تكريس الاستهلاك كوسيلة للشعور بالتفوق أخطر مخططاتها

الرأسمالية وحيل استنزاف إمكاناتنا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طالما حرص دعاة الرأسمالية إلى الدفاع عن النظام الذي يتبعونه باعتباره إطاراً يكفل روح التنافس في أسواق العرض والطلب، ويشجع المبادرة الفردية وهي بدورها ـ كما أكدوا من يومها، تمثل رديفاً، نظيراً أو ضماناً لحرية الفرد في الاختيار وفي إدارة شؤون حياته بغير تدخل أو إقحام من جانب الآخرين. وإذا كان زوال دولة الاتحاد السوفييتي مع مطلع التسعينيات من القرن الفائت، قد جاء بمثابة انتصار للرأسمالية على ما تفرّع عن البلشفية من أفكار ماركسية ودعوات وتطبيقات شيوعية ومقولات حملت عناوين الاشتراكية، فلا تزال الأوساط السياسية والفكرية معنية بالبحث في قضايا الرأسمالية، لا من باب الدفاع عنها، ولكن من منظور التطورات التي استجدت عليها، وكذا الأوضاع والأفكار التي آلت إليها مع هذه السنوات من القرن الواحد والعشرين.

وفي هذا الإطار، يصدر الكتاب الذي نتبين مضمونه فيما يلي، للدكتور تود ماكغوان، الأستاذ في جامعة «ﭭيرمونت» بالولايات المتحدة، واختار له العنوان التالي: الرأسمالية والرغبة: الكلفة السيكلوجية للأسواق الحرة (أو لحرية السوق).

ولا شك في أن أبرز ما يجذب الانتباه إلى هذا الكتاب، حقيقة أن مؤلفه لا ينتمي إلى مجموعة أساتذة الاقتصاد، ولا حتى إلى باحثي القضايا السياسية، فالمؤلف أستاذ أكاديمي متخصص في مجال الدراسات السينمائية - الفيلمية، بمعنى أنه يطل على القضايا المطروحة عبر صفحات الكتاب، من منظور مفكر يجمع بين البحث العلمي والمنطلق الفني في آن معاً.

ويكاد المؤلف يلخص أهم محاور البحث في الكتاب حين يتعامل مع المذهب ـ الاتجاه أو المسار الرأسمالي في حياة الشعوب والأفراد، من موقع التصور بأن المذهب الرأسمالي يحاكي الهيكل الذي يضم رغباتنا كبشر، بينما يخفي، أو يستر ما يمكن أن يصاب به ممارسوه من صدمات خلال مراحل التطبيق.

وهنا أيضاً، يتوقف المؤلف عند نغمة التفاؤل أو هي الوعود التي يراها مرادفة لمسير التطبيق الرأسمالي، بمعنى أن النظام الرأسمالي ونظام حرية السوق وقوانين العرض والطلب هي ـ بنظر مؤلفنا، عناصر محفِّزة إلى انتظار الأفضل وترقّب ما قد يأتي وإشاعة روح من التفاؤل وهو ما يساعد على تحمّل ما قد ينطوي عليه الحاضر، الراهن، من تحديات أو مشكلات.

ولا تقتصر رؤى المؤلف على طرح الأفكار أو صياغتها في جمل وعبارات أو كلمات. إذ إنه بحكم التخصص، يتوسل في عرض أفكاره بأساليب الفن التي لا شك في أنه يجيد التعامل معها، وهو يعرض نماذج ويورد أمثلة مستقاة من واقع أفلام السينما وأعمال التلفزيون فضلاً عن شواهد مستقاة من واقع الحياة اليومية، وخاصة ما يتعلق مثلاً بأنماط السلوك عند جماهير المستهلكين المتشّبعين طبعاً بشعارات النظام الرأسمالي، وهذا السلوك يدعو باستمرار إلى إشباع احتياجات ورغبات البشر من مختلف السلع والخدمات.

وفي ضوء التصور الكامن جذرياً في صميم مقولات النظام الرأسمالي، وهو يتجسد في إدراك ما يمكن أن تتصف به تلك الجماهير، لا من تطلع إلى إشباع احتياجاتهم الأساسية وبما يكفل حياة أفضل ومستوى معيشياً أرقى بالنسبة لأشخاصهم ولمن يعولون، في حين أن الحقيقة الكامنة في هذا المضمار إنما تكمن ـ كما تذكر مقولات هذا الكتاب - في أن أفراد جمهور المستهلكين، وخاصة في مجتمعات أوروبا وأميركا، إنما تحدوها الرغبة في «الاقتناء» المُفضي ـ كما يتصورون ـ إلى الرضا والارتياح. إذ إنهم يشعرون بسعادة من نوع خاص عندما يتحقق لديها ذلك الشعور ـ الاستهلاكي بدوره - بأنهم حصلوا على ما يفضّلونه أو يرنون إلى تمّلكه من سلع وخدمات، وهو ما يبث في نفوسهم شعوراً بالرضا عن النفس، ومن ثم بامتلاك ناصية المعيشة، بل وبالتفوق على الآخرين.

الكتاب:

الرأسمالية والرغبة: الكلفة السيكلوجية للأسواق الحرة (أو لحرية السوق)

المؤلف:

تود ماكغوان

الناشر:

جامعة كولومبيا

الصفحات:

304 صفحات

القطع:

المتوسط

Email