حكايات ومحطات تاريخية في حياة الملكة «روكسلانا

إمبراطورة الشرق.. من سوق الرقيق إلى القصر »

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الثامن من مارس من كل عام، يحل الموعد الذي اختارته المنظومة الدولية لإعلان الاحتفال بما يوصف بأنه «يوم» المرأة أو هو «عيد» المرأة في أقوال أخرى.

والحاصل أن اليوم أو العيد المذكور يتيح السبيل أمام استعراض وتأمل سيرة النساء البارزات الشهيرات على مر التاريخ.

هنالك تستعيد المجامع الدولية سرديات الشهيرات، حيث تركت كل منهن بصمة واضحة وأثراً ملموساً في دفتر الكسب الإنساني، ومازالت سيرتها تشكل معْلماً بارزاً في الدفتر الزمني المذكور.

في هذا الإطار ترتسم في الذاكرة الإنسانية أسماء وألقاب ترتبط في سياقها «نون» النسوة مع «شين» الشهرة، وتتعانق على أديمها مفردات الحظوظ مع تصاريف الأقدار بالسلب أحياناً وبالإيجاب في أحيان أخرى.

هكذا مضت مسارات الحياة لسيدات شهيرات مازالت أسماؤهن لامعة وسِيَرهن متداولة على اختلاف الحقب الزمنية ومع تباين الثقافات والظروف والسياقات والحضارات.

ثم ها هي الدكتورة «ليزلي بييرس»، أستاذة التاريخ المرموقة في كبرى الجامعات الأميركية تعرض إلى قائمة النساء اللائي أتيح لهن القبض على، أو الاقتراب من مقاليد السلطة، بل والإمساك بصولجان الحكم عبر مراحل مختلفة من التاريخ: هي القائمة التي ضمت مثلاً من القاهرة «شجرة الدر» في الحقبة الأيوبية، وشملت قبلها من الإسكندرية «كليوباترا» في الحقبة البطلمية من حكم مصر.

ثم عمدت البروفيسور «ليزلي بييرس» إلى اختيار الدرس والتحليل لحقبة محورية أخرى في سياق تاريخ بلدان الشرق وهي الحقبة العثمانية التي دامت عدة قرون، ربما بدأت مع إنشاء تلك الدولة التركية في القرن الثالث عشر إلى حين زوالها عند بداية العقد الثالث من القرن العشرين.

هذه التصورات تبلورت في قصة حياة امرأة روتها أستاذة علم التاريخ في واحد من أحدث إصداراتها، وهو الكتاب الذي نعايشه في هذه السطور، حيث صدر تحت العنوان المثير التالي: «إمبراطورة الشرق» ثم يزداد العنوان إثارة بعد أن تضيف مؤلفة الكتاب عنواناً شارحاً آخر هو: «كيف أتيح لجارية أوروبية أن تصبح ملكة الإمبراطورية العثمانية».

وعبر المحتويات التي تجاوزت 350 من صفحات كتابنا، جهدت المؤلفة في سرد ومتابعة وتحليل سيرة «روكسلانا»: هي بطلة الحكاية المثيرة تاريخياً وسياسياً التي شاءت لها أقدارها أن تولد في أصقاع منطقة تعرف باسم «روثنيا»، وهي منطقة تتوسط حالياً كلاً من بيلاروس (روسيا البيضاء) وأوكرانيا في شرقي القارة الأوروبية.

وكان ذلك على مدار الفترة التي امتدت من مطالع القرن السادس عشر وحتى انتصاف القرن المذكور.

لا تتردد مؤلفة كتابنا في تأكيد أن الاسم الأصلي لبطلة كتابها أصبح مفقوداً. وهكذا خلع عليها الأوروبيون اسم «روكسلانا» الذي دخلت به التاريخ كما قد نقول بدلاً من اللقب الذي شاع إبّان الفترة المذكورة أعلاه، وهو: «فتاة روثنيا».

هي الفتاة، (بالأدق الطفلة الشرق – أوروبية) التي اختطفها تجار الرقيق التتار، ولمّا يتجاوز عمرها الثالثة عشرة، وحملوها إلى سوق النخاسة في اسطنبول، ولكن رسمت لها الأقدار أن يضموها إلى حريم السلطان في عاصمة الإمبراطورية العثمانية التي كانت وقتئذ في أوج مجدها، حيث كان على رأسها السلطان سليمان القانوني.

وتوضح مؤلفتنا كيف أن الصبية الأوروبية لم تكتف بمجرد كونها جارية في صفوف الحريم: لقد قررت أن تطور نفسها. عكفت على تعلّم وإجادة اللغة التركية..

وبدأت مهاراتها ومواهبها تتجلى، فكان أن خلعوا عليها ألقاباً وأوصافاً تدل على نجابتها وخفة روحها. وكان أن اجتذبت اهتمام السلطان سليمان الذي جعلها المحظية رقم واحد في بلاطه، فكان أن أنجبت له أول أبنائه الذي حمل اسم «محمد» وأول بناته التي حملت اسم «مِحْرمة».

وتتوقف فصول الكتاب عند عام 1532 بالذات، وهي السنة التي شهدت إنجاب المرأة القادمة من شرق أوروبا طفلها السادس من أبناء السلطان، الذي لم يلبث أن أعلن زواجه الرسمي من «روكسلانا» التي تصفها المؤلفة أيضاً بأنها كان لها أكبر تأثير وأهم نفوذ لدى أعظم سلاطين الدولة العثمانية عبر تاريخها الطويل.

والحق أن الدكتورة «ليزلي بييرس» بذلت جهوداً حثيثة ومتعمقة في سياق بحثها الأكاديمي في بحث جوانب حياة الزوجة السلطانية المذكورة أعلاه، فكان أن عكفت على تدارس رسائل «روكسلانا» وتعليماتها إلى المبعوثين الأتراك في داخل الإمبراطورية وخارجها بل وخطاباتها الشخصية أيضاً.

في عام 1558 رحلت «روكسلانا» عن دنيا الأحياء بعد أن استطاعت خلال سنوات عمرها، التي تابعتها فصول كتابنا بالسرد والتحقيق والتحليل، أن تضفي تغييرات حاسمة في تصور مؤلفة الكتاب على وضعية المرأة في البلاط العثماني الإمبراطوري المطل على ضفاف البوسفور:

من مجرد دمية أو محظية أو تابعة ضمن صفوف الحريم، إلى حيث تمتعت حرم السلطان «سليمان القانوني» بمركز تأثير فاعل ومحوري ضمن مؤسسة الحكم في اسطنبول، وخاصة بعد أن أصبحت، وفي خطوة غير مسبوقة -كما قد نقول- الملكة الأولى، بل والوحيدة، في تاريخ البلاط العثماني.. بل تضفي المؤلفة على السيدة المذكورة فضل بدء إمبراطورية «بني عثمان» في استهلال المسيرة نحو التمدين والتحديث.

فكان أن ظلوا يصنّفون مسلكيتها وقدراتها وسيرتها في نفس الإطار التاريخي الذي يضم شهيرات النساء المعاصرات في ذلك التاريخ: بدءاً بكاترين دي مديتشي في فرنسا، وليس انتهاء بإليزابيث ملكة إنجلترا التي عاصرها «ويليام شكسبير» ولايزال المؤرخون ينسبون إلى اسمها حقبة الازدهار في تاريخ الإبداع الفني والأدبي في أرض الإنجليز.

الكتاب: إمبراطورة الشرق

المؤلفة: ليزلي بييرس

الناشر: مؤسسة بيزك بوكس

الصفحات:

329 صفحة

القطع: المتوسط

Email