الأداء الإعلامي يقع في مطب السلبيات حين يغلّب كفة الترفيه

«من سرق الأنباء».. إضاءات بحثاً عن الموضوعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

سنوات ليست بالقليلة مرت على صدور هذا الكتاب، اختار له مؤلفه عنواناً صحافياً مباشراً، وجارحاً أيضاً، وقد صاغه في عبارة رئيسية هي: «من سرق الأنباء»؟

بعدها يمضي المؤلف في محاولة دؤوبة، وأمينة كما تراها، في التماس إجابة بل إجابات، عن هذا السؤال، عبر 18 فصلاً شكلت محتويات هذا الكتاب.

وعمد المؤلف مورت روزنبلوم إلى استخلاص الكثير من الدروس المستفادة من واقع السنوات الطوال التي أمضاها في مهنة الصحافة، ولا سيما عندما كان مراسلاً خاصاً لوكالة «الأسوشيتد برس» في مكتب الوكالة بالعاصمة الفرنسية باريس، ومن ثم جاءت قدرته على التجوال عبر مختلف عواصم العالم، وخاصة عبر السنوات الأخيرة من القرن العشرين.

وللوهلة الأولى، نلاحظ كوننا قارئين أن النغمة الرئيسية التي تصدر عنها مقولات كتابنا إنما تتمثل في رؤية المؤلف بأن سلبيات الأداء الصحافي- الإعلامي في زماننا ما زالت تتمثل في ما يدور في دنيا الإعلام المعاصر، حين ينحو نحو التركيز على جانب «الترفيه»، وذلك على حساب موضوعية التزويد بالأخبار- المعلومات، دع عنك الجانب المهم الآخر، وهو التوعية أو التثقيف.

والمعنى بالطبع، هو أن مهنة الصحافة والإعلام في مرحلتنا الراهنة تهاوت إلى حيث التخلي عن الثلاثية الذهبية المعروفة في علوم الإعلام والاتصال الجماهيري، والتي تتمثل في المهام الثلاث المحورية الآتية: الأخبار «Information»، التوعية - التثقيف: «Education»، الإمتاع - الترفيه: «Entertainment».

وبديهي أن الغايات الثلاث لا بد أن تكون متداخلة، بمعنى أن يخدم بعضها بعضاً دون احتكار أو تحّيز أو انفصال.

وربما تزداد أهمية هذه النوعية من الكتب في ظل ما بات متداولاً في الفترة الراهنة، وفي قطاعات الإعلام الأميركي بالذات، من أنماط وحالات التضارب والارتباك والخلط المحيّر بل التداخل المعيب بين الأفكار والمفاهيم، وهو ما جسدته العبارة التي صدرت أخيراً عن إحدى الناطقات باسم البيت الرئاسي الأميركي حين ردت على أحد الصحافيين قائلة: «نحن لدينا حقائق بديلة».

يعترف مؤلف الكتاب بما يصفه بأنه «الحكمة الشائعة» في مهنة الصحافة الأميركية بالذات، ومؤداها بأن قارئي الصحافة.

وربما، متابعي الإعلام المرئي والمسموع، باتوا يفضّلون قراءة ومتابعة الأخبار المحلية والمعلومات الوطنية -القومية- الداخلية على نظيرتها من الأخبار الخارجية- الدولية، ثم يضيف المؤلف إلى هذا الاعتراف سؤاله لأحد المحررين المخضرمين في الصحافة الأميركية حول المساحة التي يخصصها للأخبار الخارجية، فإذا به يفاجأ بالجواب التالي:

«ليست المسألة بالحجم أو المساحة التي نخصصها للخبر الخارجي- الدولي. المسألة تتعلق بما يمكن أن تضيفه أنت من جانبك إلى هذا الخبر أو تلك المعلومة، بغرض التأثير على قارئ تلك السطور».

وهنا يسوق المؤلف مثلاً يدعو بدوره إلى الحيرة والتساؤل بإلحاح شديد، حين يوضح أن معركة تنشب بين كلاب الشوارع في حي «بروكلين» الشعبي من نيويورك لا تفوق بداهة في أهميتها قيام ثورة في الصين، ومع ذلك فالمشكلة تتمثل كما يضيف المؤلف، في أن صراعات الصين المذكورة أعلاه لا تهم سوى نفر محدود من صفوة المفكرين أو الأكاديميين أو المحللين السياسيين.

، وهو ما لا يهم- يضيف المؤلف- جموع الجماهير العادية من الشعب الأميركي الذي يعيش محمياً من غوائل العوامل الخارجية متحصناً كما يتصور فوق يابسة تقع بين محيطين هما المحيط الأطلسي إلى الشرق والمحيط الهادي من الغرب، بيد أن المؤلف لا يلبث أن يعترف بأن إصلاح الحال ليس من قبيل المحال.

وهو يلخص الإصلاح في أهمية الربط بين الخبر أو المعلومة المنشورة عبر شتى وسائل الاتصال، وبين الحياة اليومية، بمعنى التي يخوض غمارها البسطاء من جماهير الناس.

ومن الأمثلة التي يسوقها في هذا المضمار ما أولته الجماهير الأميركية في مرحلة سبقت من اهتمام كان يشهده بلد كاريبي صغير ومغمور اسمه «غواتيمالا» من صراعات دموية لم يكد المواطن الأميركي يوليها بالاً، إلا بعد أن أدت تلك الصراعات إلى رفع سعر البن، ثم زيادة كسور الدولار التي كان يدفعها المواطن المذكور ثمناً لفنجان القهوة عند مطلع الصباح.

وفي السياق نفسه، يضيف المؤلف: «عندما ثار العمال البولنديون على حاكمهم في وارسو (في عقد الثمانينيات)، كان لذلك أصداؤه من التأثير على جموع العمالة في الطرق والمسالك السريعة بالولايات المتحدة ذاتها».

والمهم- في تأكيد مؤلفنا- أن تظل مهنة الصحافة وحرفة استقاء وعرض وتحليل الأنباء، تتحلى بروح أقرب إلى المسؤولية إن لم تكن إلى الرسالة التي تتوخى، كما أسلفنا، توعية وتثقيف جماهير المستقبلين، وإمتاعهم أيضاً، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.


الكتاب: مَن سرق الأنباء؟

المؤلف: مورت روزنبلوم

الناشر: مؤسسة ﭽون ويلي

عدد الصفحات: 297 صفحة

القطع: المتوسط

 

Email