أميركا والصين..علاقات وصراعات منذ 1776

دراسة تجمع بين الصحافة الاستقصائية والتحليل السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يدرس كتاب «البلد الجميل والمملكة الوسطى»، لمؤلفه ﭽون بومفرِت، علاقات ونزاعات أميركا والصين، وآفاق تقدم وسيطرة الثانية على مقدرات العالم.

ويشكل الكتاب قيمة مهمة في استشراف وتحليل أوضاع هذا العالم، الذي عاش أكثر من نصف قرن (55 سنة على وجه التحديد)، موزعاً في سباق القوة والنفوذ بين قوتين، إحداهما كانت في شرق الكرة الأرضية واسمها الاتحاد السوفييتي (روسيا)، والثانية في غرب الكرة الأرضية واسمها الولايات المتحدة (أميركا).

وقد تنفّس هذا العالم الصعداء قبل أن يحل عقد التسعينيات من القرن المنصرم، بعام واحد، يوم أن تسامع الناس بسقوط وانهيار السور، الذي كان يقسّم العاصمة الألمانية برلين إلى شرق شيوعي، وغرب رأسمالي. وبهذا انتهى سباق الحرب الباردة بالضربة القاضية، التي زال بعدها الخصم الشرقي- السوفييتي- الروسي ولصالح الخصم الغربي- الرأسمالي- الأميركاني.

ومن ثم جاءت سنوات الألفية الثالثة، لتضع أمام أميركا خصماً لم يكن في الحسبان، ويحمل اسماً يعرفه الجميع: الصين، والتي دخلت سنوات القرن الجديد، وكأنما بُعثت من جديد صيحة «بونابرت»، التي ارتفعت بالنذير قبل أكثر من 200 سنة، إذ قال ما معناه: «العملاق الأصفر نائم.. احذروه حين يستيقظ».

ويبين المؤلف أنه ها هي سنوات العقد الأول والثاني من القرن 21 تؤكد أو تترجم مقولة نابليون، موضحة أن التنين الآسيوي الأصفر بات يشكل تحدياً بالغ الشراسة أمام أميركا بالذات: اقتصادها وتجارتها ومصنوعاتها فضلاً عن مكانتها ودورها المحوري في عالم اليوم.

هذه هي الخلفية، التي انطلق منها الكتاب، الذي نعايشه في هذه السطور، وقد عكف مؤلفه على تدارس علاقة أميركا والصين، منذ استقلال الأولى عام 1776 وحتى اللحظة الراهنة.

وتتمثل قيمة هذا الكتاب في قدرة المؤلف على تقصّي مسيرة وتطور الصين من مراحل عزلة الحكم على يد الحزب الشيوعي، خلال حقبة الزعيم ماوتسي تونغ، مروراً بحقبة المحبة/‏ الكراهية، التي اجتازتها علاقات الصين- أميركا، ووصولاً إلى المرحلة الراهنة التي تجمع بين القطبين، وهي مرحلة أقرب إلى الترصّد المتبادل ولاسيما في غمار حمى التنافس بين واشنطن وبكين في مجالات التبادل التجاري والإنتاج الصناعي- السلعي بالذات، فضلاً عن ميل الميزان التجاري بين البلدين الكبيرين لصالح الصين في التحليل الأخير.

ويحرص مؤلف الكتاب على تأصيل جذور العلاقة الأميركية- الصينية.

ويتقصى تطورات ومآلات العلاقات المذكورة موضحاً بالبيانات والبراهين العلمية كيف أن الزعيم ماو شخصياً، كان يتعامل باهتمام خلال سنوات النصف الأول من القرن العشرين مع ما يجري في دواخل أميركا.. بينما كان الأميركيون يولون اهتمامهم، بل وإعجابهم، بما كان يصدر عن، أو يرتبط بالثقافة الصينية من فنون وفلسفة (كونفوشيوس) ناهيك عن الإعجاب الأميركي الذي لا يزال قائماً بالطبع بإبداعات المطبخ الصيني، ثم إن المؤلف يذهب إلى أن أميركا بدأت اهتمامها بالصين منذ فترة طويلة بدأت منذ أن خلع الأميركان عن بلادهم رداء المستعمرة التابعة في زمان سبق للإمبراطورية البريطانية.

وهو ما أتاح للطرفين بدايات التبادل التجاري منذ عام 1783 مع تطوير هذه العلاقات إلى حيث بدأ المبشرون المسيحيون الأميركيون يزورون الصين مع حلول عقد الثلاثينيات من القرن التاسع عشر.

في كل حال، فلا يزال هذا الكتاب يمثل إضافة لها قيمتها، من حيث الجمع بين جانب البحث العلمي، والتحليل التاريخي وبين جانب الرصد الميداني من منظور مثقف أميركي يعمل في مهنة الصحافة الاستقصائية، وهو ما أكسب كتابنا قيمة خاصة للغاية، ولدرجة أن يطالب الناقد الأميركي سيمون وتشسنر بتقديم هذا الكتاب كي يقرأه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو يطالعه ويستوعبه وزير خارجيته الحالي أو المنتظَر.

خاصة أن مؤلف الكتاب يؤكد بحكم معرفته وخبرته بالطرف الصيني أن كلاً من أميركا والصين محكوم عليهما بالبقاء في إطار علاقة أكثر من وثيقة وليس لأي طرف منهما أن يفلت من تطورات هذه العلاقة المحكوم عليها أن تتواصل، وخاصة مع حلول عام 2049 حين تحتفل الصين بمرور 100 عام على ثورتها الشعبية الكبرى.

الكتاب: البلد الجميل والمملكة الوسطى

تأليف : جون بومفرت

الناشر: هنري هولت وشركاه

الصفحات: 693 صفحة

القطع : المتوسط

Email