غياب ثقافة التعلّم من التسرّب النووي يهدد أمن عالمنا

كارثة فوكوشيما والدروس المستفادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

العقل هو المَلَكة (بفتح اللام)، التي تجعل الإنسان قادراً على مشارفة الخطر المحدق بكيانه وبحياته، ومن ثم تدفعه إلى تجنّب معاودة الانزلاق في هذا الخطر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. والمعنى بداهة، قدرة البشر على أمر جوهري يلخصه كتابنا الجديد في العبارة التالية «العنوان»: التعلّم من كارثة.

ولكي لا يظل الحديث في طور التنظير، فإن الكتاب يضع قارئه على مشارف حادثة - كارثة ما زالت تخلّف آثارها الخطيرة والوخيمة.. وفي هذا يتابع عنوان الكتاب قائلاً:

- تحسين السلامة والأمان النووي بعد فوكوشيما.

والمقصود بداهة، هو كارثة التسرب الإشعاعي الذي عصف باليابان من مفاعل فوكوشيما، وكان ذلك بتاريخ 11 مارس عام 2011.

وقعت الكارثة المذكورة إثْر زلزال ضخم نجمت عنه أمواج تسونامي المحيطية المعروفة، ما أدى بدوره إلى إتلاف محطة توليد الطاقة الكهربية الواقعة على الساحل الياباني للمحيط الهادئ، ومن ثم جاء تسرّب الإشعاع من المفاعل النووي في تلك المنطقة من شمالي اليابان، ما دفع نحو 150 ألفاً من السكان إلى النزوح طلباً للنجاة من أضرار الإشعاعات الذرية بكل فداحتها.

وبعد هذه السنوات الست على تلك الحادثة - الكارثة الخطيرة، يصدر الكتاب الذي نعايشه في هذه السطور. والكتاب من إعداد البروفيسور سكوت ساغان، المتخصص في العلوم السياسية، وزميله البروفيسور إدوارد بلانفورد، أستاذ الهندسة النووية في جامعة نيومكسيكو في الولايات المتحدة الأميركية.

يتميز هذا الكتاب بأنه يشكل ثبتاً جامعاً بين أفكار وتصورات عقول من اليابان وأميركا، يصدر أصحابها من العلماء والباحثين عن رغبة عميقة في تدارس ما انطوت عليه كارثة فوكوشيما، ويتناولون عناصرها ومشاهدها ومآلاتها من زوايا متباينة، فمن بين صفوفهم أساتذة في علم السياسة.

وهناك أيضاً مهندسون متخصصون في الأنشطة النووية ومؤرخون وفيزيائيون، وقد وضعوا نصب أعينهم تدارس أحوال التفاعلات المركبة والمعقدة بين ضمانات السلامة النووية (أسباب وعواقب الحوادث ذات الصلة) والمخاطر التي ما برحت تهدد الأمن النووي، (وخاصة ما يتعلق منها باحتمالات مخططات التخريب أو هجمات الإرهابيين وما في حكمها).

وفي تصورنا، فإن مثل هذه النوعية من الكتب إنما تشكل مصدراً مرجعياً جمّ الفائدة بالنسبة لنا في العالم العربي، ما بين مخططي السياسة وأهل الاختصاصات المتنوعة من العلماء إلى طلاب الدراسات العليا.. ومن هم على أبواب التخصص في مجالات الطاقة النووية في الوطن العربي الكبير.

ومن الدروس المستفادة أيضاً، ما يطالعه قارئ هذا الكتاب عندما يعلم أن هناك من كبار العلماء والاختصاصيين في المجال النووي، من أمضى أكثر من 4 أعوام عضواً في فريق متخصص في استخلاص واستيعاب الدروس المستفادة من حادثة فوكوشيما الكارثية، على نحو ما تؤكده إفادة البروفيسور فرانك هيبل، الأستاذ في جامعة «برنستون».

في مقالته التحليلية التي أعدها من أجل هذا الكتاب الذي يعرض صاحباه، عبر الفصول والصفحات للدراسات التي شاركت فيها أطراف يُعتد بفكرها وخبراتها من اليابان وأميركا، وأشارت إلى نقطة محورية في السلوك الياباني تجاه تأمين المفاعلات النووية وما في حكمها. وهذه النقطة يمكن تلخيصها في ما يلي:

• اليابان ظلت تركز - في مضمار تأمين المفاعل النووي - على العنصر الداخلي بمعنى عنصر التشغيل والتحريك، وبمعنى عنصر دوران الآلات وحركة التروس وأداء الصنابير وما في حكمها.

والمعنى أيضاً أن الطرف الياباني لم يركز كما ينبغي، على عنصر الخطر الآتي من الخارج.. وفي ما يتعلق بهذا الخطر الخارجي انطلق الجانب الياباني من فكرة تتلخص في ما يلي: اليابان تقع عند حواف الطرف الشرقي من الكرة الأرضية، ولا يتهددها هجوم إرهابي أو خطر تخريبي يُسدد إلى أراضيها من جماعات أو فلول الإرهابيين، على نحو ما باتت تشهده في الآونة الأخيرة مواقع وأقطار في أوروبا الغربية أو الشرق الأوسط أو حتى أصقاع القارتين الأفريقية والأميركية.

لكن يجدر التساؤل عن الاحتياطات الواجبة في حال حدث هجوم من الخارج وأدى إلى كارثة الخلل في مفاعل فوكوشيما.

والخلاصة التي تصل إليها محتويات هذا الكتاب، هي:

ضرورة التعامل بصورة أشمل ورؤية أوسع، مع عوامل الأمن وأسباب الأخطار أياً كان مصدرها ومسبباتها، وهو ما يقتضي مواصلة اتخاذ وتفعيل إجراءات السلامة والأمن من جميع جوانبها. وتدعو مقالات الكتاب إلى عدم الاقتصار على جوانب ظواهر الاعتلال الصحي الناجم عن الحوادث النووية.

فالأفضل والأهم هو المبادرة إلى فحص الأغذية التي يمكن أن تصاب بالتلوث، وخاصة تلك المقَّدمة إلى أطفال المدارس، ما يؤثر بصورة فادحة السلبية في أوضاعهم الصحية، بل في أحوال الصحة العامة بشكل شامل، وخاصة أن سنوات المستقبل.

كما تؤكد مقولات الكتاب أيضاً، تنبه إلى ما هو متوقع في الفترات المقبلة، من زيادة في عدد ونشاط المفاعلات النووية في العالم، بكل ما تحفل به من إمكانات هائلة وأحياناً غير مسبوقة في خدمة تنمية الشعوب، وأيضاً بكل ما تنطوي عليه - بالمنطق نفسه، وبحكم التعريف - من أخطار تلحق بالإنسان والبيئة على حد سواء.

الكتاب: التعلّم من كارثة.. تحسين السلامة والأمان النووي بعد فوكوشيما

المؤلف: سكوت ساغان وإدوارد بلانفورد

الناشر: جامعة ستانفورد، كاليفورنيا

الصفحات:

232 صفحة

القطع: المتوسط

Email