابر التنوير في قلب الشرق

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أكثر من ثلاثة قرون، شهدت مصر غزواً حربياً من القوات الفرنسية، بقيادة نابليون بونابرت، تواكب معه غزو من نوع آخر، غزو ناعم، اعتمد على اصطحاب قائد الحملة الفرنسية آلات طباعة، لتكون وسيلة الغزو الإعلامي لمخاطبة المصريين والتأثير فيهم، وبعدها بسنوات انطلقت مطبعة بولاق أو »المطبعة الأهلية«، لتمثل الباب الواسع الذي دخل منه العرب إلى النهضة الحديثة في عالم الكلمة المطبوعة، ومن ثم تتابع ظهور العديد من المطابع الرسمية والأهلية لتتحول العاصمة المصرية إلى منبر تنويري في قلب العالمين العربي والإسلامي.

والواقع أن المطابع في مصر لها تاريخ عريق، يواكب الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798، التي أدرك خلالها بونابرت أن الدعاية من أهم الأسلحة، التي تعينه على كسب قلوب المصريين، ومن ثم أعد العدة لحملة دعاية قوية وطد أركانها بمطبعة حملها معه لتساعده في ما يرمي إليه.

المطبعة الأهلية

كما حرص القائد الفرنسي الشهير على تزويد المطبعة، التي حملها معه إلى مصر بالحروف العربية، واليونانية، والفرنسية، وفي السادس عشر من شهر مارس سنة 1798م اتخذت الحكومة الفرنسية قراراً بتعبئة كل ما يحتاج إليه بونابرت، بما في ذلك الحروف العربية، والفرنسية، واليونانية الموجودة في مطبعة الجمهورية، وقد انقسمت المطابع الرسمية للحملة إلى قسمين: شرقية، يرأسها إيليا فتح الله من ديار بكر، وفرنسية، ويرأسها يوحنا يوسف مارسيل، وأطلق على المطبعة الرسمية بقسميها 3 أسماء رسمية، فعرفت أثناء إبحارها بـ»مطبعة الجيش البحرية«، فلما وصلت الإسكندرية سميت »المطبعة الشرقية الفرنسية«، وحينما استقرت في القاهرة سميت باسم »المطبعة الأهلية«.

المطبعة الشرقية

وبعد أن تم احتلال الإسكندرية، وقبل أن يتم الزحف على القاهرة في 7 يونيو أصدر نابليون أمراً بإنزال المطابع الفرنسية والعربية واليونانية إلى البر، وبأن توضع في منزل قنصل البندقية، بحيث يمكن الطبع بها في ظرف 48 ساعة، وخرج أول مطبوع في مصر، وهو الطبعة الثانية لبيان الحملة المكتوب باللغة العربية، الذي تحمل نسخته هذه العبارة: في الإسكندرية من المطبعة الشرقية والفرنسية.

ثم رحل نابليون إلى القاهرة، تاركاً المطبعة العربية في الإسكندرية، حيث قام يوحنا مارسيل بنشر أبجدية عربية وتركية وفارسية ،طبعها في المطبعة الشرقية الفرنسية، وتمرينات بالعربية الفصحى للمبتدئين، ثم غادر الإسكندرية إلى القاهرة في أكتوبر 1798م.

وظل مقر المطبعة الشرقية بمدينة الإسكندرية إلى نهاية 1798، حيث ظلت هي المطبعة الوحيدة في مصر، التي تطبع بالعربية، إذ إن نابليون كان يستخدم مطبعة مارك أوريل في القاهرة للطباعة باللغة الفرنسية، ويرسل إلى المطبعة الشرقية بالإسكندرية للطباعة باللغة العربية.

توسع

وابتداءً من 14 يناير 1799 أصبحت المطابع الثلاث في القاهرة، حيث باع مارك أوريل مطبعته للحكومة الفرنسية، وفي اليوم نفسه أصدر نابليون أمراً بتنظيم الطباعة، وتعيين المسؤولين عن سياسة المطبوعات فيها، ويتضح لنا من خلال هذا الأمر مدى الرقابة الصارمة والشديدة، التي فرضها نابليون على المطبعة، بحيث لا تصدر عنها مطبوعات بغير علم القيادة، أو تذيع ما من شأنه أن يمس النظام، أو يسيء إلى الرأي العام الفرنسي أو المصري.

أما عن مكان المطبعة بالقاهرة فقد كانت دائماً ملازمة لمعسكرات الجيش، وعندما ثارت القاهرة في 1798م نقلت المطبعة إلى الجيزة، ولكنها عادت إلى القاهرة بعد أن أخمدت الثورة، ونقلت في النهاية إلى القلعة.

