«الهندي» ساحة نزاعات قادمة متعددة الأطراف

محيطات وبحار وصراعات تاريخية ومستقبلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

Ⅶمحمد الخولي

هي كرة مستديرة.. فوق أسطحها تنداح مساحات من اليابسة التي تتوزع إلى قارات وأقطار، فيما تطفو فوق معظم هذه الأسطح مساحات مترامية من المياه، التي تتوزع بدورها إلى محيطات وبحيرات وأنهار وبحار.

هكذا أبدع الخالق سبحانه وتعالى كوكب الأرض. وهكذا قُيّض لسكان الكوكب أن تجمع حياتهم بين بيئة الأرض وساحات البحر المحيط.

وفيما ظلت الأرض المستوية ساحة لصراعات البشر؛ فوق ترابها يتحاربون ويصطرعون، ظلت المحيطات بدورها ساحات لمصادمات وحروب البشر على نحو ما سجلته دفاتر التاريخ على امتداد ما وعته سجلات التاريخ من معارك وصراعات. وفي ضوء هذه الخلفية، يُصدر القائد البحري الأميركي، الأميرال جيمس ستافريديس واحداً من أحدث مؤلفاته تحت العنوان التالي: القوة البحرية: تاريخ محيطات العالم وجغرافيتها السياسية.

جمعت صفحات الكتاب ومقولاته بين متابعة لتاريخ المعارك والصراعات البحرية في عالم البشر، واستعراض واستيعاب الجوانب الجيو- سياسية المستخلَصة من واقع العِبَر والتاريخ المستقاة بدورها من تلك المعارك والصراعات.

وبعقلية المحارب القديم المحنّك، يقسّم المؤلف مضمون الكتاب إلى 9 فصول نعرض لها في إيجاز على النحو التالي: أولاً: الباسيفيكي (الهادئ) أو المحيط الأم لسائر محيطات العالم. ثانياً: الأطلسي.. مهد المدّ الاستعماري. ثالثاً: الهندي.. بحر المستقبل. رابعاً: البحر الأبيض المتوسط: الموضع الذي شهد بداية الحروب البحرية في التاريخ. خامساً: بحر الصين الجنوبي.. منطقة الصراع المرجَّح نشوبه في المستقبل. سادساً: البحر الكاريبي.. رقعة راكدة في الزمن الماضي. سابعاً: المحيط القطبي.. الوعْد والخطر. ثامناً: بحر الخروج على القانون.. المحيطات بوصفها مسارح لارتكاب الجرائم. تاسعاً: أميركا والمحيطات.. استراتيجية بحرية للقرن الواحد والعشرين.

يستهل المؤلف طروحات كتابه في سطور تصدير يوضح نوعية الحياة التي عاشها الأميرال ستافريديس ضابطاً بحرياً فوق ظهر السفن الحربية، وأحياناً المدنيّة.. محدقاً في ساحات المياه الممتدة بلا حدود.. ومتأملاً في أجواز الفضاءات التي تحفّ بالبحر، حيث المسطح المائي والفراغ الرهيب الذي تغطيه السماوات، وحيث تصطرع وسط هذه الأجواء جموع التجّار وفلول القراصنة وطواقم البحارة وجماعات الصيادين، ومن على شاكلتهم من أفواج البشر الذين يمثل كل منهم عيّنة من تلك الوشيجة الفريدة التي تربط بين البحر والإنسان.

ومن منظور التفصيل، يبين المؤلف كيف كان المحيط الهادئ مسرحاً لأخطر ضربة تعرضت لها الولايات المتحدة، وتمثلت في التدمير الكامل لأسطولها الرابض أيامها في مياه «بيرل هاربور» في المحيط الباسيفيكي. وجاءت الضربة على يد مقاتلي اليابان في ساعات الصباح من يوم 7 ديسمبر 1941، وكانت إيذاناً بدخول أميركا طرفاً خطيراً في الحرب العالمية الثانية. أما الأطلسي فهو المحيط الذي يحف بالقارة الأوروبية، وتحديداً من غربها، ويصفه الكتاب بأنه الطريق البحري الذي أوْصل فلول المد الإمبريالي الأوروبي من أجل استعمار واستغلال قارتيْ أفريقيا وآسيا على السواء.

ثم هناك المحيط الهندي حيث يرصد المؤلف المراحل المبكرة من تجارة المحيط الهندي، وخاصة تلك التي ربطت بين حضارات الزمن القديم عبر المحيط المذكور، وفي مقدمتها: حضارات مصر وفارس واليونان. والمحيط الهندي هو ساحة المستقبل على نحو ما يراه مؤلفنا، على ضوء ما يفور به حالياً من صراعات ظاهرة وباطنة بين قوى عديدة من دواخل اليابسة ومن سطح المحيط.

ويرتبط بهذه الصراعات ما سبق وشهده البحر الأبيض المتوسط من معارك وصراعات على مرّ العديد من الحِقب الزمنية التي ما زالت مسجلة في دفاتر التاريخ.

وحين يتحول منظور الكتاب إلى أقاصي القارة الآسيوية، يركّز الحديث على بحر الصين الجنوبي الذي يتوقع له المؤلف أن يكون ساحة لصراعات محتملة، بل هي مرجَّحة، وخاصة بين الصين بكل طموحاتها وأميركا.

Email