الجرائم التي تروع الناس تجعلهم صفاً واحداً في مواجهتها

الوحدة الوطنية وردع الإرهاب..أحداث وقراءات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت أدوات الدمار وسبل الإرهاب تمثل الشغل الشاغل للدارسين والمحللين. وكان في مقدمتها بطبيعة الحال، القنابل وطلقات الرصاص.. باعتبار الأولى وسيلة التدمير الواسع وخاصة بالسيارات ، ناهيك عن الأحزمة المتفجرة، وباعتبار الثانية هي الوسيلة البديهية لارتكاب جرائم الاغتيال.

من هنا أيضاً، انشغل الأكاديمي الكندي كريستوف شوانيتز، أستاذ العلوم السياسية، بحكاية القنابل والطلقات والمقذوفات. ولكن من زاويتين تشير إليهما كلمتان تشغلان محور كتابه «القنابل والطلقات والسياسيون: فرنسا تردّ على الإرهاب».، الكلمة الأولى هي: فرنسا مسرحاً لعدد من الأحداث الإرهابية التي شهدتها الفترة القريبة الماضية.

فضلاً عن كونها ساحة حسمت مؤخراً رئاسة دولتها بعيداً عن مرشحة اليمين المتعصب. والثانية هي: السياسيون. وعرض الباحث لذه المسائل من زاوية مواقفهم واستجاباتهم، إزاء ما وقع في بلادهم من حوادث الإرهاب.

وكان طبيعياً أن يركّز المؤلف على رصد وتحليل أخطر الحوادث الإرهابية التي ألمّت بفرنسا، وفي مقدمتها بطبيعة الحال، حادثة صحيفة «شارلي إبدو» ومسرح «باتاكلان». وبعد عملية الرصد والتحليل، يستخلص المؤلف الدرس المستفاد التالي: إن العمليات (الجرائم) الإرهابية فيما تقصد إلى ترويع الناس وإلى هز قوائم المجتمع المستهدف.

إلا أنها تخضع إلى ما يمكن أن نصفه بأنه «جدل الإرهاب» بمعنى أن نتائج الفعل الإجرامي تأتي في الغالب الأعم على عكس ما كان يستهدفه الإرهابيون الأشرار، إنها تؤدي إلى توحيد صفوف المجتمع.. وتفضي، كما يؤكد مؤلفنا، إلى حالة تتلخص في العبارة التالية: الاصطفاف الوطني. وهذا ما تجسد في واقعنا مع أحداث كثيرة في عالمنا المعاصر، كما يقول المؤلف، خاصة في أميركا وفي فرنسا.

إذ إن الإرهابيين يجعلون أفراد المجتمع، جراء ممارساتهم الإجرامية والقتل والفتك والانتهاكات بحق الناس، ملتحمين ومتكاتفين، من مثقفين وسياسيين وأفراد عاديين، لمواجهة هذه النوعية من الأخطار التي لا توفر أياً من الفئات والشرائح المجتمعية، وذلك كون أصحابها ومحركوها يرون هؤلاء جميعا لا يستحقون الحياة ولا بد من التخلص منهم.

وهنا يأتي دور «أهل السياسة» الذين حرص المؤلف على أن يشملهم صراحة في سياق عنوان الكتاب: في الحالة الأميركية مثلاً، كان هناك أغلبية من ساسة أميركا، سواء في داخل الكونغرس أو بين صفوف الحزب الديمقراطي، من يعارض الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، بل وفي دواخل حزبه الجمهوري نفسه..

لكن حادثة المركز التجاري في نيويورك، جاءت أشبه بطوق إنقاذ لنظام جورج بوش: جاءت تدعيماً لساكن البيت الأبيض، وأدت إلى توسيع الدوائر المؤيدة له، لا من حيث اتخاذ الإجراءات الاستثنائية تعزيزاً للأمن الداخلي، ولكن أيضاً من حيث تنامي التيار المؤيد وقتها للحملة العسكرية التي عمل بوش وإدارته على شنّها على أراضي أفغانستان، باعتبارها كانت موئلاً لتنظيم القاعدة، الذي وجهت إليه أصابع الاتهام بارتكاب الأحداث الإرهابية السابق ذكرها.

ويرصد المؤلف كيف شهدت أميركا، وكيف تشهد الأقطار التي تصاب بلعنة الإرهاب، حالة من توافق عناصر التيار الجمعي الرئيسي (Mainstream)، الذي يعلو على أي من تيارات الرفض أو المعارضة أو الانشقاق، وكأنما يتراص الجميع على اختلاف الأفكار والشعارات والتوجهات، تحت شعار سبق رفعه منذ أيام الحرب العالمية الثانية، والشعار تلخصه العبارة الموجزة التالية:

«الوطن.. في خطر».وحين يتحول مؤلف الكتاب إلى المشهد الفرنسي.. يبادر إلى توضيح الفرق مع المشهد الأميركي: الفرق بين حادثة نيويورك (2001) وحادثة باريس (2015)، هو 14 سنة أو نحوها.. في «نيويورك» اصطفت أميركا خلف بنتاغون بوش تأييداً للحرب في أفغانستان. وفي باريس اكتسى المشهد الفرنسي بطابع درامي أكثر.

كما قد نقول، شهدت شوارع العاصمة الفرنسية بل والعديد من الحواضر والبلدات في فرنسا مظاهرات شعبية حاشدة ضمت الملايين من الفرنسيين وترددت في جنباتها أنغام «المارسليز» النشيد الوطني لفرنسا-، آية على أن ثمة إجماعاً وطنياً على رفض الإرهاب وضرورات التصدي له بكل ما تملكه فرنسا: جمهورها.. وساستها ومثقفوها من إمكانات.

من هذا المنظور يشكّل الكتاب إضافة لها أهميتها بالنسبة لحشد ونوعية وإدارة مسير الرأي العام، في مواجهة غائلة الإرهاب التي ما برحت تتربص بحياة الناس، بل وبتراث الإنسانية، وبكل ما لايزال يعتمل في نفوس البشر من تطلعات وآمال.

الكتاب: القنابل والطلقات والسياسيون.. فرنسا تردّ على الإرهاب

المؤلف: كريستوف شوانيتز

الناشر: جامعة ماكغيل، كندا

الصفحات:

248 صفحة

القطع: المتوسط

Email