البروباغاندا وأنساق تأثيراتها وتلاعبها

فاعليتها غدت أخطر مع تبنيها سبلاً دعائية أشد ذكاء وأرق أسلوباً

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يرد ذكرها.. تستدعي الذاكرة المعاصرة إسم «جوبلز»: كان الوزير المسؤول عن نشر أفكار الزعيم النازي «أدولف هتلر».. بل عن «تزيين» تلك المقولات والافتراءات التي ظلت منذ الثلاثينات وحتى منتصف الأربعينات تستخدم الراديو للترويج لأفكار «هتلر» التي كانت تصدر عن موقف، مرفوض أصلاً من الإستعلاء العنصري الذي كان يرفع من شأن الجنس الآري- الأوروبي الأبيض على حساب سائر الأمم وجميع الشعوب.

هنالك ارتبط اسم «جوبلز» بنشاط ترويجي حمل من يومها الاسم التالي:

البروباغاندا

وهي كلمة ترجع في اشتقاقها إلى أصول في اللغة اللاتينية بمعنى النبات كثير الغصون والأوراق.. ومن ثم ارتبط الاشتقاق بمعنى الترويج والتوسع والامتداد والانتشار.

وبصرف النظر عن حكاية النبات اللاتيني ومعناه الكلاسيكي القديم، فقد انتشرت في دنيا «البروباغاندا» وهي «الدعاية» في ترجمتها العربية مقولة «جوبلز» النازي نفسه التي لخصّتها عبارة شيطانية تقول بما يلي:

حجب الحقيقة أكثر فعالية وتأثيراً من نشر الباطل.

والمعنى يشير بداهة إلى أن أخطر ما تنطوي عليه الدعاية- البروباغاندا إنما يتمثل في حجب الحقائق عن جماهير المستقبلين، وهو ما ينطوي بحكم التعريف أيضاً على التلاعب بجوهر الحقيقة أو تشويهها والخلط بينها وبين الزيف أو الباطل.

هذا «التلبيس» الدعائي كما قد نسميه هو ما اهتم بدراسته وتحليله الأكاديمي الأمريكي الشاب البروفيسور «جاسون ستانلي»، أستاذ علم الفلسفة بجامعة «ييل» في كتابه الصادر تحت العنوان التالي:

كيف تعمل الدعاية

ويتمثل المنطلق الأساسي لمقولات هذا الكتاب فيما يذهب إليه المؤلف منذ الصفحات الأولى حين يقول: إن ديمقراطيتنا التي نمارسها اليوم إنما تؤثر عليها أو تشوبها (وربما تشوهها) الحملات السياسية وقوى الضغوط المصلحية (جماعات اللوبي) ومعلقو قناة «فوكس نيوز» (المؤيدة للسيد دونالد ترامب مرشحاً ورئيساً).

أهداف البروباغاندا

بعدها يمضي المؤلف موضحاً أن الهدف من هذه الجهود الدعائية إنما يتمثل في أمر جوهري هو:

التأثير على الطريقة التي نفكر بها ونحلل من خلالها مختلف القضايا السياسية. صحيح أن هناك (في أمريكا والمجتمعات الديمقراطية) من يتصور أن الدعاية البروباغاندا لا تمثل مشكلة بالنسبة لنا، على نحو ما كانت تؤثر به مثلاً في مجتمعات النظم الشمولية الاستبدادية التي شهدتها حقبة القرن العشرين (يقصد بالذات نظام هتلر النازي في ألمانيا ونظام موسوليني الفاشستي في إيطاليا): لكن الحاصل أن اسلوب البروباغاندا لايزال له تأثيره وفعاليته، خاصة بعد أن عمد، وربما نجح، ممارسوه في اصطناع واستخدام سبل دعائية أشد ذكاء وأرق اسلوباً من تلك الأساليب الدعائية الخشنة والمباشرة التي سبق ومورست خلال سنوات القرن المنصرم المذكور.

يتألف كتابنا من 7 فصول تسبقها مقدمة وتعقبها خاتمة. وعبر هذه السباعية يعمل المؤلف على تعريف «البروباغاندا» ويسجل تطورها من حيث التأثير على الفكر السياسي عبر الزمن، مع التركيز على عنصر استخدام اللغة واستغلال أنساقها والتلاعب بألفاظها وبدلالات تلك الألفاظ، وبما يفضي إلى استخدام بل استغلال اللغة ذاتها، كي تصبح وسيلة فعالة للتأثير على جماهير مستقبلي الرسالة الدعائية ومن ثم التحكم في سلوكيات وآراء ومواقف تلك الجماهير.

بين الدعاية والديماجوجية

وفي معرض التعريف أيضاً يؤكد المؤلف على الصلة الوثيقة بين إعلام «البروباغاندا» وبين سياسة «الديماجوجية» وبمعنى أن شعارات الدعاية إنما تصدر في الأساس عن عقلية ديماجوجية فوضوية وغير مسؤولة تنبو عن الفكر المرتب والسلوك المنظم، دون أن تستند إلى قاعدة من المبادئ القويمة.

ثم يضيف مؤلف الكتاب أن أهم وأنجع دواء ضد وباء البروباغاندا إنما يتمثل أولاً في تأكيد الممارسات الديمقراطية التي يراها المؤلف كذلك قضية ذات شقين لابد وأن يتصف بهما المجتمع المعاصر وهما:

.. سيادة الاستقرار

.. عدالة المساواة

الكتاب:

كيف تعمل البروباغاندا؟

إعداد:

جاسون ستانلي

الناشر:

جامعة برنستون

الصفحات:

353 صفحة

القطع:

المتوسط

Email