أميركا: أرض الفانتازيا..عن خطورة الحقائق البديلة والأخبار المصطنعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«فانتازيا»: كلمة يعرفها ويرددها قاموس الإنجليزية. وأصولها الإغريقية واللاتينية تدل على سيل متدفق من المعاني التي تشير في مجموعها إلى الأفكار والأوضاع المرتبطة بالأحلام والأخيلة والمبالغات ومجافاة الحقيقة الموضوعية ومخالفة أبعاد الواقع الحقيقي المُعاش.

من هنا جاء اختيار الإعلامي الأميركي «كيرت أندرسون» عنواناً لكتابه الصادر مؤخراً تلخصه الكلمة التالية:

أرض الفانتازيا (فانتازي لاند)

وبديهي أنه يقصد من العنوان معنى أن الولايات المتحدة بلد تتسم مسيرته، وتاريخه بقدر يراه المؤلف الأميركي المذكور متسماً بالتخبط ومن ثم الابتعاد عن ضفاف الحقيقة ومفارقة المنطق الموضوعي في التعامل مع الأمور.

يوضح «أندرسون» أن السنوات الخمسمئة التي يشملها تاريخ أميركا قد انطوت على ما يصفه «أندرسون» بأنه نزعة الأخبار المصطنعة (Fake News) أو المزيفة.. يستوي في ذلك منطق المؤسسين للولايات المتحدة وهم الحالمون الخياليون الذين قصدوا شواطئها منذ خمسة قرون أو نحوها، بقدر ما تستوي ـ كما يضيف مؤلفنا أيضاً ـ زمرة اليمين المتطرف حالياً، الذين يحلمون بأميركا التي يسودها ذوو البشرة البيضاء بعيداً بالطبع عن أصناف البشر الآخرين سواء كانت بشرتهم سمراء أو صفراء.. لا عجب إذن أن تحمل أهم صنعة مربحة في أميركا اسماً لا يخطئه أي إنسان في العالم وهو: السينما.

وهي ـ بحكم التعريف -، فانتازيا الخيال وساحة الأحلام التي تتجاوز حدود المنطق والعلم والواقع والموضوعية في آن معاً.

في هذا السياق يخلص مؤلف هذا الكتاب إلى أن يقول:

من البداية جاءت نزعتنا إلى تكريس الفردية المتطرفة فارتبطت بأحلام وفانتازيات أقرب إلى ملاحم الخيال. وفي هذا الإطار أصبح كل مواطن حراً في أن يعتقد تماماً في أي شيء يروق له.

من هنا فقد جاء هذا الكتاب ليدفع المحللين والنقاد إلى القول بأنه صدر في اللحظة المناسبة .. لماذا؟.. لأنه يكشف في تصورهم عن الحالة الراهنة التي باتت تشهد شحوباً، إن لم يكن اختفاء الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم، وهي ظاهرة يرونها أمراً خطيراً بالنسبة للسياسة والثقافة في أميركا - القرن الواحد والعشرين.

ثم تطالع القارئ والمحلل أيضاً ـ مصطلحات تحفل بها فصول هذا الكتاب ومنها مثلاً ما يلي:

.. الأخبار الزائفة

.. ما بعد الحقيقة

.. الحقائق البديلة

وكلها لا تعبر بداهة عن الصدق الخالص ولا عن الواقع الموضوعي، وإنما هي حقيقة يصفها المؤلف بأنها الواقع الذي يتم تجهيزه ومن ثم تشكيله حسب الأحوال أو فلنقل يجري تكييفه حسب الظروف.

ويسترسل مؤلف الكتاب مخاطباً قارئه قائلاً:

هكذا أصبح من حقك أن تؤمن بوجود الملائكة، في حين لا يؤمن جارك سوى بالأطباق والأجسام أو الكائنات الطائرة، بل ويصبح من حق السياسية ذات البشرة البيضاء «راشيل دوليزال» أن تؤكد قناعتها بأنها.. سوداء (!)

ثم يستطرد مؤلف الكتاب شارحا مجموعة من المسائل في هذا الصدد، قائلاً:

هكذا كان طبيعياً أن يفضي هذا الوضع إلى إعطاء رئيسنا (ترامب) الحق في الإصرار على أن حشود مؤيديه كانت أكبر عدداً وأشد بأساً من كل منافسيه..

وعلى عكس ما هو متصوَّر، يمضي «كيرت أندرسون» ليستعرض الحكايات.. الأوهام.. الأساطير بل الخرافات التي يحتشد بها الواقع الأميركي: ما بين حكاية شجرة الكرز التي نسبوها إلى زعيمهم التاريخي «ﭽورﭺ واشنطون» حين كان طفلاً وأقدم على قطع شجرة كرز في حديقة المنزل.. لم يره أحد ولكنه بادر إلى الاعتراف بالذنب أمام والده قائلاً:

الصدق أهم عندي من أي شيء.. أنا الذي ارتكبت هذا الخطأ.

ومن طرائف هذا الكتاب أيضاً اعتراف المؤلف بأنه خلال سنوات نشأته (الخمسينات والستينات) فهو يتذكر أنه قلّما كان يرى في ضاحية «مانهاتن»- نيويورك سيدة فوق الخمسين إلا ويتسم لون شعرها إما بالمشيب رمادياً أو أبيض الخصلات. ولم يكن في مانهاتن وقتها سوى 8 فقط من أطباء جراحة التجميل.. لكنه عاش ليرى ما يصفه بأنه انفجار جراحات التجميل وهي ظاهرة يصفها المؤلف في عبارة يقول فيها:

عندما شرعت أميركا في صياغة أوهامها القومية لحفظ الشباب الدائم..

على الجانب الآخر من هذا الاتجاه الذي تسير فيه مقولات هذا الكتاب من حيث اتهام مجتمعه الأميركي بحكاية الاستسلام إلى أوهام أو حياة الفانتازيا كما يسميها، نلاحظ من جانبنا ـ كقارئين - أن المؤلف لا يلبث يلتزم أيضاً نهج الاحتراز العلمي حين يقول أن للمرء الحق في اعتقاد ما يتراءى له من أفكار أو ما يسنح له من تصورات بل وما قد يساوره من حقائق تقوم على تصورات الفانتازيا، بشرط أن لا تنطوي هذه التصورات على إلحاق الأذى بالآخرين.

أميركا: أرض الفانتازيا

الكتاب:

أميركا أرض الفانتازيا

المؤلف:

كيرت أندرسون

الناشر:

راندوم هاوس

الصفحات:

462 صفحة

القطع:

المتوسط

Email