وعلى شاكلة المطبعة الفرنسية ظهرت مطابع أخرى، مثل التي أسسها محمد علي، ومطبعة البريد المصري، وكانت الأولى في مختصة طباعة البريد في الشرق، كذلك مطبعة دار الهلال، ودار المعارف.

مطبعة بولاق

من أوائل المطابع مطبعة مطبعة بولاق، حيث قرر محمد علي إنشاءها في عام 1820، وتم افتتاحها رسمياً في عام 1821، وتم طباعة أول الكتب في 1822.

وعن دوافع إنشاء المطبعة كانت لطباعة الكتب للدارسين في الجيش، وذلك بعد إرسال محمد علي لبعثة إلى مدينة ميلان الإيطالية، لتعلم فنون الطباعة، وترأسها نيكولا المسابكي، حيث كان لا بد من توفير يد عاملة مصرية محلية، تتقن فن الطباعة لتوفير الوقت والجهد والمال، بدلاً من اللجوء إلى الغرب لتوفير الكتب.

دار المعارف

استمرت علاقة المصريين بالكتب تزداد أهمية وعمق، حيث أنشأ نجيب متري مطبعته الخاصة التجارية عام 1890، وكانت في الطابق الأرضي من منزل كبير في الفجالة، كما اشتهر الشارع بشارع المطابع.

واستمرت دار المعارف في التوسع، حيث تم إنشاء مكتبة موجودة حتى الآن تعرف بمكتبة دار المعارف، وأصبحت مؤسسة متكاملة من مكتبة ومطبعتها، وأصبحت الكتب الصادرة منها تعرف باسم »إصدارات دار المعارف«، وأثرت الدار المكتبة العربية بآلاف الكتب لكبار الكتاب من أمثال محمد المازني، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، وعائشة عبد الرحمن، وغيرهم من المبدعين في شتى المجالات.

دار الهلال

دار الهلال إحدى أشهر الدور المصرية للطباعة والنشر، ويعود تاريخها إلى عام 1892، وتعتبر مؤسسة ثقافية صحافية متكاملة، تصدر مجلة الهلال، التي تزامن صدورها مع إنشاء المطبعة، وكتب افتتاحية المجلة جورجي زيدان، وأصدرت الدار أيضاً مجلة المصور في عام 1924، وشارك في رئاسة تحريرها عدد من مفكري ومثقفي مصر أمثال فكري أباظة، وعلي أمين، وأحمد بهاء الدين، وأمينة السعيد، ونقيب الصحافيين السابق مكرم محمد أحمد، كما أسهمت الدولة في إنشاء مطابع البريد المصري، التي تعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، حيث تعود نشأتها إلى عام 1959، وتم افتتاحها عام 1961.

مساهمة

دور ريادي على مدى قرون

 

رئيس غرفة الطباعة السابق باتحاد الصناعات المصرية أحمد عاطف، أشار إلى أن المطابع المصرية لها تاريخ طويل يمتد إلى قرون، وهو ما يدل على ريادة مصر في هذا المجال الثقافي والمعرفي المهم.

وأثنى على دور هذه المطابع، التي واكبت العصور والتطورات، مشيراً إلى أن المعدات والماكينات، التي تتمتع بها هذه المطابع أسهمت عبر مئات السنين في إثراء الحياة الثقافية والفكرية والعلمية، وشكلت كياناً مهماً لنشر المعرفة في مصر، ودول العالم العربي، والإسلامي.

 

تطور

بولاق.. صرح معرفي للارتقاء الثقافي والفكري

 

مطبعة بولاق وصلت لطباعة أكثر من 300 كتاب في عام 1850 في مختلف المجالات الفنية والثقافية والعلمية، كما كان لها دور مهم في البعثات المرسلة للخارج، واستمر تاريخها حتى يومنا هذا، خاصة مع الاهتمام البالغ للخديوي إسماعيل بفكر التنمية الثقافية والاطلاع على مكتسبات الغرب، للارتقاء بروح وفكر المواطن المصري.

وهذه المطبعة تعرف الآن بـ»الأميرية«، افتتحها الرئيس السادات عام 1979 في مبنى جديد ومجهز بكامل التجهيزات والمعدات المطلوبة، لتظل صرحاً كبيراً في عالم الطباعة المصرية.

ومع مرور الأيام توفر للمطبعة العديد من المعدات التي أسهمت بدورها في إثراء الحركة الثقافية في مصر، وكثر عدد المثقفين ورواد المعرفة، ما أسهم في توسع المطابع وزيادة المطبوعات والكتب المنشورة.

Email